هل تساءلت يومًا عن مُسمى العلاقة بين البالغ الذي في سِن النضج والمراهق؟ المراهقة هي المرحلة الفاصلة بين الطفولة والرشد وتعد مرحلة ولادة جديدة في الحياة الإجتماعية. لربما لم يخطر هذا السؤال في بالك يومًا، اما أنا ففعلت، لقد تساءلت عن مسمى العلاقة التي تجمع بين المراهق وهو الذي يرى البالغ كمثله الأعلى الذي يطمح للوصول إليه احيانًا ويأخذ بنصيحته اذا ما ضاق عليه امر ما احيانًا اخرى. وبالنسبة للبالغ الذي يرى الأمور من الجزء الفارغ في الكأس، ويرى ان هذه المرحلة هي من المسلمات الطبيعية التي لا حول له ولا قوة فيها، بنظر معظم البالغين ان المراهقة سِن تهور، نزوات، تسرع، نشوة، مغامرة، تمرد، وحب استكشاف. وبالتأكيد! المراهقة تتضمن هذه المسميات التي تُعد مرادفة وملازمة لكلمة "مراهقة" في اذهاننا ولكن، هناك جانب اخر مظلم بعيدًا عن هذه المسميات البراقة.
يمرَ معظم المراهقين بالاكتئاب في هذا السِن ويعد المراهقين اكثر عرضة له من غيرهم، ومن الطبيعي أن يمر المراهق بالاكتئاب لأنه يعاني من انفعالات متضاربة لم تستقر، ويحاول أن يكتم ذلك خشية أن يعلم الناس. وهذا ما يشعره بفشله وافلاسه واحباطه وكثيرًا ما يدفعه ذلك الى الانطواء الذاتي والميل نحو العزلة والانزواء ليعيش مع احزانه وهمومه وهواجسه وما لديه من آمال عزيزة جميلة بناها في خياله الواسع، ثم تحطمت سريعًا قبل أن ترى نور الوجود. وهذا ما يجعله خائر النفس، ثقيل الظل، ينأى عن زملائه، ولا يشاركهم في نشاط جماعي أو هواية ترفيهية. ويدرك المراهق جيدًا أن عجزه المالي هو الذي يحول دون تحقيق رغباته وآماله، ويقف دون استقلاله، وقد يستبدل به اليأس فيسوقه الى التفكير في التخلص من الحياة واعبائها التي لا تُطاق، وهنا تكثر حوادث الانتحار في المجتمعات المتطرفة لأنه يفقد الأمل في حاضره وغده وهو يعلم أن أمس الجميل لن يعود ابدًا.
ركزت الدراسة التي قام بها باحثون من كلية جونز هوبكنز بلومبرغ للصحة العامة Johns Hopkins Bloomberg School of Public Health، التي أشارت إلى أن واحدة من كل ست فتيات في مرحلة المراهقة قد اعترفت بتعرضها لنوبات اكتئاب مرة واحدة على الأقل في السنة السابقة للبحث، حيث ازدادت نسبة الاكتئاب إلى 37 في المائة عن المعدلات السابقة، وتعتبر هذه النسبة شديدة الخطورة، وتشير إلى احتياج المراهقين إلى الدعم والعلاج النفسي على يد أطباء مختصين، وتشير أيضًا إلى أن هناك الكثير من الحالات التي تمر دون تشخيص ودون الالتفات الكافي لها، وهو ما يمكن أن يؤثر بالسلب على الصحة النفسية والعقلية لهؤلاء المراهقين وهو الأمر الذي يجب التعامل معه بجدية شديدة وإيجاد طرق مختلفة للوصول إلى هؤلاء الشباب لحمايتهم من الإصابة بالاكتئاب. وهناك مخاوف من أن يؤدي الاكتئاب الذي تمر به الفتيات والفتيان إلى دفعهم إلى الانتحار. وأوضحت الدراسة أن مراكز مكافحة الأمراض قد أصدر تقرير حديثًا يشير إلى أن معدلات الانتحار في المدارس المتوسطة للبنات (الفئة العمرية من 10 إلى 14 عامًا) تتفوق على معدلات الوفاة جراء حوادث السيارات في هذا العمر.
