مدخل

تأتي هذه التدوينة لتعرض بشكل موجز نقاطًا مضيئة من تاريخ تكوين مدينة بريدة، تلك المدينة النابضة بالحياة والريادة. والهدف منها إظهار شيء من أحداث النشأة والتكوين، وتتبّع تسلسل الأحداث حتى يومنا هذا. معرفةٌ كهذه تمنحنا الفهم والمتعة أيضا، ففي قراءة تاريخ المدينة والإنسان متعة وعِبَر.



*******************************


رصاصة طائشة

جراب  |  1333هـ

في حروبه التي لا تتوقف من أجل توحيد البلاد، وكبح الجنون الذي يعصف بالمنطقة، يواجه البطل عبدالعزيز هذه المرة إمارة عنيدة هي إمارة الجبل في حايل. كان الضابط البريطاني شكسبير قد جاء للمنطقة ليقدم تقريرا للامبراطورية البريطانية، عندما منعوه من اللحاق بالجيش نحو المعركة قال:

  • هل تظنون أنني إنجليزي جبان؟

بعد إلحاح وعناد، أمره الملك عبدالعزيز أن يوقع تعهدًا بإخلاء المسؤولية في حال تعرض لأي كارثة، الأسر أو الأذى، أو ربما الموت. وقّع الضابط تعهده ورافق الجيش يحمل كاميرته لتوثيق الأحداث وجمع البيانات. تبدأ المعركة منتظمة بين جيشين، لواء هنا ولواء هناك، ولكل لواء حلفاء وأتباع، سرعان ما يختلط الحابل بالنابل وينهب الحليف حليفه، ويهرب من يهرب بغنيمته، ثم يتقهقر لواء الملك ويتكبد خسائر كبرى.

تنطلق رصاصة طائشة وتصيب السيد شكسبير ليقع صريعا قرب الميدان. ذلك الحدث، كان تقريره الذي كتبه بدمه للبريطانيين.

رصاصة طائشة، وحليفٌ طائش، وخصوم طائشون، ذلك عنوان المرحلة.


يقول الأستاذ صالح العذل:

"بعد معركة جراب كان الملك عبدالعزيز رحمة الله أمام خيارين: إما أن يعود إلى الرياض أو يقارع خصومة في منطقة أخرى. فأشار عليه من أشار عليه -وأعتز أن أحدهم جدي صالح العذل- أن يذهب إلى القصيم. فقال (لماذا القصيم؟) قالوا هذا سنام نجد، فاتجه إلى بريدة. وماذا عمل أهل بريدة؟ اجتمعت أربع أسر كريمة وأتو على الملك عبدالعزيز فتبرع الأول بجميع ما يتطلبه الأمر من تجهيز جلدي وتبرع الأخر بجميع ما يحتاج إليه الجيش من تمر وحب وتبرع الثالث بجميع ما يحتاجه الجيش من سلاح، ولا حرج في أن أقول ماذا تبرع به الرابع، فهد العلي الرشودي رحمه الله، قال (يا عبدالعزيز المال من ريال إلى ما تحتاج موجود) ولم يكتفوا بهذا قالوا (أنت من نواصي الخير، إن فتح الله عليك فنعلم أن تجارتنا معك رائجة، وإن اختار الله خياراً أخر لك فليست أغلى منك )" (كلمة أمين غرفة الرياض في لجنة شباب الأعمال بالقصيم بتشريف أمير القصيم – جريدة الرياض 6 نوفمبر 2018م )



بريدة

دارٍ بنجدٍ جنةٍ كان قبل ذا

من صكته غبر الليالي عنا لها

-العوني-


تعود البدايات -على اختلاف رواتها- إلى نهاية القرن العاشر هجري (950هـ) حيث يشتري الدريبي آل ابوعليان بئرا تابعة لشيخ من قبيلة عنزة، ومنه تبدأ أولى لبنات المدينة. تنشأ البلدة الفتية بنشاط وهمة، الأمر الذي أوقع أمراؤها بالاقتتال فيما بينهم على كرسي الزعامة. سيدوم التنافس حتى يصل للكرسي رجل من آل ابوعليان يُصبح زعميا وقائدًا عسكريا شهيرا، ويكون هو مؤسس النهضة في القصيم، هو حجيلان بن حمد.


"ربما صح القول بأن مدينة بريدة اكتسبت من طبيعة أُمرائها آل أبو عليان صفات منها الشجاعة وسرعة الخروج بل النفور للغزو، وحب السيطرة حتى استطاعت في وقت قصير أن تضم إليها كل القصيم ما عدا مدينة عنيزة وأماكن صغيرة ليست بذات أهمية قريبة منها، فإنها - أي عنيزة - لم تكن تابعة البريدة في أية فترة من فترات التاريخ، بل ظلت مستقلة." (العبودي – معجم الأسر)



حجيلان بن حمد آل أبوعليان (1194هـ - 1234هـ)

بريدة  |  1194هـ  -  1234هـ

بعد صراعات داخلية استمرت نصف قرن أو أكثر في بريدة، كانت الدعوة الإصلاحية قد ظهرت في الدرعية، بالإتفاق التاريخي الشهير بين الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب. كان حجيلان بن حمد رجلا حازما ورشيدا، نائيا بنفسه عن الصراعات الداخلية بين أبناء عمومته الذين كثر القتل بينهم من أجل الإمارة، منعزلا في "الطرفية" عند أخواله التواجر. في عزلته تلك، جاءه لفيف من رؤساء البلد معلنين دعمهم له ليتولى الإمارة، فهجم بمن معه ليلا وخلص البلدة من أميرها وأعلن نفسه حاكما للقصيم، ليضع اسمه بين أهم أمراء الجزيرة العربية وأطولهم فترة حكم، إذ استمر حاكما لمدة 40 سنة.


تولى حجيلان الإمارة في ظروف سياقات فكرية وسياسية صعبة، كانت القوتان البارزتان آنذاك هما (ابن عريعر) في الأحساء و(ابن سعود) بالدرعية، وكان حجيلان بن حمد مواليا للدعوة الإصلاحية في الدرعية ومؤمنا بها، وفيما بعد سيصبح من قادة جيوشها ومن أركان تلك الدولة، الدولة السعودية الأولى، فقد طالت فترة حكمه ليعاصر 3 أئمة من أئمة الدولة السعودية الأربعة، وكان سقوطه مرهونا بسقوط الدولة، حيث بسقوط الدرعية سقط حجيلان في قبضة الغازي العثماني واُخذ أسيرا مع الإمام عبدالله بن سعود وتوفي في الطريق لكبر سنه.


"وكان حجيلان بن حمد من أكثر الناس حمية لأهل القصيم"

(تاريخ ابن عيسى)


إذن، كان الرجل إصلاحيا، مهموما بالتنمية، مؤمنًا بمشروع الدولة السعودية، متساميا عن المجد الشخصي من أجل معانٍ كبرى. لم يطلب الإمارة لنفسه وإنما حملها على أكتافه مسؤولا عنها.


