بقلم الكاتب المحامي : إيهاب ابراهيم -


إن نظرة أي فرد منا الى نفسه والأخرين والمحيط الخارجي والى الحياة والوجود بشكل عام تحددها مجموعة عوامل ومعطيات منها المادي والروحي والثقافي والإجتماعي والبيئي إضافة الى تفاعل الشخص مع محيطه من أصدقاء وعائلة وعلاقات عمل ونشاطات فردية او جماعية ..

لكن العامل الأبرز واللاعب الأخطر في جملة هذه المعطيات والعوامل هو العقل والفكر فهو من يقوم بهضم وأرشفة وتصنيف هذه العوامل والأسباب والمسببات وإعطاءها الأولوية او الثانوية من حيث الأهمية والتأثير وبذلك يكون له التكوين الحقيقي للشخصية المنفردة ومدى تمايزها ودرجة الوعي في التفاعل مع المحيط الخارجي .

وبنظرة فاحصة ومتأنية لهذه الظروف والعوامل والمسببات نلاحظ التأثير الأكبر للعامل الروحي ومن بعده البيئي والإجتماعي على شخصية الفرد التي تنعكس بدورها على وجوده في المجتمع .؟؟

فالفرد منا وقبل تحوله الى شخص له شخصية تميزه عن الأخرين ومنذ نعومة أظفاره يكون عجينة لينة وعقله عبارة عن لوحة فارغة وبيضاء يكتب عليها السيء والجيد والرديء والمثالي من الأفكار والمعطيات والمفاهيم والأخلاق بإعتبار هذا الفرد عجينة خام وطرية تكون متأثرة ومستقبلة لكل شيء وهنا تكمن الخطورة وتتجلى الحساسية والخصوصية في هكذا موضوع .

فما يتم زرعه وغرسه من أفكار إيجابية وبنّاءة ستنعكس إيجاباً على تكوين شخصية متوازنة وفعّالة في المجتمع والحياة العامة وعلى شخصية الفرد وحياته الخاصة   .

أما في حال زرع وبث أفكار سلبية ومشوهة ومغلوطة فستنعكس سلباً وتعطينا شخصية مهزوزة وكئيبة وسلبية ومهمشة ستكون عالة على الفرد والمجتمع ككل .

وأكثر هذه العوامل والأسباب تأثيراً وإعمالاً وتفعيلاً هو العامل الديني والروحي والذي له تأثير كبير على حياة الفرد ومن وراءه المجتمع فالأفكار والعقائد المغلوطة والمتطرفة ستعمل عملها في وعي ولاوعي هذا الفرد او ذاك وستعمل عملها السلبي والتخريبي والتهديمي في الفكر .. ليشب هذا الفرد وهو يحمل برنامج فيروسي خطير ويعاني من انفصام شخصي بين ما تشربه واستقبله من أفكار وعقائد سلبية ومشوهة وأُحادية الجانب وشمولية التوجه ستنعكس على سلوكه وتصرفاته وأداءه وعلى تفاعله وتعامله مع الأخرين وحياتهم ومعيشتهم ..!!

فالشخص الذي يحمّل أفكار وعقائد دينية او أخلاقية متطرفة ومشوهة ومغلوطة سيكون بمثابة قنبلة موقوتة مستعدة وقابلة للإنفجار والإنشطار في وجه كل من يخالف رأيه او معتقده او سلوكه حتى .. المشوه أصلاً وسيكون بذلك آفة ومرض إجتماعي خطير سيودي بحياة الكثيرين الى الدمار والإنهيار وستراق دماء لا ذنب لها ولا إثم .

فهذا الشخص وما يعانيه من إغتراب عقلي وفكر ظلامي تخريبي هو أداة سهلة التحكم والتوجيه والسيطرة عليها وإستغلالها في مآرب ومشاريع تخريبية هدامة لأنه وبمجرد إشتداد عوده وبلوغه سيعاني من إنفصام وإغتراب فكري وعقلي بين ما تربى ونشأ عليه وما يعيشه في  خضم المجتمع والواقع وسيتولد لديه إعتقاد بأنه ولدَ في المكان والزمان الخاطىء وسيكون هدفه الذي سيسعى الى تحقيقه هو تصحيح الوضع القائم والذي يعتبره خاطىءً بأساليب عنفية وقمعية وإقصائية ..

