ولد عمر المختار المنفي – تنطق لمْنِفِي – عام 1862 م ببرقة وهي ما يشكل الآن الجزء الشرقي من ليبيا, حيث تكونت البلاد من ثلاثة أقاليم هي برقة وطرابلس وفزان. كان عمر المختر قائدا من قادة السنوسيين إشتهر بجهاده الطويل ضد الإيطاليين وهو اليوم أبرز رموز الجهاد الليبي ضد الإحتلال الإيطالي.
نشأته
عندما كان عمر المختار صغيرا قرر والده المختار الذهاب للحج, ولكنه توفي خلال الرحلة, فنشأ عمر المختار وأخوه يتيمين. ولا يعرف الكثير عن نشأته إلى أنه قد إنتقل إلى الجغبوب في بداية حياته وكانت وقتها أحد مراكز الدعوة السنوسية التي إنتشرت في شرق البلاد وجنوبها. وفي الجغبوب درس العلم الشرعي واللغة العربية والقرءان الكريم وقد أعجب زعيم السنوسيين وقتهابه.
ولا يمكن فهم قصة عمر المختار دون معرفة من هم السنوسيون.
السنوسيون
نشأت الدعوة السنوسية على يد "محمد بن علي السنوسي" المعروف بالسنوسي الكبير, الذي ولد في الجزائر في أواخر القرن الثامن عشر ميلادي, ويرجع نسبه إلى آل البيت. درس السنوسي العلم في القيروان وفاس ومكة, ولكنه إضطر إلى ترك مكة بعد أن تجاوز عمره الخمسين عاما. فسافر ووصل برقة عن طريق مصر. وهنالك بدء ينشئ الزوايا ( الزاوية مكان لتعليم الصغار واستقبال الضيوف الذين يفدون على البلدة أو المدينة ). ويروى أنه أخذ يرشد البدو ويعلمهم أمور دينهم حتى ذاع صيته بين القبائل, وأخذ زعماء البدو يتسابقون في إستقباله. وأسس السنوسي زوايا في "جالو" و "أوجلة" وغيرهما. كما أسس زاوية في الجبل الأخضر قرب درنة سميت بالزاوية البيضاء وهي أساس مدينة البيضاء الحالية.
وكان السنوسي يدعو في تعاليمه إلى التمسك بأوامر الله وطاعة رسوله- صلى الله عليه وسلم – وإجتناب مانهى عنه, كما كان ينهى أتباعه عن حياة الترف. وأصبح للسنوسي سلطة دينية وإجتماعية كبيرة على قبائل البدو.
والذي يظهر من حياته أنه كان رجلا ذا عزم وذا حنكة ومهارة في التعامل مع الناس. ولولا ذالك ماتمكن له الحصول على القبول بين قوم هو غريب عليهم وأن يبدأ سلالة حاكمة إنتهت لتنصيب حفيده ملكا على ليبيا.
وخلف السنوسي إبنه "محمد المهدي" الذي جعل مقر إقامته في مدينة الكفرة. وقد إزدهرت في عهد المهدي التجارة بين السودان والبحر الأبيض المتوسط, وأصبحت الكفرة مركز تجاريا مهما في طريق القوافل, وعم الأمن في الطرق التجارية من الكفرة وإليها بعد أن كانت مكانا للسلب والنهب. وقد أصطحب المهدي عمر المختار معه عند ذهابه إلى الكفرة.
وفي عهده حدثث معارك بين السنوسيين والفرنسيين في السودان وحول "واداي" وشارك عمر المختار في هذه الحروب. كما عينه المهدي شيخا لزاوية "عين كلك" في السودان والتي مكث فيها فترة يعلم الناس. وتوفي المهدي عام 1900 م وخلفه ابن أخيه السيد أحمد الشريف الذي إشتهر بجهاده ضد الإيطاليين ومحاربته الإنجليز في مصر. عَيّن الشريف عمر المختار شيخا لزاوية "القصور" في الجبل الأخضر. وقد أظهر عمر المختار كفاءة واقتدار في منصبه ذاك.