في عامه الأول بنى سورا يحصّن المدينة، وفي العام التالي جاءت تهديدات ابن عريعر لعموم سكان الأقطار بضرورة إثبات الولاء والتخلص من سفراء ومبعوثي الدعوة الإصلاحية، سمّيت تلك السنة بـ "سنة ذبحة المطاوعة"، إذ تخلصت كثير من البلدان من مشائخ الدعوة بقتلهم، معلنين -بذلك الفعل- نقض الولاء للدعوة الإصلاحية الناشئة في الدرعية. تمسّك حجيلان بن حمد بموقفه وقاوم التهديد، فيما بعد سيأتي ابن عريعر ليؤدّب هذا الأمير الجديد ويحاصر بريدة بجيش كبير يحلم أفراده بمغانم كثيرة ينهبونها من تلك الأراضي، ولكنهم يصطدمون بسور كبير يحيط بالمدينة، هو سور حجيلان.

يستمر الحصار طويلا وتبطل كل الحيل والدسائس، وتظل المدينة عصيّة أمام الطامعين، شهر فثان فثالث فرابع. في ليلة وادعة من ليالي نجد العليلة، وبعد أربع شهور من الحصار، عَلَت الأصوات من داخل السور بالرقص والطبول والضحكات، جاءت الأخبار للمعسكر خارج السور: حجيلان أعرس. وصت الرسالة لابن عريعر، هذه المدينة لا يتوقف دبيب الحياة فيها ولو حاصرتها شهورا، عندها أمر الجيش بالتحرك والعودة للأحساء. بعدها بعدة سنوات ستخرج الجيوش من نجد تجاه ابن عريعر وستُسقط حكمه في الأحساء.


كان ذلك من أولى التحديات للأمير الجديد الذي أثبت حسن تدبيره ببناء السور، وبحزمه وقوة إرادته، بعدها سيقضي 38 سنة في النماء والتطوير والعمران، بالإضافة للمغازي تحت لواء الدولة السعودية التي امتدت حتى عمان شرقا والشام شمالا.


استخدم حجيلان سياسةً عقلانيةً منفتحة، سياسةً تراعي المصلحة، مصلحة المدينة. لم تكن مدينته تخصه أو تخص فئة من الناس، أو قبيلة من القبائل، بل أرادها أن تكون مدينة من يؤمن بها ومن ينفعها، مهتديا بالحكمة القرانية {أما الزبد فيذهب جفاء، وأما ماينفع الناس فيمكث في الأرض} فكان يوسّع الآفاق أمام الغريب النافع، ويضيّق على القريب الضار، وبذلك رسم أولى فلسفات هذه المدينة التي ستستمر كدستور غير مكتوب، لتكوّن بيئة مدنيّة متضامنة تنفّر الخاملين وتستقطب العاملين.


يروي العبودي في معجمه فلسفة حجيلان بن حمد في التوطين والاستقطاب، يقول:

في سنوات العسر والقحط، يأتي بعضهم إلى بريدة فيسأله حجيلان:

"أنت وش جايبك؟"

فإذا قال جاي أدور لي شغل أترزق الله، قاله يا أخي الشغل محدود ومقصور على أهل هذه المدينة، خذ هذا الزهاب والتمر يكفيك ثلاث أيام، وإن شفناك بعد ثلاث أيام بالديرة عاقبناك.

أما إذا قال الغريب أنا جاي أغرس وأزرع فإنه يرحب به، ويمنحه أرضا ليبدأ بها وأعطاه مهلة ليقيّمه بها ويختبر صدق قوله وجودة عمله. (انتهى)

وهو بهذا يستهدف زيادة الأصول، وليس زيادة الاستهلاك، فالرجل الذي يزرع ويغرس ويحول الأرض الجرداء إلى حقل منتج يضيف للسوق وللبلدة، وربما قام بتوظيف أهله وأقاربه وبعض أبناء البلدة معه لتشغيل هذا الأصل وتوسيعه. وبلغة اليوم، يستهدف حجيلان بن حمد رواد الأعمال، وينفّر العاطلين الباحثين عن عمل من خارج المدينة، الذين يأتون مؤقتا ليحققوا فائدة شخصية ثم يغادرون لبلدانهم.


والقصّة الأخرى، أن هناك بوارديا يجيد الرمي بالبندقية في جيش حجيلان، ولم يكن من الوجهاء أو المعروفين، وقد رأى حجيلان منه دقة تصويبه في المعركة فأذهله ثم بادر بتشجيعه. وفي مجلس الأمير اشتكى بعض كبار القوم هذا البواردي للأمير، يقولون "يتميلح عند البنات ويناظرهن نبيك تطرده من الديرة".

قال الحجيلان: أطرده؟ هذا لو الشرع يسمح إني لأزوجه عشر حريم يجيب منهن عيال ينفعوننا مثل ما نفعنا هو.


ويظهر من هذه القصة النزعة النيتشوية -بمعناها الحميد- لدى حجيلان، فهو يحب القوة وينشد تكثيرها وتنميتها، ويتمنى لو أن الموهوب يتزوج 10 نساء لينجب موهوبين كُثُر ينفعون البلاد.


بعد هذا بعقود، سيصف الأمير الفارس محمد العرفج آل ابوعليان بلدته بريدة -في قصيدة شهيرة- قائلا:

"دارٍ بها اِشرب يا شريبي وأنا أشرب"


لتكون عنوانا بارزا يصف تلك المدينة وحالها، حيث يكون "التشارك" سمة من سمات أهل تلك الواحة الوافرة بالغذاء والماء، فالجميع له أن يشرب وينتفع.


****************



عقيل

إلى جانب سلطة الأمير وتأثيره، تظهر جماعة "عقيل" كأهم وأكبر مؤسسة مدنية واقتصادية في ذلك الوقت. لم يوجد في الجزيرة العربية، منذ رحلات قريش في الشتاء والصيف، تكتل تجاري ممتد كتكتل العقيلات الذي يبدأ من سوق الجردة ببريدة ويتصل بالعراق والكويت وفلسطين وسوريا ومصر والسودان والهند. أكبر رأسمال متحرك في الجزيرة العربية، إنه كيان يتحرك في شبكة خطوط ينتفع بها كل من تماس معها، من موظفين وشيوخ قبائل وتجار وأصحاب محلات وحكام بلدات. بمسميات هذا العصر، يمكن اعتبار العقيلات أنها أمازون إذا كانت تملك فيدكس، فهم بالإضافة إلى كونهم يملكون البضائع ويتجارون بها (وبضائع الآخرين)، فهم -أيضا- يملكون أكبر قوافل النقل (لوجستك / سلاسل الإمداد) التي تملك القدرة والمعرفة لتوصيل البضائع من نقطة أ إلى نقطة ب، وبين النقطتين أميال وجبال وصحاري وجمارك وقبائل وحدود وأنظمة. لذا، لا عجب أن يكون أثرى الرجال في زمانهم هم رجال العقيلات، ولا عجب أن يكون أكبر سوق للإبل في بريدة. (يمكننا أن نستوعب الآن رسالة الملك عبدالعزيز التي وجهها إلى جماعة بريدة إبان تأسيس شركة النفط يدعوهم فيها لشراء نصف أسهم الشركة). إلا أن أمرا آخر لا يقل أهمية عن جانب "عقيل" الاقتصادي، بل ربما هو الأهم، ألا وهو الجانب المعنوي (الثقافي/الأخلاقي) لعقيل، فرأسمال عقيل الثقافي أكبر من رأسمالها المادي، وإن كان المال قد يطير هباء في صفقة خاسرة أو سرقة في جنح الليل، فإن القيمة المعنوية لا تضيع، بل تبقى وتنمو وتدوم.


