(عن عجائب كرم الله ورحمته ومغفرته واحسانه لخلقه في الآخرة!!)

************

قال تعالى: {مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا}(النساء:147)

بالفعل ليس لله أية مصلحة وحاجة بتعذيب عباده على ذنوبهم، انما هي مقتضيات العدالة بعدم المساواة بين المُحسن والمسيء والا فإن الله لن ينقص من قدره وملكه شيء سواء أن أدخل الناس كلهم، بجنهم وأنسهم، للجنة او النار !! ، إنما هي مقتضيات العدالة التي اقتضت التمييز والتفريق بين الفريقين وعدم المساواة بينهم يوم الحساب!، ومع ذلك فهو، عز وجل، لا يطبق العدالة بشكل صارم حديدي آلي بدون رحمة واحسان، ودون اعتبار لظرف كل عبد من عباده، ودون امهال واعطاء فرص كثيرة للتوبة، فباب التوبة مفتوح على مصرعيه ليل نهار ، والله سبحانه لم يعد التائبين الصادقين المخلصين النادمين بغفران ذنوبهم فقط ومحو سيئاتهم بل وعد بما هو أكبر وأعجب !!! وهو انه سيأخذ كل تلك السيئات الموجودة في ميزان سيئاتهم ويضعها كلها في ميزان حسناتهم!!!! فتنقلب سيئاتهم التي ارتكبوها قبل توبتهم النصوح بما فيها الكبائر ، بقدرة الله وجميل كرمه واحسانه، الى  حسنات!! وهذا أغرب وأعجب ما في الأمر كله، في طريقة حسن معاملة الله لخلقه وعظيم عفوه وكرمه !! ، بل وحتى المسلم الصادق التسليم لله والذي قد تغلب عليه نفسه وحب الشهوات أو عُقده النفسية وعيوبه الاخلاقية  الناتجة عن تربية خاطئة وبيئة اجتماعية سيئة مرات ومرات فيرتكب الذنوب مرة بعد مرة بما فيها الكبائر ، ما عدا الشرك بالله، ومات على ذلك الحال السيء بدون توبة نصوح لكنه مات على دين الاسلام والاعتقاد بوحدانية الله وبصدق انبيائه ورسله وصحة القرآن، بما فيهم بعض من تلبس ببعض صفات المنافقين ومرضى القلوب، فإن الله، كما فهمت من نصوص القرآن، قد يغفر لهم أيضًا إما بما عاقبهم به في الدنيا جزاء ذنوبهم من غم وهم او مرض أو فقر وشقاء ومعاناة، او بالنظر الى بعض الأعمال الطيبة القليلة التي قاموا بها فخلطوا العمل الصالح بالعمل السيء أو لأي شيء في تقدير الله وعلمه ولو ببعض احوال قلوبهم!، فيغفر لهم إما ابتداءً بدون عذاب وعقاب أو بعد أن ينالوا عقوبتهم العادلة في عذاب جهنم لمدة يستحقونها، قد تكون ساعة من نهار، أو ليوم او لعدة أيام، او سنة او لعدة سنوات، او حتى بعد ألف عام او مليون عام !!!، يعيشون فيها في متاهات وأودية جهنم المرعبة والمظلمة احقابًا جزاءً وفاقًا وعادلًا لذنوبهم وخطاياهم وظلمهم للعباد....