دخول إيطاليا
ظهرت البوارج الإيطالية أمام الساحل الليبي في سبتمبر من العام 1911 م وبعد مدة قليلة بدأت تقصف المدن, وقامت القوات العثمانية والأهالي الليبيون بمقاومة الغزو, وبطبيعة الحال إشترك السنوسيون في القتال. وعلى الرغم من نجاح المقاومة في تحقيق بعض الإنتصارات إلى أن القوات الإيطالية تمكنت من السيطرة على الساحل الليبي بسبب تفوقهم العددي وحداثة أسلحتهم.
ودخل العثمانيون في مفاوضات مع إيطاليا تمخًّض عنها صلح "أوشي لوزان" في أكتوبر من العام 1912 م وسحبت تركيا قواتها من ليبيا. ولكن لم يثني ذالك عزيمة الليبيين عن الجهاد.
ووقعت عدة معارك في شرق البلاد وغربها, من أبرزها معركة القرضابية قرب سرت والتي حقق فيها الليبيون إنتصار ساحقا. ومعركة يوم الجمعة في الجبل الأخضر والتي قاد فيها السيد أحمد الشريف القبائل مع مساهمة الضباط العثمانيين إلى النصر على الطليان. ولكن الحكومة الإيطالية ضغطت على تركيا لسحب قواتها, واضطر قائد القوات التركية عزيز بك المصري للإنسحاب إلى مصر. وبعد إنسحاب الأتراك أسندت القيادة العامة للقوات السنوسية إلى عمر المختار.
إتّبع عمر المختار سياسة حرب العصابات حيث كان المجاهدون الليبيون يكمنون للقوات الإيطالية ويهاجمونها عندما تكون معزولة. نجحت هذه الإستراتيجية في تحقيق بعض الإنتصارات, وتمكن المجاهدون من غنم ما يحتاجونه من عتاد وأسلحة من عدوهم. إلى أنه في عام 1915 م أصابت برقة المجاعة, واضطر السيد محمد إدريس السنوسي لمفاوضة الإيطاليين بعد إستلامه الزعامة من ابن عمه أحمد الشريف. وقادت المفاوضات إلى إتفاق مبدئي بينه وبين الإيطاليين سمي بإتفاق الزويتينة.
إستئناف القتال
طلب الإيطاليون من إدريس السنوسي جمع السلاح من أيدي الليبيين وعندما جوبه طلبهم بالرفض أدى ذالك إلى بدء المناوشات بين المجاهدين والإيطاليين. وفي ذالك الوقت كانت صحة إدريس السنوسي تزداد سوءا, فغادر الجبل الأخضر سنة 1922 م إلى القاهرة لتلقي العلاج وطلب المساعدة من مصر. وكان عمر المختار من أبرز شيوخ السنوسية وقوادها فجعله إدريس السنوسي نائبه في الأمور السياسية والعسكرية. وبعد مغادرته شن الإيطاليون هجوما على إجدابيا عاصمة السنوسيين وقتها واستولو عليها. وعندئذ قابل وزير الدفاع الإيطالي إدريس السنوسي في مصر وأنبأه بأن الإتفاقات المعقودة أصبحت لاغية. وكان هذا يعني استئناف القتال بين المجاهدين والإيطاليين.
وحدثت معركة عنيقة بين الطرفين في البريقة وكانت قيادة الليبين فيها للشيخ صالح الأطيوش والشيخ الفضيل المهشهش كان النصر فيها حليف الليبيين. وعَيّن عمر المختار لكل قبيلة قائدا على أن يظل هو القائد الأعلى, واتخذ الجبل الأحضر قاعدة لجهوده, وواصل الجهاد ضد الإيطاليين.
وكان من أبرز المعارك التي حدثت معركتي "الرحيبة" و "عقدة المطمورة" اللتين كان النصر فيهما أيضا حليف الليبيين. وذاع صيت عمر المختار كقائد عسكري ناجح وصاحب نفوذ كبير على القبائل, وأقبل كثير من الرجال للقتال معه, إضافة للدعم الذي كان يقوم به الأهالي للمقاتلين بتوفير ما يحتاجونه من المساعدة والمؤن.