فالعقيلي محسوب على جماعته، العقيلات، وهو متوقع منه في كل الأقطار أن يكون شهمًا وفيًا، ذو معرفة بالأصول والأنظمة والطرق والأسواق، ومعروف عنهم القوة والصلابة والعزم، وأن واحدهم جمع، وجمعهم واحد. وفي ذلك أُلفت الكتب وتُليت الأشعار التي تحفظ القصص والمواقف. ولا يزال أحفادهم الأفاضل إلى يومنا يحفظون ذلك الإرث ويحافظون عليه. (انظر موقع العقيلات على الانترنت ومتحفهم في بريدة بإدارة الوهيبي).


إذن، هذه الجماعة التي تخرج من بيوتات بريدة الطينية، تطلّ على العالم البعيد، تختلط به وتتفاعل معه وتفهمه بل وأحيانا تتصدّره: الأسواق، المجتمعات بلغاتها ولهجاتها، المجلاّت، المطاعم، المدارس، المستشفيات، الآلات والبنوك والجيوش والفنون.



سقوط الدرعية

نجد  |  1233هـ

كان هذا العام -عام سقوط الدرعية- مأساويا على منطقة نجد من عدة نواحي، فانتهاج العثمانيين للتدمير والفتك والقتل، يواكبه تصفية ممنهجة للقادة والعلماء الذين تنهض بهم الأمم. في هذا العام يموت حاكم القصيم حجيلان بن حمد في مسيره مع العسكر العثماني تجاه مصر، ويخرج من الدرعية عمر آل سليم وهو رجل ثري ومتعلم تعليما سلفيا، يستقر في بريدة التي يربطه بها صداقته وتعامله التجاري مع الثري صالح الحسين أبالخيل وابنه مهنا (الذي سيصبح فيما بعد الأمير مهنا). يليها بسنوات سيتبعه ابن عمه عبدالله آل سليم الذي نجى -بأعجوبة- من مجزرة عثمانية في الدرعية، وهو من كبار أتباع الدعوة الإصلاحية للشيخ محمد بن عبدالوهاب. سيجتمع آل سليم في بريدة لتكون لهم فيما بعد واحدة من أكبر بيوت العلم، بيتٌ سيتولى القضاء والتعليم وسيخرّج قضاة ومشايخ بالمئات.


سادت الفوضى في نجد بعد سقوط الدرعية وكبار الأمراء. في القصيم، لم يكن الفراغ الذي تركه حجيلان ليسدّه أحد، اُغتيل الشاب عبدالله بن حجيلان في فراشه، ثم انتقمت أمه "لولوة العرفجية" من الخونة بأن فجرت مخزن البارود من تحتهم وأردتهم قتلى، لتكون هذه الحادثة قصة يعرفها القاصي والداني. اقتتل أبناء العمومة من آل ابوعليان بعد حجيلان، ثم قامت في الدرعية الدولة السعودية الثانية لتعيد الموازين في المنطقة؛ تموج أحداثٌ عاصفة بالدولة السعودية الثانية وينشأ عنها:

  • قيام إمارة الجبل في حايل بدعم الإمام فيصل بن تركي
  • تذبذب العلاقة بين أمراء القصيم والإمام فيصل بن تركي
  • بروز الثري الشهير مهنا الصالح أبالخيل كزعيم محتمل للقصيم
  • تقلص حركة العقيلات بسبب اضطراب المنطقة، وانكفاء بعضهم خارج نجد


قبيل سقوط الدولة السعودية الثانية بسبب الخلاف بين أبناء الإمام فيصل بن تركي، يقرر الإمام فيصل أنه لا مجال لاستمرار آل ابوعليان في إمارة أهم اقليم بالمنطقة بعد اقتتالهم وتفرقهم المستمر، يسقط آخر أمراء آل ابوعليان على يد قوات الإمام، وتتجهز الإمارة لمهنا، وقد قيل فيه: "جاك يا مهنا ما تمنى".



بريدة آل مهنا

بريدة  |  1280هـ

عصر جديد تدخله بريدة بمعطيات جديدة ومعالم جديدة، الأوضاع في الدرعية تعاني التشرذم بين أميرين نصّب كل منهما إماما خلفًا لوالدهم، عبدالله الفيصل، وسعود الفيصل. في الوقت التي تتضعضع فيه أسس الحكم في العاصمة الدرعية، كانت إمارة الجبل تنهض بقيادة آل رشيد، وإمارة القصيم تزدهر على يد مهنا.


عزّي لمن خلنه الشِّقر طوّاف  ***   ذاق العنا والجوع باطرافهنّا

الي يريد الكيف يزرع بالأطراف  ***  ولا فيركب فاطره مع مهنّا


عُرف مهنا الصالح بدهائه وقوة بأسه، كان -بالإضافة للتجارة- يقود حملات الحجاج العثمانيين من العراق إلى مكة والمدينة، يعرف كل تلك الطرق والقبائل ويعرفونه، ومن يركب مع مهنّا في حملاته، فإنه يضيف ذلك المنجز إلى سيرته الذاتية، قال أحدهم يفخر بنفسه:

قبلك غزينا مع مهنا  ***  يوم المغازي والإنكاف


ينتمي مهنا إلى خلفية ارستقراطية، ووالده من الوجهاء المشهورين. أعاد مهنّا الاتزان والنماء إلى بريدة، واستعادت القصيم -معه- عافيتها بعد عناء وشتات. منذ ذلك الحين، ستكون بريدة تحت عناية ثلاث قوى فاعلة:

  • الأمير
  • الوجهاء (كبار تجار عقيل)
  • القاضي (علماء الدين)


هذه القوى تتراجع وتتقدم -عبر الزمان- حسب ظروف المرحلة، وحسب تغيّر الشخصيات، فإذا خلت الساحة من الأمير برز الوجهاء والعلماء ليتصدروا المشهد، وإذا غاب الوجهاء (بسبب أعمالهم أو بسبب قنوطهم من السياسة الظالمة) اكتفى الأمير بنفسه وبحاشيته وربما استشار القاضي.


عبر مهنا، تعززت سلطة الأمير بشكل كبير، واستعاد هيبة الإمارة في قصره، قصر مهنا. في هذه الفترة يظهر للمشهد الجيل الثاني من آل سليم الذين جاؤوا بعد سقوط الدرعية، اثنان من أبرز علماء العصر: محمد بن عمر بن سليم، و محمد بن عبدالله بن سليم. سيكون لآل سليم -الأوفياء للدعوة السلفية- دوراً سياسيا وفكريا بارزا في القصيم في ذلك الحين (بداية القرن الثالث عشر هجري 1300هـ) وحتى الستينات الهجرية، وهي فترة تكوين الدولة السعودية الثالثة.


بروز الفكر الديني

لم يكن محمد بن عبدالله بن سليم قاضيا فقط، بل كان صاحب منهج ورجل علم وسياسة، مما عزز مكانته بين الناس وتوافد عليه الطلبة من كل ناحية. في تلك الأثناء، وبعد تولي حسن بن مهنا الإمارة خلفًا لوالده، ظهر على السطح خلاف بين القاضي والأمير، في أمور تخص السياسة والأهداف البعيدة، مما اضطر الأمير لعزل القاضي الجليل الذي خرج لعنيزة يطلب الأمان فأمّنوه وأكرموه، ثم كان الصلح بعد سنوات وعاد القاضي إلى منصبه معززا مكرما. كانت هذه ارهاصات صراعٍ لم يحسم بعد.