فهو لن يقبل الحوار والنقاش في أمور يعتبرها بديهيات ومسلمات زرعت في فكره منذ صغره وفي غفلة من الزمن لأنه لم يُربّى على تقبل ما هو مختلف ومغاير عنه او عن أفكاره وسلوكه فهو فاقد للمرونة في التعاطي مع الأمور والظروف والأوضاع المتغيرة والتي هي من طبيعة البشر والحجر ..

وهنا تكمن المشكلة والطامة الكبرى فشخص كهذا يحمل أفكار وعقائد تتلائم مع عصور الجاهلية وعصور ما قبل التاريخ والتي لا تتلائم  او تتناسب بأي شكل من الأشكال مع ظروف ومعطيات هذا العصر الحديث بما فيه من تطور هائل للعلوم والمعارف والتجارب والأفكار وحتى المعتقدات والمسلمات ..والفضائل ..؟

والنتيجة ستكون أمراض خطيرة يعاني منها المجتمع ويدفع ثمن فاتورتها الناس البسطاء الأبرياء والتي لا ناقة لها ولا جمل في ذلك سوى أنها تشربت وأُشبعت بمعتقدات وأفكار تُحدثهم وتُخبرهم أن هذا من عمل السماء وأن القدر لا بد سيعمل عمله في مصائر البشر ...!! مع أن العمل بخيره وشره بسلبياته وإيجابياته هو عمل الإنسان بأخيه الإنسان سلباً او إيجاباً .. بناءاً او تهديماً  .

فالمقدمات الخاطئة حتماً ستؤدي الى نتائج خاطئة وربما كارثية لا محالة هذا هو منطق الأمور والأحداث والتاريخ مليء بشواهد على ذلك لا مجال للحديث عنها ههنا ..

وبعد أن تحولت حالة الإغتراب العقلي والفكري الديني المتطرف الى حالة جماعية وظاهرة عامة لا بد من التصدي لها بحزم وجدية .. والحل برأيي المتواضع هو إعادة النظر الى مفاهيم دينية متأصلة في وجدان المتدينين ... كمفهوم الجهاد في سبيل الله ..

لا بد من تسليط الضوء على هذه التصرفات والسلوكيات التي تُنسب الى الجهاد ومبدأ الثواب والعقاب عبر تحديث نظرة الإنسان الى الجهاد وإعتبار الجهاد هو في سبيل الإنسان الأخر في هذه الحياة .. والجهاد الحق هو عمل ما هو في صالح الإنسانية والبشر ككل وهذا بدوره يتم عبر تكريس الوعي الإجتماعي والحس الأخلاقي عبر مؤسسات الدولة والمجتمع والإعلام لنشر ثقافة الوعي ونبذ التطرف بكافة أشكاله الدينية والسياسية والعقائدية كافة ..

ومراقبة دور العبادة والمناهج التربوية الدينية والعمل على إبعادها عن الحياة العامة وإبعاد وإقصاء كل فكر تطرفي وظلامي وتخريبي يعمل عمله في الخفاء للحد من هذه الظواهر السلبية حتى نصل بالمجتمع الى حالة من الوعي الوطني يكون الولاء فيه للوطن والإنسان قبل الديانة والطائفة وحتى الآلهة ... مجتمع يحترم الإنسان وحقوقه ومبادئه وحق الأخر في الإختلاف عنا والإعتقاد أيّما يكن ( عملاً لا قولاً ) والتعامل بمرونة مع الوقائع والأحداث حتى لا نصل الى مرحلة لا يمكن تداركها او تحمل نتائجها الكارثية ..

وبذلك نكون فقدنا وجودنا وذواتنا وشخوصنا ..

اللاذقية 17\7\2014

  1.          www.facebook.com/ihab.ibrahem.54
  2.                       www.twitter.com/ihab_1975 
  3.                    e.mail:[email protected]                                             
  4.                 gmail:[email protected]        
  5.