فكل الاحتمالات مفتوحة ،  لأن مشيئة الله طليقة بشكل كامل، ورحمته واسعة بشكل فوق التصور!!، لا يُمكن لأحد أن يسأله عن قراره وعن ما يفعل!؟، فهو يُعذّب من يشاء ويغفر لمن يشاء ، الا من يشرك بالله فقد حرّم الله عليه الجنة بنص صحيح صريح، فلا يمكنه دخولها،  لكن وكما قلنا فإنه بالنظر الى مشيئة الله المطلقة ورحمته الواسعة التي وسعت كل شيء، فمن الوارد لو كان هذا المشرك من المشركين الذين لم يظلموا الناس او ممن كانوا حققوا في الدنيا بعض صور العدل والاحسان أن يخفف الله عنهم العذاب الى أدنى درجاته في عالم جهنم المختلف الأشكال والألوان والأمكنة والازمنة والمختلف الدركات والطبقات والطقوس والأحوال والعذاب والأهوال!، وهذه الدرجة الأدنى من الحياة في عالم جهنم المرعب ربما يشبه لحياة الفقراء البؤساء في الدنيا من المعذبين في الأرض الذين يعيشون في مناطق قاحلة لا يجدون فيها الماء والطعام الا بشق الأنفس وبعد تعب وعناء شديد أو يشبه لحياة من يقضون حياتهم في السجن المؤبد في سجن من سجون القرون الوسطى البائسة العفنة الرطبة المظلمة مع الاعمال الشاقة وجيوش الصراصير والجرذان!! ، فهذا وإن كان يبدو لنا حاليًا أمرًا مخيفًا شقيًا الا أنه بالقياس إلى أهوال الحياة في جهنم سيبدو يومها كالإقامة في فندق خمس نجوم في الدنيا !! ، ومن يدري!؟ فقد يكون من رحمة الله ببعض ممن كان من أهل الاحسان للوالدين والفقراء في الدنيا ولم يكونوا ممن حاربوا الله ورسله لكنهم ممن ماتوا على الشرك الأكبر الذي عقوبته الحرمان من الجنة الى الأبد أن يقرر الله ان يمنَّ عليهم بالعدم!!، اي الموت الأبدي!،  وهو أفضل بمليار مرة من الحياة في جهنم ليوم واحد  حيث يتمنى يومها الكافر الموت ولا يجده!!، ويكون الموت هو اغلى أمانيه وطموحاته!، فيتوسل في لحظة بؤس لخازن جهنم أن يسأل الله له أن يمن عليه بالموت والفناء لكن دون جدوى!، فيظل يصرخ في فزع وعذاب وسط اودية جهنم الرهيبة تارة وهو يقول : " يا مالك فليقضِ علينا ربك!، يا مالك فليقضِ علينا ربك!!"، وتارة اخرى يصرخ في لحظة بؤس وجودي تام من شدة الألم والندم:  "يا ليتني كنت ترابًا !، يا ليتني كنت ترابًا" وتارةً ثالثة يلطم خديه من شدة الحسرة وهو يصرخ : " يا ليتها كانت القاضية !، يا ليتها كانت القاضية!".


فبعض هؤلاء المشركين ممن حرّم الله عليهم الجنة بسبب موتهم على الشرك، وبالرغم من أنهم كانوا من ذوي العدل والاحسان في الدنيا قد يخفف الله عنهم العذاب الى ادنى مستوياته أو يرحمهم بالموت والعدم!، او من يدري!!؟؟ فقد يُعطيهم ربهم فرصة اخرى في عالم آخر لكائنات أخرى ليحاولوا أن يكونوا من الصالحين !!!، واذا صحت هذه الفرضية فمن الممكن ان يكون من بيننا اليوم، نحن البشر هنا في كوكب الأرض مخلوقات من ((الجهنميين السابقين))  ممن تم اخراجهم من النار بسبب بعض حسناتهم واخلاقهم الحسنة قبل موتهم في عالم آخر وكون آخر غير عالمنا وغير كوننا الحالي!، كفرصة اخرى وأخيرة من الله لهم لتعديل مسارهم الوجودي وللفوز بالجنة بعد ان حال الشرك الأكبر بينهم وبين الدخول للجنة في عالمهم وكونهم السابق والفاني!، بالرغم ما لهم من حسنات واعمال خيرية!.


الشاهد هنا !؟

أن ارادة الله طليقة ومفتوحة على كل الاحتمالات، فهو يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ويفعل ما يشاء، فالمُلك ملكه وحده، والأمر أمره وحده، والحُكم حكمه وحده، والخلق خلقه وحده، والرزق رزقه وحده، والكرسي كرسيه وحده، والعرش عرشه وحده، والتدبير تدبيره وحده، والتقدير تقديره وحده، والعلم علمه وحده، والحكمة حكمته وحده،  والمشيئة مشيئته وحده، والرحمة رحمته وحده، والعذاب عذابه وحده، والجنة جنته وحده، والنار ناره وحده، لا اله الا هو وحده، وهو الرحمن الرحيم العليم الحكيم، يحكم ما يريد ولا يُشرك في حكمه احدًا ، لا يُسئل عن ما يفعل، انما أمره اذا اراد شيئًا أن يقول له كن فيكون!!... هذا ما تعلمته من استقراء القرآن عن مشيئة الله المطلقة الحرة التامة الحرية،  وعن رحمته الشاملة التي وسعت كل شيء،  وعن حكمته الكاملة التي تعجز عقولنا وحتى عقول ملائكته عن فهمها واستيعابها والاحاطة بها، وعن حنانه وامتنانه واحسانه وفضله وكرمه الذي يفوق كل تصوراتنا وتوقعاتنا!، لذا أقول ان باب كل الاحتمالات مفتوح على مصرعيه ، فالله اكبر وأقدر وأحكم وأعظم وأرحم وأوسع مما نظن ومما نعتقد ونتصور !

قال عز وجل:

{فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (¤) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّك ۚ(!!؟؟؟)إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ  ۞ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ(!!؟؟؟) عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} (!!!؟؟؟) [هود: ١٠٦ - ١٠٨]


هذا و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

♡♡♡♡♡

أخوكم المحب