‏دعا سليمان ﷺ الله أن يؤتيه مُلكاً لا يكون لأحدٍ غيره من حيث القوة والعظمة ، فسخّر الله له كل المخلوقات لخدمته ..

‏من بشر وجِن وطير وريح ونمل وغيرها فكان له جيش عظيم لاتوازيه جيوش الدنيا ولو اجتمعت، وفيه أحد الأيام فقد سليمان الهدهد ﴿مالي لا أرى الهدهد﴾..

‏قيل أن الطيور كانت تغطي السماء عندما تجتمع عند سليمان من كثرتها فلا تظهر أشعة الشمس ، وفقد الهدهد حينما وصلته أشعة الشمس من بين الأسراب..

‏فقال:﴿مالي لاأرى الهدهد أم كان من الغائبين﴾وفي هذا وقفةلتقديم حسن الظن إذ أن سليمان وضع العذر بعدم رؤيته هو له فقد يكون متواجدا لكنه لم يره.

‏وبعد حين جاء الهدهد أخبره ب٣ صفات عن مملكة رآها (سبأ) وعن أمرٍ عظيم خالف فطرته (التوحيد)؛ الصفات :

‏-مرأة تملكهم.

‏-لديها القوة.

‏-عرشها عظيم.

‏والأمر الذي استنكره الهدهد وخالف فطرته :

‏﴿ يسجدون للشمس من دون الله ﴾ ؛ وهنا وقفة مع خطاب الهدهد:

‏اختصار، توضيح، ذكر المهم وترك الصغائر.

‏فأرسل سليمان لهذه المملكة خطاباً مختصراً كان نصّه :

‏﴿ بسم الله الرحمن الرحيم .. ألّا تعلوا عليّ وأتوني مسلمين ﴾.

‏فجاء الهدهد وألقى الخطاب بحجر بلقيس فقرأته ثم جمعت مستشاريها وقالت لهم : ﴿إني ألقي إليّ كتاب كريم إنه من سليمان .. أفتوني في أمري﴾، حكيمة..

‏فقالوا لها : ﴿ نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك ﴾ ؛ أولو قوة : أي عدد ، أولو بأس : أي عتاد وسلاح ، لكنهم اختارت السلم (طبيعة المرأة).

‏فذكرت لهم العذر لاختيارهم السّلم : ﴿ إن الملوك إذا دخلوا قريةً أفسدوها وجعلوا أَعِزّة أهلها أَذِلَّة ﴾ فأكّد الله قولها بـ﴿ وكذلك يفعلون ﴾..

‏ثم أمرت أن يُرسلوا لسليمان الهدايا حتى تعلم هل كان مقصده من الخطاب طلب الدنيا والملك أم بسبب الشرك ، فأرسلت له الذهب والحرير وخير ثروتهم .

‏ولما وصلت الهدايا لسليمان أمر بردّها بل لم يفتحها ويعلم ما فيها فلم تكن غايته الدنيا ﴿ أتمدوننِ بمال فما آتنِ الله خير مما آتاكم .. ﴾..

‏ثم أمر بتجهيز الجيش، قيل أن أول جيشه يصل إلى اليمن (سبأ) وآخره عنده في الشام من كثرتهم وقوتهم ؛ ﴿ فلنأتينهم بجنود لا قِبلَ لهم بها ﴾..

‏فسارت بلقيس بنفسها إلى سليمان وجاءه الخبر بذلك فأراد أن يبيّن لها أن ما عنده ليس من عطايا البشر؛ فأمر بالإتيان بعرشهاعنده قبل أن تصل إليهم..

‏فقال من يأتيني بالعرش ؟

‏فردّ عليه أحد كبار الجن وأعظمهم (العفريت) : ﴿ أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك ﴾؛ أي قبل أن ينتهي عملك اليوم..

‏فاستبطأ سليمان المدة فقال له أحد المستشارين وكان عبداً صالحاً زاهداً ؛ ﴿أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك﴾؛ أي بلحظات قليلة (دقائق معدودة)..

‏فدعا الرجل الصالح بدعوة قيل أنه استخدم فيها اسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب وهو ؛ ﴿ الحي القيوم ﴾ على أصح الأقوال..

‏ثم لما جاء العرش أمر سليمان بتغيير العرش قليلاً ، ﴿نكّروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لايهتدون﴾؛ فتلاعب الجن بالتصميم والألوان..

‏ثم أمرهم بجعله على قطع من الزجاج الأملس ؛ ﴿ صرحٌ ممرد من قوارير ﴾ ؛ فكان يبدو للرائي وكأنه يعوم فوق البحر من شدّة صفاء الزجاج..

‏فقال لها أهكذا هو عرشك ؟ فأجابت بذكاء كبير : ﴿ كأنه هو ﴾ ثم أمرها بدخوله فلما رأت الماء حسبته يتحرك داخل العرش فكشفت عن ساقيها كي لا تتبلل..

‏قيل في الإسرائيليات أن بعض الجن كَرِه خضوع بلقيس لسليمان فقالوا له أن ساقيها غيرا سويّتان وأن أمها جنّية ولذلك أمر ببناء الزجاج ليتبين له..

‏فلما رأت عظمة ملك سليمان وأنه ليس من عطايا البشر خضعت للحق وأسلمت لله رب العالمين ؛ ﴿ رب إني ظلمت نفسي وأسلمتُ مع سليمان لله رب العالمين ﴾..

‏كانت هذه قصة سليمان ﷺ مع الملكة بلقيس رحمها الله تعالى ، وصلى الله على نبينا محمد ﷺ.