في تلك الفترة، مابين سقوط الدولة السعودية الثانية وقيام الثالثة، كانت الأفكار الدينية تتصارع أيضًا، تتقاتل كما يتقاتل الأمراء ورؤساء القبائل. في بريدة، ظهرت مدرسة ابن جاسر وأتباعه الجاسريون هم خصوم آل سليم، هذه الخصومة الفقهية ستمتد إلى خارج أسوار القصيم ليشارك فيها علماء وأمراء في شتى أقاليم نجد. والسبب في هذا أن الخلاف الفقهي ممزوج أيضا بخلاف سياسي، فآل سليم موالون للدعوة الإصلاحية والدولة السعودية، ورغم خلو الساحة من الراية السعودية وانحسارها بين رايتين (آل مهنا في القصيم) و(آل رشيد في حائل)، إلا أنهم ظلّوا على معتقدهم وولائهم. وأما الجاسريون، فلهم موقف فقهي متسامح نسبيا بالمقارنة إلى الموقف السلفي الذي يعتنقه آل سليم تلاميذ محمد بن عبدالوهاب، وهم إلى جانب ذلك -أي الجاسريون- لهم ولاء لآل رشيد. أهم مسألة في الخلاف بين الجاسر والسليم كانت في مسألة السفر إلى بلاد الكفار، واعتبر آل سليم أن الدولة التركية كافرة باتخاذها المقابر في المساجد ولأمور عدة، وبالتالي فإن السفر إلى تلك الديار هو محرّم. نعرف هنا أن هذا الموقف الصارم لا يناسب فئة الوجهاء في البلد الذين تقوم تجارتهم على السفر والتعامل مع تلك الديار. قامت مناظرة بين الفريقين (الجاسر وأتباعه، آل سليم وأتباعهم) استضافها وسعى لها آل ابالخيل وحضرها الأمير حسن المهنا ابالخيل، كانت مناظرة علمية فكرية امتدت لعدة جلسات، قيل أنها انتهت بـ"توبة ابن جاسر" وكتبوا محضرا في ذلك يعلن فيه تراجعه عن بعض آرائه. سنعرف أن "جماعة بريدة" وهم الوجهاء يميلون لابن جاسر علنا أو خفية، ولكنهم يجلّون ابن سليم اجلالًا لا يخالطه شك، مقدّمين بذلك مصلحة البلد على مصلحة الانتصار الفكري الشخصي.


وهذه القصة تروى عن الوجيه إبراهيم العلي الرشودي، الذي كان يعلن خلافه الفكري مع آل سليم ويتجاوز المسجد الذي هم فيه ليصلي في مسجد جاسري أبعد منه، عندما علم بمرض الشيخ ابن سليم (عمر بن محمد) زاره في بيته بالرغم مما بينهما جفوة وخصومة، زاره وقد رأى فيه علامات قرب الأجل، فخرج من داره وفي الطريق بكى، سأله ابنه:

  • تصيح عليه وأنت الي كنت دايم تدعي عليهم؟

فقال الأب مفرّقا بين الخصومة الشخصية والموقف الوطني:

  • الي بيني وبينه حسابه عند رب العالمين، لكني أبكي على ديرتنا.. منين نبي نلقى شيخٍ مثله؟


تتلمذ على يد الجاسر بعض من علماء عنيزة، منهم العلامة ابن سعدي، ثم طلبه أهل عنيزة ليكون قاضيا عندهم بتوصية من آل بسام، تولى ابن جاسر القضاء في عنيزة عدة سنوات، وكان يحظى بالحفاوة هناك ولدى أمير حائل. من هناك، سيرتبط الميول الجاسري بالتسامح الفقهي والولاء لإمارة الجبل، وهو ليس ميولا لازما، فربما كان المرء جاسريا وولاؤه للحكم السعودي، كما هو الحال مع إبراهيم الرشودي الذي كان قائدا في معارك التوحيد مع الملك عبدالعزيز. انتهت المعركة الفكرية بانتهاء الصراع السياسي بين الكتلتين: آل سعود وآل رشيد، ستكون لآل سليم وتلامذتهم اليد الطولى في المجال العلمي والقضائي بعد ذلك النصر المبين.



علوّ الأمير - سقوط الأمير

 


بريدة |  1300هـ

تسلم حسن المهنا الإمارة بعد والده الذي جنّب القصيم ذلك الطوفان من الصراعات والانقلابات التي سادت في الرياض -وسائر نجد- ابان الخلاف بين أبناء الإمام فيصل: عبدالله وسعود. في عصر حسن المهنا، مابين 1290 إلى 1308 كانت القصيم تعيش فترة رخاء ونمو واستقرار. فإلى جهة الشمال منها، توجد إمارة الجبل المستقرة والناهضة بقوة، إن قيام إمارة قوية وحليفة في الشمال يعني استتباب الأمن في البوادي والطرق، فتكثر الحركة والتجارة وتتوفر البضائع وترخص أسعارها. وما دام الطريق سالكًا إلى الشمال، إلى الشام والعراق ومصر، فإن اقتصاد القصيم بخير.

في عصر الأمير حسن، لم يكن هناك دولة مركزية في الدرعية، لذا فقد كان مستقلا بإمارته على القصيم (ماعدا عنيزة).

 

".. حسن المهنا قد استولى على القصيم الذي هو أخصب أقاليم نجد وأكثرها ثمارًا وغلات....وأنه يصلح أن يعبر عنه بأنه تولى الملك، فنقول: إن أرض القصيم التي كانت تحت حكم حسن المهنا هي أكثر سعة إلى عشرين أو ثلاثين ضعفًا من أرض البحرين التي هي مملكة الآن، وحاكمها ملك. كما أن موارد القصيم في ذلك الوقت أكثر وأثمن من موارد البحرين في ذلك الوقت أيضًا.(العبودي – المعجم)

 


إذن.. فالساحة خلت إلا من اثنين: ابن رشيد في حائل، وابن مهنا في القصيم. اماراتان قويتان طموحتان.


اتفق الاثنان على تعزيز المصالح المشتركة، ونما بينهما حلفٌ يغطي الفوضى التي خلفها الصراع الدموي في الرياض. أصبح الرجلان القويان شرطيّا المنطقة الآن، ولأنه "لايجتمع فحلان في شول" كما يقول عبدالملك بن مروان، فإن أيام الوداد لن تدوم.. موقعة المليداء بين القصيم وحائل 1308هـ كانت مفصلية في تاريخ المنطقة، انتهت بسقوط حسن المهنا حاكم القصيم ومقتل أمير عنيزة.


كان أمير حائل، المنتصر في معركته الكبرى ضد أقوى خصومه، قد أقسم على أن يهدم المدينة (بريدة) وينهبها -أو يطلق زوجاته-، وبعد ذلك السقوط المفجع للقادة والأمراء، برز العالم الجليل محمد بن عبدالله بن سليم لمواجهة الأمير المنتصر خارج أسوار المدينة، وقف باعتباره خط الدفاع التالي والأخير بعد سقوط الإمارة، تشفّع عند الأمير -رغم العداوة المتبادلة- وذكّره بآيات الله وخوّفه من مغبة الظلم والتدمير، قال الأمير بعد أن تأثر بكلام الشيخ:

  • ولكني حالفن بالطلاق، هل أطلق الأربع يا شيخ؟

قال الشيخ ان النية تعقد على طلاق الواحدة، وبالتالي تطلق واحدة من زوجاتك، فطلق زوجته لولوة بنت مهنا الصالح، أخت الأمير الذي كان للتو قد فرغ من قتاله وهزيمته.




