من قال أن البشر يستطيعون التحكم بمصير البشر تحكما نهائيا قاطعا ؟ .
صحيح إنهم يحاولون ذلك فعلا ، و ينجحون كثيرا ، لكن هذا يتم في نطاق إرادة أكبر و أعظم و أحكم و أرحم ، إرادة الله ؛ إنه لا يتم بشكل كلي ، إنه تحكم محدود و مشروط و قاصر ...
قد يغلق البشر الطرق أمام بعضهم ، قد يفرشونها بالعقبات ، لكنهم كبشر لن يستطيعون إحكام السيطرة عليها تماما ، فهناك متغيرات لا يعلمها إلا الله .
" وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا "
لذا :
قاوم أيها الإنسان ، اصبر و لا تيأس ، اصبر حتى لو اعتقدت أن كل الطرق مغلقة ، فهناك إله يرى ما لا تراه ، و ما لا يراه أحد .. الله ، عز و جل و علا ، بيده مقاليد السماوات و الأرض ، بيده حياتي و حياتك ، و رزقي و رزقك ، و أمري و أمرك ، بيده - وحده - الأسباب النهائية ل السعادة و الشقاء ، و العطاء و المنع ... فلا تيأس ..
قاوم و لا تهتم بالنتائج ، فمجرد الم ق اومة شرف و رجولة ، أما النتائج فهي بيد الله . يكفيك شرف المحاولة ، و جلال الصمود ، و جمال التحدي ...
فلنتق الله في بعضنا ، و لنرحم بعضنا ، بالأمس رأيت صديقا يتحدث مع ابنائه بطريقة لم أرها طوال حياتي ، خاصة في بلادنا المنكوبة ، سمعته يتحدث اليهم بغاية الرقة و كأنه يتحدث الى حبيبة ذوبته عشقا ، كان رحيما رقيقا هادئاً ، ذوبني المشهد و سيطر علي ، فهناك خير في هذه الامة بعد ، إن ابنك و أخيك و امك و صديقك ، كلهم بشر مثلك ، لك أيها الإنسان عليهم سلطان النصيحة فقط ، و لا تملك أبدا ، مهما كانت صفتك ، سلطان الأمر و النهي و التحكم ...
يصدمني منطق التحكم بالآخرين باسم المصلحة ، إنه المنطق السائد الذي يستعمل أصحابه الضغوطات - خاصة المعنوية - التي تعيق الحياة الطبيعية ، لإجبار البشر على التراجع و التنازل ، باسم الحغاظ على مصلحتهك ، إنه منطق ديكتاتوري قمعي شديد القسوة ، هذا منطق هتلر و كل القمعيين ، ينشرون الموت و الخراب و الوجع، تحت شعارات رنانة تتحدث عن الديمقراطية و السلام و ما شابه ، و على المستوى المجتمعي ، نستخدم نفس المنطق للأسف بأشكال و حجج مختلفة ، ابرزها المصلحة ، قولوا لي بالله عليكم : أي مصلحة تلك التي تريد تحقيقها باي ثمن ؟ المصلحة لا تتحقق بإغلاق الطرق و العقبات و الضغوطات، فالذي تجبره إجبارا باسم المصلحة ستحطمه قبل أن يخضع ، إنك أيها الإنسان تصنع كما صنع الدب الذي حطم رأس صاحبه بالصخرة بحجة قتل ذبابة وقفت على رأسه ... بالله عليكم : أي رحمة تلك التي تبرر التحكم بحياة البشر و مصائرهم ؟ . هب ان الذي تضغط عليه خضع ، فهل تظنه سيخضع و هو طبيعي ؟ أبدا ، سيحيا عمره كله مجروحا متألما ، شاعرا بالعجز و الضعف و الحسرة ؛ إن الرحمة و المصلحة هي في الحفاظ على من نحب سليمين نفسيا و اجتماعيا و صحيا ، لا أن نوصلهم لطريق مسدود باسم المصلحة بغض النظر عن كيفية وصولهم الى ما نريد ! .
أيها الإنسان تواضع، و دع الخلق للخالق ، فكلكم آتيه يوم القيامة فردا ،كلنا سنحاسب كافراد ، لا كعائلات و لا كمجتمعات ، لن يحاسب سيدنا محمد على كفر اعمامه ، و لا نوح عليه السلام عن كفر ابنه ،و لا ابراهيم - صاحب القلب الكبير - على كفر ابيه ،و لا لوط عن كفر زوجه... لا تجعلوا المحرك الأساسي - كما هو واقعنا المؤلم- هو كلام الناس و صورتكم في المجتمع و ما شابه، فالمجتمع لا يرحم مهما فعلت ،و لو سجدت له ليلا و نهارا ، بل اجعل رائدك الرحمة ، و الحفاظ على ابنك و صديقك و امك سالمين ، إن اهتمامنا و هوسنا بالناس ، و الاعراف و التقاليد، لا يقود إلا الى القسوة ، لأننا في غمرة انشغالنا بهم نطحن الفرد بكل قسوة ، باسم المصلحة، باسم النصيحة، باسم مليون حجة ، لكنها حجج لا تصمد أمام المشهد المحزن للفرد الذي تخنقه و انت تدعي انك تريد مصلحته .. !!
#خواطري_علاء_هلال