من مذكراتي الشخصية


مرحبًا يا ملف مذكراتي العزيز، اشتقتُ إليك!

سأحدثك اليوم بشيئ ظللتُ أخشى البوح به طويلًا، لكنه ظل يخطر لي بين الحين والآخر. الحقيقة أنه موضوع أحلام يقظتي طوال الوقت!


خلال الأيام الماضية، وبينما كنت أتجول في فيسبوك، لاحظتُ نوعًا من الهوس بالزواج يبدو من منشورات الأصدقاء: فبعضهم يكتب رسائل إلى أزواجهم أو زوجاتهم المستقبليات، والبعض يحث أصدقاءه ومتابعيه قائلًا: "تزوجوا يا إخواني!"، والبعض يعبر عن أمله بالزواج قريبًا أو يدعو الله طالبًا الزوج/الزوجة الصالحة... وهكذا.


أما أنا فلم أكتب شيءً من ذلك؛ لا لأنِّي لا أهتم، ولكن لأنِّي أهتم ربما أكثر من اللازم!


وأنا أخشى أن أكتب، أخشى أن أظهِر احتياجي علنًا، أخشى أن يهزأ الناس بي أو يأسفوا لأجلي قائلين في أنفسهم: "إنَّها تتمنى الزواج، هذه العمياء المسكينة! فوا رحمتاه لها؛ إذ لن تناله أبدًا!"


وماذا لو أنَّ الشفقة وصلت بأحدهم إلى أن يفكر في الزواج بي طلبًا للأجر مثلًا؟كلا، أفضل الموت على ذلك!


ورغم كل شيء فأنا واقعية، أدرك أنِّي لستُ للزواج ولا هو لي!؛ ليس لأنِّي كفيفة، فقد سمعتُ كثيرًا عن الزيجات الناجحة بين كفيفات ومبصرين أو حتى مكفوفين.


لكني أسمع وأشاهد نماذج لزيجات بائسة بين الأصحاء أنفسهم، فالإعاقة ليست في الجسد وحده، وليس أسوأ ولا أكثر تدميرًا من الإعاقة النفسية.


أرى أشخاصًا غير ناضجين عاطفيًا، أشخاصًا غير واعين ولا مدركين لذواتهم ولما يريدونه في الحياة، أشخاصًا مشبعين بجروح ونقص وحرمان منذ طفولتهم... كبار عمرًا أطفال عاطفةً وعقلًا، يتولون مسؤولية تدمير علاقاتهم وتحطيم شخصيات أبنائهم بأريحية ودون أن يفكروا مرتين!


لا! حتى لو لم أكن كفيفة، فإنني أفضل الوحدة الأبدية على أن أصبح واحدةً منهم! وحتى لو أتيحت لي فرصة الزواج بأفضل رجل في العالم، فهل من حقي أن أخاطر بحياته وحياة أبنائنا المستقبليين قبل أن أتحرر من إعاقتي النفسية؟


هذا رائع نظريًا، فأنا الآن أبدو عقلانية ومنصفة تمامًا، أليس كذلك؟ لكن ثمة أمران  صغيران يعكران هذا الفكر الرائق ظاهريًا:


الأمر الأول هو أنِّي أكاد أختنق من الوحدة، أنِّي أقف كثيرًا واضعةً يدَيَّ على رُكبتَيَّ محاولةً التقاط أنفاسي التي تقطعت من أثر السير الطويل في طريق حياتي الصحراء الوعرة، وأنَّ كتفَيَّ يتهدلان ورأسي يتمايل وأخشى النوم وحيدة في هذا المكان القاحل ثم لا أستيقظ أبدًا؛ إذ ستبتلعني رمال اليأس المتحركة! إنَّ الوحدة تعتصرني وتجمد أوصالي، ويدي تتحرك في الظلام باحثةً عن كفٍّ أخرى تتمسك بها قبل أن تزل قدمي! وليس احتمال كل ذلك من القوة في شيء، حقًا! فإلى متى سأحتمل السير دون رفيق، دون حضن دافئ ومشاركة وأمان وانتماء؟!


أما زلتَ تريد معرفة الأمر الثاني؟ حسنٌ!


إنني أتساءل فقط: لماذا أنا وحيدة هكذا؟


ورغم أنَّ قيمتنا الذاتية يجب أن تنبع من داخلنا ولا تقوم على دوافع خارجية وما إلى ذلك، فإنني ما زلتُ أقول في نفسي أنِّي ربما لست جيدة بما يكفي! وإلا، فلماذا لا أصدقاء لي، ولماذا لم يعبر أي رجل عن إعجابه بي ويطلب الزواج مني؟كنت سأرفض غالبًا، لكن لماذا لا يُعجَب بي أحدهم حقًا؟هل أنا بهذا السوء؟أليس لدي ولو ميزة واحدة؟! هل السبب هو كوني كفيفة ونظرة المجتمع إلى المكفوفين، أم أنَّه أمر آخر يتعلق بشخصي؟وهل سأعيش وأموت وحيدة؟ أنا أتساءل فحسب!


والآن، إذا نشرتُ هذا الجزء من مذكراتي على فيسبوك(وربما أفعل حقًا!) فأنا أخشى أن أبدو وكأنِّي أستجدي الشفقة، وأخشى أن يراسلني أحد الأصدقاء الرجال مدعيًا إعجابه بي حتى يواسيني، أو أن أتلقى تعليقات تشجيعية من قبيل "أنتِ رائعة، ليس الخطأ خطأك، ثقي بنفسك، سيرزقك الله الزوج الصالح يومًا ما... الخ"!


أنا فخورة بنفسي لأني امتلكتُ الجرأة لكتابة هذا، وربما سأفخر بشجاعتي إذا تجرأت على نشره للعامة-وربما لا، لكن لا يهم! 


فالمهم أنِّي لا أسمح لأحد بالشفقة!؛ إنَّ الكلمات تحررني، وأنا مدينة للعالم بهذه الصورة الصادقة؛ وهي صورة قد لا تبدو ناصعة ولا لطيفة كما يحب الناس أن يروها، لكنها ستلهمهم لأنها حقيقية غير مصطنعة ولا مُحلَّاة!