الجلاء والرجوع


بعد انكسار المليداء، تنبسط الأمور تحت قبضة أمير حائل، ويتنقل الأمراء السابقين بين البلدان حتى يستقروا في الكويت. باتت السلطة بكاملها في يد أمير الجبل، أما السلطة الدينية فقد مالت للعلماء ذوي الميول الجاسرية الموالين لابن رشيد. ستظل الأمور على هذا النحو حتى عام الصريف 1318هـ، ذلك العام الذي قرر فيه الأمراء النجديون في الكويت أن يستعيدوا مواضعهم في بلدانهم ويواجهوا سلطة حايل الممتدة على أرض الجزيرة.


فيما يخص العلماء السلفيون، الموالون للدعوة الإصلاحية ولإمامة ابن سعود، فإن سلطتهم انحسرت بفعل القمع أو بالنفي (كان ابن سليم قاضي بريدة منفيا للنبهانية). كانت النية قد عُقدت على استعادة نجد والحكم بقيادة الشاب البطل عبدالعزيز بن سعود، غيرَ أن أحد أطراف المعادلة لا يزال غائبا عن المشهد، جماعة عقيل الذين خرجوا إلى أملاكهم وأسواقهم في الشام والعراق ومصر بعد خراب بلدانهم وتسلّط أمير الجبل عليهم. أولئك الرجال المقتدرون لهم وزنهم الكبير في إنجاح مشروع الإستعادة. ولكن كيف السبيل إلى اقناعهم والتأثير عليهم للعودة.

 من لها غير العوني؟


"إن العوني خلقه الله ليكون محرّضا ومهيِّجا، فسجيّته التحريض والتهييج مزجت بدمه ولحمه، ومن يدرس حياة هذا الإنسان بعمق يجد أنه لو لم يجد مغلوبا يحرّضه على الغالب، أو مستضعفا يحرضه على الذي استضعفه، أو مقهورا يثيره على من قهره، لو لم يجد هذا فإنه سيخلق من نفسه لنفسه مقهورا يحرضه ويهيّجه على من قهره" (فهد المارك – محمد العوني تاريخ جيل وحياة رجل)


كتب شاعر بريدة وشاعر الجزيرة بأكملها محمد العوني أشهر قصائده وأهم قصيدة في تاريخ القصيم: الخلوج.

قصيدة ملحمية ناشد فيها رجال عقيل ليعودوا للميدان السياسي، قصيدة بث فيها أشجانه وأحزانه وأعلنها مدوية في صحراء الجزيرة لتصل كل أقطار العرب ويسمعها العقيلي في أقصى مكان: في أسواق عكا وفي دكاكين بغداد وفي مكاتب القاهرة. كان العوني بارعا في فنّه، كان ذلك النداء بمثابة عمل إعلامي ضخم يستنفر الهمم ويعيد ترتيب المعادلة. وكيف يستفتح عمله الفني؟ بصورة يعرفها ابن الجزيرة جيدا، ذلك المشهد الذي يعرفه العقيلي أكثر من غيره. الناقة التي فقدت وليدها: خلوج. الناقة التي تعاف شرب الماء وتربض باكية منتحبة تصرخ بأعلى صوتها: خلوج. الناقة المفزوعة المضطربة لفقد صغيرها:خلوج.

 

خلوج تجذ القلب بَعْلا اعوالها  ***  تكسر بعبرات تحطم اسهالها

تهيض مفجوع الضماير بحسها  ***   إلى طوحت صوت تزيد اهجالها

ويقول:

مير داركم من عقبكم تندب الثرى  ***  تبكي على الماضين واعزتا لها

أولاد علي اليوم ذا وقت نفعكم   ***   لا رحم أبو نفس اتتاجر بمالها

أولاد علي اليوم.. مهب باتسر   ***  تقدموا بعزم الليث خلوا رزالها


شدّد عليهم بلهجة حاسمة وحلول لا تقبل الوسط، اليوم وليس غدًا، فجاؤوا ملبين مدفوعين بالحميّة والطموح لبناء مستقبل واعد ينتصر فيه الخير والحق والعدل، وتنحسر فيه نوازع الطيش والأحقاد.



التوحيد

ستقوم أحداث كبرى ومعارك طاحنة على أرض الجزيرة العربية يقودها البطل من آل سعود عبدالعزيز، من أجل استعادة مجد تليد وأرض أحبوها وأحبتهم. دولة واحدة يحكمها الشرع والعدل. سينتج من تلك مرحلة (مابعد الصريف وفتح الرياض) ما يلي:


  • دخول قوات الملك عبدالعزيز برفقة آل مهنا وآل سليم للقصيم، السنة التي سماها الناس "سنة السطوة"، والمواجهة الصعبة مع ابن رشيد في البكيرية. يتغنى العوني في ذلك الوقت بالعرضة الحربية الشهيرة، معتزّا بشيخه القائد الفاتح، ومفتخرا بأفعال قومه (أولاد علي):

مِنِّي عليكم ياهل العوجا سلام  ***  واختص ابو تركي عَمَى عين الحريب

يا شيخ باح الصبر من طول المقام  ***  يا حامِي الوَنْدَات يارِيْف الغَرِيْب

اضرب على الكايد ولا تَسمع كلام  ***  العز بالقَلْطَات والرَّاي الصلِيْب

لو ان طِعِت الشور يالحِر القطَام  ***  ما كان حِشْت الدار وَاشْقَيْت الحَرِيب

أكرم هل العوجا مَدَابيْس الظلام  ***  هم دِرْعِك الضَّافِي إلى بار الصِّحِيْب

واولاد علي دورهم يوم العتام  ***  يِحمون نار الحرب في حامِ اللهيب


  • عودة المهنا لإمارة بريدة
  • بروز أهمية الوجهاء في تقوية حركة الملك عبدالعزيز ودعمه
  • هزيمة ابن رشيد في روضة مهنا، وتدخل العثمانيين لاستعادة التوازن في نجد
  • بوادر حرب عالمية كبرى بين الحلفاء ودول المركز، العثمانيين في غرب الجزيرة العربية والامبراطورية البريطانية في الخليج العربي يراقبون الأوضاع.
  • نزعة أمير بريدة (المهنا) للاستقلال ودعمه لتدخل العثمانين في نجد والقصيم تحديدا.
  • الموقف الديني (آل سليم) يرفض التعاون مع الأتراك ويجدد موقفه الثابت منذ القدم: الولاء للدولة السعودية والمنهج السلفي. بعض الوجهاء المؤثرين يميلون لهذا الرأي.
  • سقوط إمارة المهنا (صالح الحسن ثم محمد العبدالله) لتكون الزعامة بيد الوجهاء "الجماعة" بمباركة رجال العلم والقضاء.
  • نشأة مؤسسات الدولة، الأمير المعيّن من الحاكم في الرياض، تراجع دور الوجهاء وتزايد دور المؤسسة الدينية لتلعب دور الوسيط بين المجتمع والمؤسسات الحكومية الحديثة.
  • التزايد السكاني، التمدد العمراني، بدء عصر المدنية الحديثة وقدوم أهل الأقطار والأرياف للمدينة التي تنمو بسرعة للحاق بركب التعليم والتوظيف.