تضييق الخناق
توالت الإنتصارات من جانب المعسكر الليبي ولكن الإيطاليين سعو لإحتلال الجغبوب والتي كانت مركزا مهما للمجاهدين, كما أن السيطرة عليها تعني قطع الإمدادات التي تأتي للمجاهدين عن طريقها. ولكن كانت هنالك عقبة تقف دون ذالك وهي أن الجغبوب كانت في ذالك الوقت داخل الحدود المصرية, وللتغلب على هذه العقبة قام الإيطاليون بعمل كبير في لندن والقاهرة نتج عنه إعادة ترسيم الحدود المصرية-البرقاوية لتكون الجغبوب جزءا من برقة.
وقام الإيطاليون بالإستيلاء على المدينة في وقت ما بين 1926 م و 1928 م. وشكل سقوطها ضربة موجعة للمقاومة الليبية. وأسفر عن تضييق الخناق على عمر المختار والمجاهدين الذين كانو معه.
مجيئ بادوليو
كانت النقطة الفارقة في مسار الحرب هي تعيين المارشال بادوليو حاكما للقطرين البرقاوي والطرابلسي. وقد إدعى الإيطاليون أنهم يرغبون في إجراء مفاوضات لغرض تحقيق السلام, إلى أن هدفهم كان المماطلة وكسب الوقت. وفي عهد بادوليو قام الإيطاليون بتقليص عدد قواتهم ليلائم إستراتيجية حرب العصابات.كما اتبعو سياسة ساهمت بأكبر قدر في نجاح إيطاليا, ألا وهي تهجير القبائل الليبية من مواطنها وتجميعها في معسكرات إعتقال. كانت نتيجة تلك السياسة حرمان المجاهدين من المؤن والمساعدة التي كانو يحصلون عليها من الأهالي. وليس هذا موضع تفصيل ذالك إلى أن تلك المعسكرات كانت جرائم ضد الإنسانية وهي من أفظع ما قام به الإيطاليون في ليبيا.
النهاية
إستمر حصار الإيطاليين لعمر المختار ومن معه, وازداد الوضع سوءا بعد سقوط الكفرة التي تلا سقوطها السيطرة على إقليم فزّان. ولكن المجاهدين لم يستسلمو وعزمو على القتال حتى النهاية. وفي عام 1931 قبض الإيطاليون على عمر المختار بعد معركة دارت بينهم. وبعد محاكمة صورية قامو بشنقه رحمه الله.
وبذالك يكون عمر المختار قد جاهد مدة 20 عاما لم يبدي فيها إستسلاما ولا تهاونا, مع علمه بتفوق العدو في المال والرجال و الأسلحة. واستمر ينزل الخسارة تلو الأخرى بالإيطاليين وفقا لإمكانياته. والحق أن الإيطاليين لم تتم لهم السيطرة على ليبيا بسهولة ولم يتمكنو من حكم ليبيا إلى بعد إلحاق المجاهدين في جميع أنحاء ليبيا الخسائر الجسيمة بهم. ولكن قضى الله أن تتم لهم الغلبة في النهاية.
وبعد موت عمر المختار بقليل تمت السيطرة للإيطاليين على كامل ليبيا وظل الإيطاليون يتمتعون بالأمان مدة إحدى عشر عاما عانى فيها الليبيون الويلات جراء سياسة كانت تهدف لإبادتهم وتحويل بلادهم إلى أرض إيطالية يسكنها الإيطاليون.
ولكن الحرب العالمية الثانية قضت على أحلام إيطاليا حيث إنها تحالفت فيها مع ألمانيا وبخسارة الأخيرة الحرب خسرت إيطاليا مستعمراتها, وضلت ليبيا فترة تحت الوصاية إلى أن نالت إستقلالها عام 1951 أي بعد 40 عاما من مجيئ إيطاليا أول مرة.
عن حياة عمر المختار وجهاده
هذه التدوينة كتبت باستخدام اكتب
منصة تدوين عربية تعتد مبدأ
البساطة
في التصميم و التدوين