معمر القذافى،رحل السياسى و بقى الأديب.

تربينا على ألا نتحدث فى السياسة،وأنها من الثالوث المحرم الذى لا يجب أن نتحدث فيه بالإضافة للجنس والدين.

وكنت أسأل نفسى لماذا عدم الحديث فى السياسة،أليست السياسة هى الحياة و كل ما يتعلق بها،فكيف لا نتحدث بها؟.

فإذا كان عدم الحديث فى الجنس مفهوماً لأنه من الأمور الحساسة،والدين يثير الشقاق و الإختلاف،فلماذا السياسة إذاً؟.

و بعد أن إزدت بعضا من تجارب الحياة التى زادتنى خبرة بالحياة أدركت السبب.ولعل القذافى الزعيم الليبى يعد أحد أكبر الأمثلة ليس فقط لعدم الحديث فى السياسة و لكن لعدم ممارستها أيضاً.

فالنهاية المؤسفة التى لاقاها القذافى على أيد بعض الأفراد الذين من المفروض أنهم من الليبيين أبناء وطنه لهى المثال الحى على عدم الحديث و حتى عدم ممارسة السياسة من الأساس.

فبرغم العز و الجاه الذى تمتع بهما القذافى أثناء زعامته لليبيا و لن نقول رئاسته لها لأنه لم يعتبر نفسه كذلك و كان يعتبر نفسه زعيماً للثورة الليبية التى قادها فى الفاتح من سبتمبر من العام 1969 و أنه لا يحمل أى مناصب رسمية و أن الحكم كان فى يد الشعب الليبى بمقتضى الكتاب الأخضر،و عن طريق اللجان الشعبية.

فبرغم جاه السلكان الذى تمتع به القذافى طوال هذه السنوات الطوال التى إمتدت إلى ما يقارب أكثر من الأربعين سنة،إلا أنه لقى هذا المصير المؤلم و لم يرحمه من ألقوا القبض عليه.

فهذه هى السياسة فبالرغم من إعطائه كل هذا القدر من المجهود لبلاده إلا أنه لم يغفر له ذلك أثناء القبض عليه،و لقى جزاء سنمار.

و لأنهم يقولون أن الشخص يرحل و تبقى أعماله،فهناك جانب آخر من حياة القذافى ألا و هو الجانب الأدبى،فكثير من لا يعرف أن للقذافى أعمالاً أدبية وذلك بخلاف الجانب السياسى الذى أشتهر به القذافى و هو الكتاب الأخضر أحد أشهر مؤلفاته السياسية.

إلا أن هناك قصصاً قصيرة كتبها القذافى و هى ما يقارب الثلاثة عشر قصة قصيرة من بعضها قصص طويلة إلى حد ما تصل إلى إحدى و عشرون صفحة a4.

فهذا جانب مجهول من حياة القذافى،لا يعرفه أو يكتشف جوانبه الكثيرون.فهل كان القذافى سيعمل فى المجال الأدبى إذا ما لم يقم بثورة الفاتح و يتولى زعامة ليبيا،أو يعمل صحفياً حيث كان مؤسساً لجريدة الشمس أيام الدراسة فى المدرسة الثانوية.

فالسياسة مثلما تعطى الكثير فهى تأخذ الكثير أيضاً،و الذى قد يصل ما تأخذه إلى حد الحياة نفسها من الشخص الذى يمارسها.

وهذا ما حدث مع معمر القذافى لقد أعطته السياسة الكثير و الكثير و لكنها فى النهاية أخذت منه حياته،و أخذتها بشكل مؤسف و عنيف و مأساوى.

ولعلنا شاهدنا تلك النهاية المأساوية على شاشات الفضائيات خاصة قناة الجزيرة القطرية،ولكنها غواية السياسة التى تغوى كل من يمارسها حتى و لو كانت نهايته بشعة و مأساوية.

و الجانب الأدبى للقذافى يشمل العديد من الأعمال الأدبية فى مجال القصة القصيرة و هى تشمل 1/أفطروا لرؤيته – 2/الأرض..الأرض- 3/الفرار إلى جهنم – 4/القرية ..القرية – 5/المدينة -6/الموت – 7/ إنتحار رائد فضاء – 8/تحيا دولة الحقراء-9/دعاء الجمعة الآخرة -10/عشبة الخلعة و الشجرة المجنونة – 11/ملعونة عائلة يعقوب..ومباركة أيتها القافلة -12/وانتهت الجمعة دون دعاء.

و قد كتب الأستاذ / أحمد إبراهيم الفقيه الكاتب و الناقد الليبى الكبير يقول عن قصتى "الموت"و"الفرار إلى جهنم" أنه قد وقف ذاهلاً أمام هذا الإبداع الجديد الذى يمتلىء بشحنات إنفعالية غاضبة،و هذه الصياغة المتميزة التى تجعل من الغضب طاقة هائلة قادرة على تفجير اللغة،وإعادة ترتيب الواقع،وتوظيف التقنية الفنية توظيفاً بارعاً من أجل الوصول إلى معالجة قصصية تشحن الوجدان،و تعبىء المشاعر،و تضىء المناطق الغامضة فى النفس البشرية.

و الحقيقة إننى أكتب هذا المقال لأحيى ذكرى القذافى الأدبية بعد أن أصبح تاريخه السياسى ملكاً للتاريخ يحكم عليه بما له أو عليه و لكن الجانب الأدبى فإن القارىء وحده هو من يحكم على الإبداع الأدبى للقذافى.