عصرٌ جديد

في السبعينات الهجرية (الخمسينات ميلادية) يظهر في المشهد جيل جديد يرى النور تحت معطيات جديدة: دولة ذات كيان واسع ولها مؤسسات ونظام تدير به مصالح الناس. المواطنة الحديثة، التعليم، الأفكار والنشاطات. قرّبت المدينة الشباب من بعضهم وجعلتهم يتشابهون في اهتماماتهم ومساعيهم: الوظيفة أو التجارة. جيل من الشباب من خلفيات ريفية وصناعية وتجارية وعلمية جمعتهم المدينة في سلة واحدة. شباب يقرأون ويكتبون ويتتبعون الأخبار والأحداث، يروي أحد المسنين أنه قرأ رباعية دوستويفسكي "الإخوة كارامازوف" عندما كان في سن المراهقة (السبعينات الهجرية) ويحضرها لهم سواويق التريلات القادمين من الشام، وكذلك قرأها باقي الرفاق مع مجموعة أخرى من الكتب الفلسفية والسياسية والروايات.

في الخارج، شهدت هذه الفترة صعود الحركات الشيوعية والثورية، انقلابات على الملكية في مصر والعراق واليمن، بروز للأفكار القومية والبعثية والفلسفات اللادينية. حركة عمالية يسارية في الشرقية للعاملين في قطاع النفط، واحتكاك مع الوافدين العرب الذين يحملون أفكارًا يسارية ويبشّرون بأفكارهم لبعثة العرب من سباتهم الطويل -حسب زعمهم-.


قصّة عكيّة الشهير تعكس شيئا من واقع ذلك العصر، مجموعة شباب يشكّلون مسيرة احتجاجية في شوارع بريدة ويحملون رجلاً على اكتفاهم يدعى "عكيّة" يتوجهون صوب الإمارة ويرفعون أصواتهم بالاحتجاج مطالبين بـ:

تقليص سلطة النوّاب المحتسبين (المطاوعة) – السماح بالمقاهي والشيشة – السماح بلبس الغترة أسوة بشباب الرياض – السماح بركوب الدرّاجات.

تأخذ القصة طابعا كوميديا عندما يعتقد المسؤول آنذاك أن هذه مظاهرة سياسية وأن الشباب أعلنوا عصيانهم، فيتصل بالديوان الملكي ويطلب فرقة عسكرية لتحضر الهيلكوبتر وتقبض على الشباب الذين يثبت -بعد التحقيق- أنهم ليسوا إلا زقرت يطالبون بالشيشة والسيكل. فيعاقبون بالجلد علنا بتهمة الإخلال بالأمن، ويتولى الإشراف على تنفيذ العقوبة الشيخ الخريصي كبير النوّاب آنذاك.

 بعد سنوات، ستتولى الدولة تجفيف منابع الفكر اليساري في المملكة وستهاجمه بعدة وسائل، منها: تكثيف المجال الديني وتوسيع نطاقه.


القاضي القوي

في هذه المدينة، كان القاضي ابن سليم (عمر بن محمد) صاحب مكانة عليا في نفوس الناس، والوجهاء، وعلى المستوى التنفيذي الرسمي. كان القاضي الذي تصل يده لكل شيء، يخطط الشوارع ويراقب الأسواق ويعاقب التجار ويضبط المخالفين ويكتب ويؤلف ويعلّم الطلاب. إن منصبه وشخصيته الفريدة هما ما منحاه كل تلك المساحة التنفيذية والتأثيرية. ولن يقوم بكل ذلك مالم يكن ممنوحا من السلطة العليا ثقة مطلقة، ومالم يحظَ بموارد بشرية كبيرة تساعده على إتمام المهام التي تقوم بها – في عصرنا الحالي- عدة وزارات. قبل وفاته عام 1362هـ، يسافر الشيخ ابن سليم للرياض ويجعل أحد طلابه الشاب صالح الخريصي نائبا عنه في القضاء -بشكل مؤقت- وهو في الثلاثين من عمره. بعد وفاة ابن سليم ستعين الدولة عالما من علماء الرياض ليتولى القضاء في القصيم، هو العلامة ابن حميد. بعد سنوات، ومن مبدأ الحكمة الإدارية وبسبب وجود بعض الخلافات، رأى المفتي العام محمد ابن ابراهيم آل الشيخ أن يعيّن الخريصي في القضاء بمرسوم ملكي.


الخريصي زعيم المحافظين

 دخل الشيخ صالح الخريصي ذات مرة مجلس جلالة الملك خالد في قصره بالطائف، وألقى كلمة مؤثرة كعادته في قوة الخطاب وصدقه ونفاذيته، وبعد الانتهاء جلس قليلا ثم انصرف. فيما بعد، حضر المجلس ولي العهد الأمير (آنذاك) فهد بن عبدالعزيز، فالتفت الملك قائلا لولي عهده -وكان في المجلس حضور كثير-:

  • يا أخ فهد، ليتك حاضر يوم يلقي الشيخ صالح الخريصي كلمته الطيبة النافعة كان أعجبتك واستفدت، هذولا العلماء الي نعرفهم ماهب علماؤكم قطان وفلان...من الذين كلامهم ما يدخل القلوب، لأن القلب يدخله الكلام إذا كان صادق من قلب راعيه، مثل الشيخ الخريصي. (نقلا عن الحركان وزير العدل. انظر: العبودي – معجم الأسر – الخريصي)


ليس غريبا أن يكسب الخريصي كل تلك الشعبية لدى مجتمعه، صغارهم وكبارهم. لهذا الرجل الصادق الجريء المخلص هيبةً وحضورًا قويان لا ينافسه فيهما أحدٌ من معاصريه. شخصيته جاءت مناسبة لعصره ومجتمعه فأثر فيهم أبلغ الأثر، في الزمن السابق كان القاضي ابن مقبل (القرن الثاني عشر هجري) أقل تدخلا في الشأن العام، مهموما بالقضاء وبالعلم وطلبة العلم، ثم جاء عصر آل سليم الذين أبدوا حضورا متزايدا في الشؤون العامة والإدارة وأحيانا -إذا لزم الأمر- في السياسة، هذا بالإضافة لانشغالهم بالعلم والتعليم. في زمن الخريصي كان المدينة تتسع والغزو الفكري -كما يسمونه- يزداد، والضبط يصبح أمرا شاقا على المسؤول والغيور، لذا كان الخريصي منشغلاً بشكل أكبر بمسألة التصدي للتغيير والانحلال، مهموما بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، جريئا على كل من خالفه وإن كان مسؤولا كبيرا. وهو إلى جانب ذلك كله، نزيه عفيف يعيش عيشة البسطاء ويبذل ماله للفقراء. في جرأته وحزمه وقوة حجته كان يعطي مثالا للقائد الذي يحافظ على منظومة القيم في زمن الميوعة والانحلال. وفي زهده وعفته وبساطته وخشوعه يعطي مثالا لما كان عليه السلف الصالح النقي.


"لو قسمنا المشايخ وطلبة العلم في بريدة بل في نجد إلى قسمين: محافظين ومتساهلين في الأمور الشكلية المتعلقة بالدين، لوجدنا أن الشيخ صالح الخريصي هو من أشد الناس محافظة على حمى الدين، وحتى في الأمور الشكلية لم يكن يقبل أي تغيير حديث يتعلق بتنفيذ الأوامر الدينية." (العبودي- المعجم)


إذن.. يتولى الخريصي القضاء وتكون له بصمته في الأجيال التي تتلمذت عليه، والمؤسسات التي نشأت بتوصية منه، وسيكون مسلك "ضبط الأمور الشكلية" شائعا لدى فئة كبيرة من المتدينين في عصره ومابعده.

