من مصابنا الاساسية أننا في القضايا العامة نسمع و نطيع بدون مقاومة و لا حتى نقد لما يقوله السياسيون و المثقفون و المخاتير و غيرهم. أما في القضايا الخاصة،  فنحن فضوليون شكّاكون ، يشعر الانسان على المستوى الخاص أنه تحت المجهر،  مادة للمراقبة و التشريح . و هذا عكس المطلوب تماما،  فالواجب أن نراقب الحياة العامة و نتلقى أفعال المؤسسات العامة و المجتمعية و الدينية بالتشكيك و التشريح و الانتقاد ،ان نكون واعين لما يقال لنا و يطلب منا على المستوى العام . أما على المستوى الخاص فالمفروض ان يهتم كل منا بنفسه ، و ان تكون علاقته بالآخرين علاقة الحب و النصيحة و المساعدة.   بدون تدخلات عنيفة و مباشرة و قاسية . 

لكن عند التدقيق نجد ان الأمرين مترابطان ؛ فلأننا سلبيون خاضعون على المستوى العام ، فأننا نشعر بالنقص ، فنعوض هذا النقص بممارسة  السيطرة على الآخرين من عامة الناس ، حتى نعوض الظلم الواقع علينا على المستوى العام . و هذا طبعا يسعد الحكام و اعوانهم و يسعد المستفيدون من المنظومة المهيمنة مجتمعيا و سياسيا و اقتصاديا ، بل انهم يشجعون العقليات و السلوكيات المتخلفة ،لانها تصرف الاهتمام عن ظلمهم و تفرغ جهود الناس في التفاهات مثل القيل و القال و الحشرية و الفضول المقيت ... 

إننا بحاجة ماسة لقلب هذه المعادلة ؛ علينا ان نكون ايجابيين واعين نقديين نشطاء فعالين ، على المستوى العام ،اما على المستوى الخاص فعلينا ان نكون رحماء لطفاء ، ان يترك كل منا الآخر و شأنه ، فحسبنا ان ننصح و نساعد ، دون فرض وصاية و لا سيطرة ، دون فرض املاءات و اوامر على بعضنا .

نحن العرب - خاصة - نعيش وضعا كارثيا منذ قرون ، و أحد اهم أسباب استمرار هذا الوضع هو سيادة افكار و قيم و سلوكيات تخدم الاعداء و الزعماء و الوجهاء.  طبعا هناك اسباب كثيرة جدا اهمها التبعية للغرب و سيادة انماط و انظمة سياسية و اقتصادية ترسخ هذه التبعية ، و تخدم الغرب و اذناب هذا الغرب ، لكن حتى تستمر هذه التبعية و هذه الهيمنة تم توليد و نشر افكار دينية و قيم اجتماعية و سلوكيات و طقوس و ثقافات ، لتأييد ،و تأبيد التخلف لان تأبيد التخلف هو تأبيد لحكم الغرب و اذنابه .

ليس صدفة ان حركات التحرر الوطنية تزامنت مع افكار تحررية على كل المستويات ؛ فالمعادلة واضح : التحرر و النهضة عملية شاملة ؛ لا يمكن ان نتحرر سياسيا دون ان نتحرر اقتصاديا ،و لا يمكن ان نتحرر اقتصاديا دون ان نتحرر سياسيا  ،و لا يمكن ان نتحرر فكريا بدون ان نتحرر اجتماعيا ... و هكذا . لذلك قامت الانظمة الوطنية بنشر التعليم ، و بناء الاقتصاد الصناعي الزراعي الوطني ، جنبا الى جنب مع محاربة الاستعمار و محاربة التخلف ؛ فحاربت مثلا المراة في ثورة  ظفار ،و اصبحت طبيبة و مجندة في اليمن بعد الاطاحة بالملكية ... و هكذا .

و ليس صدفة بالمقابل ،ان الانقلاب على المشروع الوطني القومي تزامن مع مد وهابي رجعي ، و مع انتشار التخلف على كل المستويات .. ان المشروع الاستعماري و الهيمنة و التبعية و التخلف ، تحتاج الى فكر رجعي و قيم رجعية و. سلوك رجعي .. و المشروع الوطني النهضوي يحتاج الى فكر مستنير و قيم انسانية تقدمية و سلوك حضاري .

و ها نحن اليوم ،لا نزال نعاني من المشروع الوهابي الساداتي الغربي،  الذي بدأ مع المد الناصري ،و أخذ زخمه كاملا مع وفاة الزعيم عبدالناصر،  في ليبيا و سوريا و العراق و تونس و غيرها ، يتم استخدام الشباب الذي تم غسل دماغه لمحاربة و محاصرة المق ا ومة و كل الأنظمة و الحركات و الأفراد الذين يقفون ضد الغرب .. و الرد هو ان نقف كشعوب مقهورة ضد هذا التيار ، ان نترك انشغالاتنا التافهة و المُحْزِنة ،و ان ننشغل بالهم العام ، ان نراقب الغربي و الحاكم و الشيخ و المثقف المُنْبَطِح بدلا من مراقبة بعضنا .


#خواطري_علاء_هلال