- غياب المنهج
تقدم الأيدلوجيتان (الليبرالية والصحوية) النتائج ثم تبحث لها عن مقدمات واستدلالات. تبدو ثقافات العالم جميعها مدونة مفتوحة لهما ينتقيان منها ما يعزز تلك النتائج.
كيف نعرف صحة الدليل من بطلانه؟
إذا كان الدليل يتفق مع النتيجة فهو صحيح، وإذا كان يعارضها فهو -ببساطة- دليل باطل.
- النزعة للقيادة والتأثير
شُغلت الايدلوجيتان عن سؤال المنهج، بسبب ثورة العصر الحديث، عصر التغيير والجماهير الغفيرة والفرص التي لا تتكرر. انشغلا بالسجال والمعارك الجانبية والحجاج الخطابي غير الرصين الذي هو أقرب للانطباعات الشخصية وبعيد عن أن يكون تفكيرًا جادا. (مما يحسب للمنهج السلفي -في مسلكه النقي- أنه كان متقيدًا بمنهجه العلمي وأدبياته الأخلاقية، فرغم فراغ السلطة في عدة أزمنة منذ سقوط الدولة السعودية الأولى، إلا أن كبار العلماء كانوا ورعين عن الخوض فيما لا يجدر بهم خوضه، فتركوا ما لقيصر لقيصر، مكتفين بالدعوة والتوجيه والضبط حسب ما تمليه عليهم عقيدتهم. الحركيون يسمون هذا "جمود" وهو إلتزام بالمنهج يعبّر عن صدق الإيمان).
- حوار الطرشان
يتسم الحوار بين الطرفين بأنه حوار بين طرشان، ولهذا أسباب/ أولها: غياب المنهج، فإن كنت أبني معتقداتي بالأهواء وتبني أنت معتقداتك بالأهواء، فسيكون الحوار بيننا حوار "هوائي". ثانيها: أن الهدف هو الانتصار وليس الحق، والانتصار يتطلب الحراك والسجال والكسب، بينما الحق يتطلب النظر والتفكير والحوار والتأسيس. قد يتحقق الإنتصار في شهر، أما البحث عن الحق فربما انقضى العمر دونه.
- تسويغ الكذب
إن كنت على عجلة من أمرك، وتريد الانتصار، ولا تملك منهجًا صارما في التعامل مع الخصوم، فإنك على الأرجح ستكذب، بل ربما وجدتَ أن الكذب أنفع الوسائل. اتسم الاثنان (الصحويون والليبراليون) بالقدرة المدهشة على تشويه الآخر، تقول كلمة فيضعونك في سياق مُتخيّل ويحمّلونك أقوالها لم تقلها، ستكتشف أنك "عدو الله" أو "عدو الإنسان" أو ربما عدو الاثنين. وستكتشف أن مقولتك تلك هي سبب كل ذلك الخراب، أي خراب؟ يعتمد على المتحدث: إن كان ليبراليا فهو يقصد خراب البلدان العربية والاقتتال بينهم وتدهور أحوالهم، أما إن كان صحويا فهو يقصد خراب الأخلاق والانحلال والفساد العالمي.
- الدوران على السلطة
ينتهج الاثنان مسلك الدوران على السلطة السياسية، ينظر الاثنان إلى الواقع باعتباره مكونا من ثلاث أشياء: نحن، خصومنا، السلطة السياسية. إنهم منغمسون في عالم ضيّق ولا يرون أبعد من هذا المنظور. لقد دارت الأيام لنرى الطرفان وهما يعتقدان أنهما "موجّهان" للسلطة، وأنهما رعاة السلطة وحماتها، وهو اعتقاد لا يخلو من شعور بالتضخم، الأمر يشبه العصفورة على ظهر الفيل إذ تعتقد أنها وهو -جنبًا إلى جنب- يسيران بهيبة وقوة.