تحت عنوان (نموذج من كلام الشيخ صالح الخريصي) ينقل العبودي نصيحة من نصائح الخريصي جاء فيها التحذير من عدة أمور، وهي:

  • التحذير من ترك الصلاة
  • التحذير من ترك الجماعة في المسجد
  • التحذير من آلات اللهو
  • التحذير من شرب المسكرات (ومنه شرب الدخان)
  • التحذير من حلق اللحى
  • التحذير من صور والتصوير
  • التحذير من إظهار العورة (خصوصا لبس القصير في لعب الكرة)

ويختم نصيحته قائلا: "فيا معشر المسلمين، ويا معشر المسؤولين من العلماء والأمراء والكبراء والزعماء، اتقوا الله وراقبوه، وقوموا بما أوجب الله عليكم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا تأمنوا مكر الله فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون، ولا تغتروا بستره وحلمه، وما فتح عليكم من النعم، فإنه ما أخذ قوم إلا عند غرتهم ونعمتهم وسلوتهم، وهذا الواجب العظيم لا يختص به فرد دون فرد، لأنه صلى الله عليه وسلم خاطب الأمة كلها في قوله (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده) إلى آخر الحديث، لكن على أهل الحسبة، وهم النواب من المسئولية ما ليس على غيرهم، فاتقوا الله عباد الله وحولوا بين إخوانكم، وبين مراتع الهلكة، وذودوهم عن موارد العطب، فإنكم مسئولون عنهم أمام الله، كما ورد في الحديث (إن الجار يتعلق بجاره يوم القيام، ويوقفه بين يدي الله عز وجل، ويقول: يا رب سل هذا لم خانني فيقول يا رب ما خنته في أهل ولا مال فيقول صدق، ولكنه رآني على ذنب كذا من فعل محظور أو ترك مأمور فلم يأمرني ولم ينهني). فإن أخذتم على أيديهم نجوتم جميعًا، وإن تركتموهم هلكتم جميعًا، فما أهون الخلق على الله إذا أضاعوا أمره كما قال أبو الدرداء رضي الله عنه لجبير بن نفيل حين رآه يبكي بعد فتح قبرص، وقد فرق بين نسائهم وذرياتهم، فقال مالك تبكي في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله، وأذل الشرك وأهله، فقال ويحك يا جبير ما أهون الخلق على الله إذا أضاعوا أمره، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الأمر، أضاعوا أمر الله فصاروا كما ترى." (مرجع سابق)

 

هذا النمط من الخطاب الوعظي والاحتسابي سيكون سمة العصر الذي يليه، وسيستلهمه عشرات بل مئات المشائخ الذي سيشكّلون الصحوة فيما بعد. وإن أردنا تحديد هذه السمات بدقّة، فيمكن القول أن السمة الأولى هي: (أ) النعمة ستزول إن نحن ارتكبنا المخالفات المنهي عنها -منها الدخان والشورت-. (ب) نوعية المخالفات في مجملها تتعلق بالمظاهر والعادات المنتشرة آنذاك (ب) واجب الناصح الغيور أن ينقذ هذا المخالِف، ينقذه من مخالفاته، ينقذه من النار، هل تشاهد أخاك يذهب للنار وتتركه؟. وبذا سيكون النُصح عملاً ميدانيا وواجبا مفروضا على كل غيور، يجب أن تتغير رغما عنك، لأننا مسؤولون عنك أمام الله، ولأن الله سيعاقبنا جميعا إن أنت ارتكبت المعاصي كالغناء والتدخين ولبس القصير. فيما بعد ستكتسب هذه المخالفات أهمية كبرى في الخطاب السلفي الوعظي، ستصبح اللحية والتدخين والغناء والإسبال ولبس الشورت من القضايا الكبرى التي يحوم حولها الغيورين من المتدينين، وهي أمورٌ تتعلق بالضبط الإجتماعي والشكل الخارجي. بسبب هذا، سيظهر مفهوم "النفاق" كرد فعل، فما دامت الأمور بالمظاهر، فإنه من السهل أن تبدو شخصا صالحا حسب مواصفات الغيورين، ولكنك ترتكب مخالفات هي من المحرمات التي نصّ عليها الشرع، مثل: أكل أموال الناس بالباطل، ظلم الزوجة والأولاد، السعي في أذية المخالفين وإن كانوا مسلمين يشهدون الجماعة. فيما بعد، سيصبح من الأمثال المتداولة شعبيا في نجد قولهم "مطوّع بريدة" ويراد به الرجل يُظهر التقوى الشكلية والنصح وهو في سيرته يرتكب الآثام مثل غمط حقوق الناس.



كان الخريصي رجلاً صادقا يشهد له محبوه وخصومه بصدق مسلكه، وهو على منهج الدعوة السلفية للشيخ محمد بن عبدالوهاب من حيث الولاء للإمام الذي عُقدت له البيعة. وهو وإن كان في عصر كثرت فيه المنكرات والتجاوزات التي تتبنى بعضها مؤسسات الدولة كالإعلام والتلفاز، فإن منهج الشيخ السلفي يمنحه القدرة على الإنكار والنصح مع الحفاظ على الولاء للحاكم بل والدعاء له ومحبته. وهو -أيضا- وإن كان في عصر كثرت فيه المغريات من حيث المال والجاه والسفر والتملك، فقد كان زاهدًا على منهج السلف، ورعًا عن كل مشبوه.

ولكن.. مسلك الخريصي ليس سهلاً، وهو رجلٌ لا يتكرر.

فالجموع التي جاءت من بعده عايشت ظروفا تختلف عما مضى: الانفتاح والحداثة والعلمانية والجهاد والغزو الفكري والأمة الإسلامية المضطهدة... الخ. وهم إلى جانب ذلك، لا يتحلّون بذات المقدار من الولاء للحاكم، ومن الزهد بالدنيا. فظهرت عدة تيارات لها مسمى واحد ومرجعية واحدة ولكنها تختلف في سماتها:

  • متدينون جهاديون (يرون بأن المنكر حاصلٌ وبأن الحاكم شريك فيه ولا بيعة له)
  • متدينون منكفئون (انعزلوا المشهد الصاخب حفاظا على دينهم، منهم عبدالكريم الحميد الذي خرج إلى بيت طيني وتورّع عن ركوب السيارات)
  • متدينون حركيون (السرورية وبعض رموز الصحوة)


أصبح مفهوم التدين لا يخرج عن هذه الأطر الثلاث، وانحسر بشكر لافت مفهوم التدين البسيط القديم الذي عرفه الناس قديما.