قد تتساءل الآن عزيزي القارئ ما علاقة هذه النسب والأحاديث العلمية بالبالغين؟ احدى أسباب اكتئاب المراهقين والمراهقات في هذا السِن هو ضغط البالغين على المراهق بسبب المستوى الأكاديمي احيانًا، والوقوع ضحية للتنمر، وفقدان المتعة الشغف تجاه الحياة، أو تجاهل مشاكل المراهقين النفسية أو الجسدية أو الاجتماعية بشكل عام بسبب الاعتقاد الخاطئ لمدى صغر ضغوطات المراهقين والاستخفاف بها في هذا السن تحديدًا لأنه اذا ما مرّ المراهق بمشاكل أو ضغوطات حياتية كالتنمر، والمشاكل العائلية كالانفصال مثلاً فيرى أن الحياة مظلمة ولا يوجد فيها أي بصيص من الأمل وهو ما أعتقد انه السبب الأكبر لاكتئاب المراهق.
قرأتُ قصةً من مشهد تلفزيوني وهو ما جعلني أتعمق بتساؤلي وهذا ما كانت تتضمنه.. في المدرسة الثانوية وفي سِن الثامنة عشر تحديدًا وهو السِن الذي يبدو ورديًا ومليئًا بالحماسة لدى البعض ولكن، مع الأسف لم تكن هكذا بالنسبة لبطلة قصتنا (جين يي كيونغ) التي تعرضت للتنمر وبدون أي سبب وجيه ولم يكن لديها إلا صديقة واحدة والتي تعلم بشأن الألم الذي تعيشه كل يوم لأنها تتعرض للتنمر أيضًا، وفي كل مرةٍ تحاول فيها التطرق لمشكلة تعرضها للتنمر يتم تجاهلها من قِبل والديها، بقيت (جين يي كيونغ) صامتة لفترة طويلة وفاقدة للثقة تجاه البالغين لكونهم احدى أسباب تعاستها. حتى انتقال أستاذ الأدب لمدرستها والذي بدا ذو ثقة ومظهر جيد ويولي اهتمامًا كبيرًا لطلاب صفها، فقررت واخيرًا أن تحاول التحدث مع بالغ عن معاناتها اللانهائية وقبل أن تبدأ بالدخول للموضوع اخذ الأستاذ يقدم لها النصائح المبتذلة ككون الحياة جميلة، وفي هذا العمر لا يمكن أن تمرَ بمشاكل حقيقية ومع مرور الوقت سيمُر كل مُر. لا، وبل انتقد سلوكها الكئيب في الفترة الأخيرة لكم أن تتخيلوا مدى الحزن الذي اجتاح قلب (جين يي كيونغ) بعدما استجمعت شجاعتها للوثوق بأحد البالغين واخباره عن ما يُثقل كاهلها وبعد جلسة مليئة بالقصائد الأدبية والتعظي قالت(جين يي كيونغ): ربما بالنسبة لك العالم جميل كقصيدة، ولكنه كالجحيم بالنسبة لي. وبعدها اقدمت (جين يي كيونغ) على الانتحار. في ظن المراهقين تبدو المشاكل اليومية أو غير المعتادة بمثابة نهاية العالم وقد تكون كذلك فعلاً بالنسبة لتأثيرها على حياتهم مستقبلاً، لذلك ارى أنه يجب الوعي بشأن ضغوط المراهقين النفسية ومحو فكرة أن المراهق يعيش ايامًا مريحة ومسالمة ولا يملك أي هموم لصغر سِنه، ويجب على البالغين إعطاء مساحة لكل مراهق للتعبير عن آرائه الشخصية ومشاكله النفسية بكل حرية، ولا يتم التقليل والاستهزاء منها.
في الختام اتمنى أنني استطعت توضيح أفكاري من خلال هذا المقال، وبالنسبة للتساؤل الذي طرحته بدايةً فأرجو أن تتغير نظرة المجتمع للمراهقين أيّ لنا، لأننا كنز ثميّن للأجيال القادمة، ولأن المراهق يتأثر بالبيئة حوله اكثر من أي شيء اخر، فإذا حظي كل مراهق بشخص بالغ يثق به وينصت له ويرشده اذا ما اخطأ سواءً اكان قريبًا أم بعيدًا سيكون امرًا عظيمًا، ومن جهة اخرى يجب على المراهق أن يبذل جهدًا لكي لا يقع ضحية للأفكار السوداوية، وبذلك ستقل النظرة المغرية لفكرة الانتحار في هذا العمر الصغير.