ما إن ضرب رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي بمطرقته، معلنا إكتمال التصويت على الموازنة الاتحادية لعام 2021، حتى شاهدنا العناق الحار بينه وبين نائبه حسن الكعبي، في ظاهرة تحدث للمرة الأولى، ربما تكون حركية إنفعالية عفوية ولكن لها مدلولات كثيرة.
فالسيد الحلبوسي من المكون السني بينما السيد الكعبي من المكون الشيعي، وذلك يعني أن الكتلة التي يمثلها الحلبوسي كانت على توافق تام مع كتلة الكعبي حول بنود الموازنة، وأن التصويت عليها يعني إنتصار لهاتين الكتلتين دون النظر الى مذهب أو طائفة معينة، كما إنه قد يعني من جانب أخر، أن هناك إتفاقا على مغادرة الطائفية السياسية والتوجه لتحالفات جديدة بعيدة عن الطائفة والمكون، وظهر هذا جليا في إعتراضات بعض الكتل على بعض بنود الموازنة، رغم أنها من نفس المكون الذي ينتمي له الكعبي أو الحلبوسي.
كما يجري الحديث في الأروقة السياسية والإعلامية، عن السعي الى تحالفات جديدة عابرة للمكونات، تتفق في الرؤى والبرامج السياسية وتتجاوز التقاطعات الطائفية والقومية، وتطوي الصفحة الماضية التي عانت الفشل وأورثت الارهاب والفساد، وتلغي التسميات الثانوية لتكون كلمة العراق هي الخيمة الجامعة، والإنتماء الوطني هو المعيار الذي يتنافس فيه الجميع.
رغم ذلك يبدو أن البعض تعود أن يعيش في المياه الآسنة، ويصر على أن لا يغادر مستنقع الطائفية، ويتصرف كالمصاب بوباء كورونا ولا يريد أن يعترف به، محاولا أن يصيب من حوله بهذا المرض، فيستمر برفع الشعارات الرخيصة والتصريحات البالية، التي تعود تجار الحروب والطائفية على إستخدامها مع قرب كل إنتخابات، مصرين على إستخدام هذه السلعة الكاسدة، التي يحاول الجميع التخلص منها، ورميها في مكب النفايات.
صدم الجميع مما حدث في إجتماع البرلمانات العربية، وما صدر من الوفد البرلماني العراقي، الذي يفترض به أن يكون ممثلا لوطنه، ومعبرا عن الموقف العراقي من الأحداث التي التي تدور في المنطقة، والتي يسعى العراق من خلالها لأن يكون جسرا للتلاقي ومنطلقا للتهدئة، وليس أرضا للصراع وخلق الفتن، ويعكس الحالة العراقية التي غادرت الخطاب الطائفي والتفكير الأحادي، لكن الذي حصل هو عكس المأمول من الوفد العراقي!
ليس غريبا على ظافر العاني إطلاق مثل هذه التصريحات، فقد تعود العراقيون على مثلها طوال السنوات الماضية، وكان له دور كبير في تأجيج الخلافات السياسية بين مكونات الشعب العراقي، ولطالما كان حمالة الحطب التي تزيد النار إشتعالا، لكن الغريب أن يكون ممثلا لوفد رسمي ويستخدم ذلك الخطاب والتحريض ويأتي بافتراءات وأباطيل، ويتجاوز على أجهزة أمنية حكومية محاولا خلق فتنة طائفية، ومخالفا لشروط عضوية مجلس النواب العراقي.
من إستمع لخطاب العاني يعتقد أنه زعيم لمعارضة عراقية في الخارج، أو أنه الناطق الرسمي لداعش، ولا يصدق أنه ممثل رسمي للعراق بكافة طوائفه وقومياته، وهو تصرف يعكس الحالة المريضة التي يعاني منها البعض ولا يريد مغادرتها، كونها تمثل مصدر تكسب وربح، وأن أحرقت البلاد والعباد.
يبقى السؤال المهم: هل البرلمان العراقي، سيرد على ظافر العاني ويحاسبه على تجاوزاته، أم سينتهي الموضوع بالتقبيل والتراضي، في الغرف المغلقة كما يحدث كل مرة؟
يصعب التوقع من ساستنا وكتلهم، فالغريب وغير المتوقع هو ما يمكن توقعه منهم.. سننتظر ونرى.