القرن الهجري الجديد

"وبذلك نعدّ نقطة الصفر للتغير في المجتمع السعودي هو بداية تنفيذ برامج وخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة عام 1390هـ، وبذلك يكون هذا التاريخ هو نقطة الصفر التي تفصل بين فترتين متعارضتين وغير متماثلتين، حيث يفصل ذلك التاريخ بين مرحلة سابقة على التغيير ومرحلة التغيير" (مدخل لدراسة المجتمع السعودي – د.محمد السيف)


في مرحلة "التغيير" كما يسميها د.السيف، وهي المرحلة التي تلي عام 1390هـ، سيعيش المجتمع حالة من التغيير الذي ربما أصابه بالدوار والحيرة، ستمر أحداث كبرى ينتج عنها:

  • التزمّت في الشكليات الدينية ينتج خصومه المتزمتين بالشكليات الحداثية، فتصبح اللحية ذات رمزية هامة، فبقاؤها يحمل دلالة كثيفة، وحلقها يعني أشياء كثيرة.
  • العالم الإسلامي يشتعل، ثورة إسلامية في إيران، وجهاد في أفغانستان، وحركة إسلامية عسكرية في باكستان. عالمٌ إسلامي متصل ببعضه بفضل العولمة ووسائل الإتصال.
  • بروز المتدينين الصحويين والحركيين لتصدر المشهد الديني بعد رحيل جيل من العلماء الكبار الأجلاء. (قامت مظاهرات في بريدة بسبب اعتقال أحد رموز الصحوة، سلمان العودة)
  • بروز الخصوم الفكريين للصحوة الهشة، حداثة هشة، وعلمانية هشة.
  • فتور الأنشطة الشبابية الرياضية وبروز الأنشطة الدينية الصحوية (حلق التحفيظ، المراكز الصيفية).
  • "في أواخر الثمانينات أصبح لرموز الصحوة جماهيرية مؤثرة تنافس وتفوق جماهير الفن والرياضة أحيانا، والتي تعرضت في تلك المرحلة إلى عزوف جماهيري أقلق المسؤولين عن الرياضة، فقد شهد جامع الراجحي في الرياض في محاضرات خاصة لبعضهم -مثل الشيخ سلمان العودة- حضورا جماهيريا مثيرا للدهشة، وكأن مشهد السيارات لمباراة بين فريقي العاصمة" (عبدالعزيز الخضر – السعودية سيرة دولة ومجتمع)
  • اعتُبرت المراكز الصيفية التي يقودها المتدينون أهم نشاط ثقافي ورياضي في عصره، كانت حاضنة تستقطب الشباب وتمنحهم الفرصة لتجربة المهارات وتنميتها، من هناك تشكّلت أبرز المواهب كـ: الكتابة، الرسم، الإلقاء، المسرح، الإدارة، النشيد... الخ.
  • بروز الحركات الجهادية في السعودية، تنظيم القاعدة يتبنى الشباب الحركي المتدين الذي فقد بوصلته. أحداث سبتمبر وغزو العراق.
  • يتبنى رجال أعمال محافظون من القصيم إنشاء شبكة قنوات المجد، لتقدّم محتوى إعلامي محافظ كردّ فعل للإعلام التغريبي الهابط، تعرض قناة المجد برامج وحوارات دينية مع مشايخ وبرامج ترفيهية شبابية من دون موسيقى ولا نساء.
  • ظهور ارتباط بين التدين الحركي ومعاداة الدولة
  • الحرب على الإرهاب، انطلاق التيار الليبرالي للهجوم العلني على المنهج السلفي، دعوات فجّة للتخلص من عبء الإرث الإسلامي.
  • معارك فكرية وعلنية لكسر العظم بين المتدينين والليبراليين، في الانترنت وفي الصحف والقنوات وفي الواقع.
  • ظهور مواقع التواصل الاجتماعي مع مساحة للحريات في التعبير والنقاش
  • يناقش الشباب أفكارا دينية وفلسفية وإلحادية ويسارية، بروز مدونات ومناظرات هنا وهناك بشكل لافت. (أحد تلك التجارب كانت جلسة فكرية فلسفية أسبوعية شبابية استمرت مايزيد سنة وكان كاتب هذه التدوينة من مؤسسيها).
  • ظهور حركة إصلاحية قديمة -من بريدة- بلباس جديد، حركة "حسم" يقودها رموز سلفيون وترفع شعار الإصلاح السياسي، وينتظم فيها مزيج من ليبراليين وسلفيين وتنويريين. فشلت "حسم" في إقناع المتابعين -رغم حماسة الجمهور آنذاك- بخطابها الإصلاحي الركيك، واختلط فيها مزيج متنافر من الأفكار، لم يوحّد تلك الرؤى المتعارضة سوى نقطة تقاطع واحدة: مواجهة نظام الدولة والمؤسسة الدينية الممثلة بهيئة كبار العلماء.
  • فترة الربيع العربي: تيار جارف يطرح الأسئلة المعلّقة منذ عقود، قد آن أوان الإجابة على الأسئلة المقلقة والصعبة، تحت تأثير أحداث رهيبة ومخيفة في البلاد المجاورة.
  • تزامن مع فترة الربيع العربي موجة الفكر النسوي العربي، وفي السعودية خصوصا. كان نشاطها الرئيسي في مواقع التواصل ويقودها أسماء نسوية معظمها من بريدة.
  • عودة الاهتمام بالرياضة بعد وجود ديربي بريدة في الدوري الممتاز. التشجيع يبدأ على استحياء، بعد سنوات سيعود المشجعون القدامى للانخراط في التشجيع وإعادة ذكريات بريدة القديمة بتحدياتها الكروية الممتعة. لن يكون مستغربا أن ترى رجلا متدينا في الملعب يشجع الرايد أو التعاون ومعه أطفاله وربما بناته.
  • عهد الملك سلمان، الإصلاحات الكبرى والإجابة على الأسئلة الكبرى. مواجهة التطرف وتصحيح الاقتصاد. إعادة توجيه الطاقات، رسم ملامح المستقبل، الاستثمار في الشباب والعمل من أجلهم تحت رؤية 2030.
  • بروز النشاطات التجارية العائلية، بروز فئة رواد الأعمال من جديد، كثرة الحديث عن الإنتاج والشغف والمال والأعمال.
  • بروز الإنتاج الفني المحلي: افلام قصيرة وسنابات ساخرة، شباب يغنّون على آلة العود ويرقصون، قصص وقصائد وأفكار محلية.
  • انحسار الخطاب المتعصب دينيا وفكريا، تراجعات كثيرة من الطرفين.
  • التفات وجهاء المنطقة للرياضة والاستثمار بها وتطويرها لتكون مصدر متعة ونفع ثقافي واجتماعي (نتج عنه أول مشاركة قارية لنادي من القصيم، التعاون يلعب في البطولة الآسيوية في حدث كان الأول من نوعه.. شكرا أبومحمد)



بريدة الحاضر والمستقبل

 

من الواضح -بعد النظر لملخص العقود الأخيرة- أن تحولاً قد طرأ على توجهّات هذه المدينة، وأن التغير الكبير الذي حدث بعد "نقطة الصفر" 1390هـ لم تسنده الظروف ليواصل مسيرته النهضوية والعلمية والاقتصادية كما هو معروف عنه، بل تأثرت سلبا بعد رحيل جيل القادة الحكماء الأقوياء من رجال الدين، وبعد تفرّق طبقة التجار والوجهاء بين الكيانات التجارية الكبرى والمدن الصناعية، وخلت الساحة للحركة الدينية المتطرفة التي صبغت المدينة بلونها لفترة ليست قصيرة. إن فتح المجال -الذي تمّ في السنوات الأخيرة- أمام طاقات الشباب (ذكورا وإناثا) في المجال العلمي والاقتصادي والرياضي والفكري والإبداعي سيعيد المدينة إلى مكانها الريادي في النهضة والبناء والتغيير.