الكلام وسيلة البشر للتواصل منذ الأزل فقد كان إختراع اللغات أهم من أي انجاز آخر أنجزته البشرية جمعاء.

"اليوم أصبح البشر قادرون على نقل أخبارهم وقصصهم والأهم من ذلك كله مشاعرهم لبعض دون الحاجة للقيام بحركات غريبة أو الرقص حو النار آملين من آلهة النار أن تساعدهم في جعل الشخص يفهم مقصدهم." - أحد البشر أصحاب النفوذ والمطرقة الأكبر في حفل الإعلان عن أول لغة في أحد الكهوف في إفريقيا. 

في حفل افتتاح الكلام يبتسم قردنا

 


فربما قد سمعت من قبل أنه إذا تكلمت عمّا يؤلمك (نقصد نفسياً.) ستشعر حتماً بتحسن كبير.

هل هذا حقاً صحيح؟

سأحاول الإجابة عن السؤال السابق من وجهة نظر شخصية، إذ لايمكن التعميم.

برأيي وبكل تواضع أقول لا.

انتهت المقالة.

شكراً لحسن قرائتكم نتمنى أن نراكم في أعمال أخرى في المستقبل.

لنكن واقعيين قليلاً، رغم عظمة الكلام وقدرته على نقل مانشعر به نفسياً، هل حقاً، وهنا يكمن السؤال، نحن بحاجة لأن ننقل أحزاننا لأحد غيرنا؟.

لماذا قد تريد أن تخبر المحيط بك أنك مكتئب؟ أو أنك تواجه صعوبات حياتية.

طبعاً عن الوقوع في مأزق يجب أن نطلب المساعدة وأشجع ذلك كثيراً لكن ماأقصده بـ"الكلام" هنا هو ما يقال له "الفضفضة".

دعونا نحلل الموضوع سوياً:

لماذا ترى البشرية جمعاء أن الفضفضة عمّا يضنيني ويثقل كاهلي قد يجعلني أشعر بتحسن ولو قليل، كيف لي أن أشعر بتحسن وأنا الآن قد جعلت حياة أحدهم أكثر بؤساً. أو أكثر فكاهة (في حال أخذ معاناتي كدعابة). أو الأسوأ، كعبرة يعتبر بها. لا أمانع مساعدة الآخرين لكن لاأريد أن أكون عبرة لهم.

الفضفضة من منظوري الشخصي هي نابعة من الحاجة البشرية الماسّة القديمة للحصول على الاهتمام والإنتباه من المحيط.

الفضفضةإذ كيف لي أن أكون حزيناً وأنا لم أخبر أحد بحزني؟، أعتقد أنك ذلك انتقل من الفطرة البشرية وبقي ثابت حتى ومع تأثير الأديان، فجميع الأديان تدعو لأن تشكو حزنك للخالق. أو الكاهن. أو ماشابه.

لكن لمَ؟ أليس الخالق أعلم بحالي؟ بلى. إذن لمَ علي أن أخبره ما يحزنني، هو أعلم وكفى.

الحاجة البشرية للكون في مركز الأضواء والحصول على الاهتمام ولو بداعي الشفقة هي من حاجتنا للتألق، التميز والتفرد.

فنحن نعلم أننا جزء من جماعة تعدادها بالمليارات وهذا ما يخيفنا أن نكون عاديين عديمي الظل والأثر في حياة الآخرين. فنسعى بكل ما أوتينا من قوة لكي نحاول الفوز باهتمامهم حتى وإن كلفنا ذلك استجداء شفقتهم. ثم نعود خائبين أننا لم نشعر بأي تحسن عندما تكلمنا، ثم نعزي أنفسنا أنه هم من قاموا بالسؤال.

حسناً. الجميع يسأل (كيفك؟) كواجب اجتماع، حتى فيروز غنت كيفك انت ملّا انت

هل سمعتم المقصود بأغنيتها يفضفض؟ لا.

أنا أتفهم أنك حينما تشعر بالسوء ستشعر أن أي محاولة تواصل من الآخرين هي منبرٌ لك لتفجر طاقاتك الكلامية. كما أفعل أنا الآن مثلا. أفجر أفكاري في شاشاتكم البريئة.

الكلام

لكن هذا الشعور هو ليس دوماً صحيح او يتوجب

عليك فعله، أنت لست بحاجة أن تنقل معاناتك لأي شخص قد تراه في طريقك.

مهما كان قريباً أو بعيد، إذا وددت فتح قلبك فافتحه لأخصائي قادر (أو قادرة) على منحك التشخيص المناسب لك إضافة لدواء، إذا احتجت له.

دعك من ما يروجون له أن الكلام مريح. مايريح حقاً أن تسعى للمساعدة إن احتجت لها، أن تتعلم كيف تحفظ أسرارك فكما يقال "لكل عزيزٍ عزيز." وهذا يعني حتماً أن ما يؤلمك سيجد طريقه من فم من أخبرته، إلى أذن أشخاص لا تريد أن تخبرهم حتى.

فلو كنت تريد منهم معرفة أمورك الخاصة كنت اتصلت لإحدى المحطات الإذاعية وقمت بإهدائهم أغنية ما لسميرة سعيد أو وليد توفيق، ثم استفضت في الحديث عن ما يؤلمك حقاً.

ختاماً، كما بدأت أُنهي كلامي،إن ما ورد في هذا المقال هو رأي شخصي لشخص قد جرب الفضفضة مراراً وتكراراً. وحصل على نفس النتيجة في كل مرة تكلم وفضفض فيها لأحد، الشفقة، النصائح الفارغة، أو تسريب كلامه للآخرين.

آمل يوماً ما أن أكتب مقالاً أن رأيي قد تغير حيال الفضفضة لكن وحالياً لا وألف لا. أفضل أن أبتلع أحزاني وأغص بها على أن تكون مادة فكاهية أو مادة غحدى الإجتماعات الصباحية أو المسائية حول فنجان القهوة.

الآن تمت المقالة.

وحقاً، شكراً لاستماعكم فالأمر لم يشعرني بتحسن للأسف لكنه زاد قراءات مقالي قراءة وهذا يسعدني.