تُعرف السينما في أوساط المثقفين بإنهاهي إعادة ترتيب الوعي للأفراد. ولكن ما حدث هو انعدام الوعي بسبب ما يعرض من أفلام تسئ للواقع، وتعرض ما يفسد الأخلاق.
وقد حققت السينما المصرية مالم يحققه أي فن أخر،ألا وهي“الإيهام بالواقع“. فقد ساهمت علي تسجيل الحركة في رفع درجة الثقة بالمصداقية للفيلم من خلال تصويرها لأحداث موجودة في الواقع بالفعل، وكذلك في قدرتها علي تثبيت أقدامها بين الفنون الأخري معتمدة علي الشبه بينها و بين الواقع.
ويُعد الوعي السياسي ضرورة حياتية في المجتمعات بشكل عام والمجتمع المصري بشكل خاص، خاصة في الفترة الأخيرة من تاريخ مصر الحديث و تعرضها لثورتين قامتا بتغيير كافة التوجهات والسياسات في الدولة. فهناك تاريخان لا ينسيان من ذاكرة السينما عام 1896 تاريخ أول عرض متحرك في محافظة الأسكندرية، 1900 تاريخ لافتتاح أول عرض سينمائي في مصر.ومن هنا بدأت ترتبط السينما بالطبقات الاجتماعية وحاول صناع السينما مخاطبة الجماهير عبر اليات مختلفة تستوعبها.
فلا تقل أهمية الفن في دوره عن أهمية دور الدين و العلم في المجتمع، لأن الفن هو وسيلة ناقله للخبرات الإنسانية مع تطورات المجتمعات. ومن خلال ما تمارسه السينما من تلاعب بالعقول من خلال سيطرة الصورة مع التقنيات الحديثة أصبح العالم قرية صغيرة. فالسينما أصبحت هدفًا ووسيلة لنقل الرسائل المختلفة إلي الجمهور والتأثير فيه
ولم تُعد السينما مجرد صور وأحداث ولكن هي تعتبرحقل واسع من الرسائل الضمنية التي تتمثل في الأشارات و الإيحاءات المختلفة، ويتجلي ذلك من خلال الدراسات المختلفة للباحثين والنقاد السينمائين في مجال الفن السابع الذين أصبحوا لم يكتفوا بنقد فقط الأفلام ولكن تطور الأمر إلي ان يتم تحليل ما أصبح يسمي باللغة السينمائية المتمثلة في الرموز والدلائل التي يوظفها المنتجون في أعمالهم سواء بالحوار أو الديكورات أو الموثرات الصوتية. فأصبحت السينما بذلك تنشر أفكار وقضايا متنوعة تتماشي مع طبيعة الأحداث التي أصبح المجتمع يتناولها في كافة الميادين محاولة بذلك توعية جماهيرها من خلال إعطاء صورة معينة للأحداث، أونشر إيدلوجية معينة، أوالدفاع عن الرمز معين.
حاولت السينما توصيل معاناة الشعب للرؤساء عن طريق الأفلام مثل فيلم هي فوضي، وتناولت الجانب السياسي في أفلام عديدة منها المشخصاتي ، الجزيرة، تتح.فقامت السينما بأدوار مختلفة للتأثير علي الوعي السياسي للأفراد في المجتمعات بصفة عامة والمجتمع المصري بصفة خاصة.
البعض يري أن ما تقوم به السينما في المجتمع من تغيير سياسي و اجتماعي ليس له حجم ثقافي و توعوي في التأثير. وأن ما تقوم به هو التأثير التراكمي؛ نظرًا لأن هناك نخبة منفصلة عن المجتمع،و لكن عندما تتوافرالثقافة الشعبية و الجماهيرية والسياسية وكذلك المناخ الملائم الذي سيحدث التغيير الذي نآمله سيرتقي المجتمع. فالثقافة دائمًا هي المحرك للأوضاع الخاطئة.
يعتبر الإبداع هو محاولة خلق جديد للواقع و بدونه يحدث أزمة في التفكير والوعي، ولكن المشكلة تكمن بالأساس في علاقة النخب السياسية والسينمائية بالمجتمع فهي علاقة محدودة؛ نظرًا لتباعد الرؤي و الأفكار فكلاهما ينظرإلي الواقع من منظوره الشخصي ويتغافل عن احتياجات المواطن، وبالتالي تأثير المثقفين في المجتمع لا يمكن عزلة عن الحياة السياسية والثقافية في المجتمع.
أحد النقاط الهامه التى يجب دراستها وملاحظتها هى الإنتاج،فالإنتاج يُعد الحجر الأساسي الذي تقوم عليه صناعة السينما، فالمنج هو ضمير الأمة،وأن الذي يسيطرعلى عملية الإنتاج هو الذي يحدد هوية السينما علي ما يجب أن تكون. لكن يجب أن نعتبر بأن عملية الإنتاج ليست عملية سهلة، بل هي محكومة بشبكة من العلاقات لا تقتصر علي المنتج فقط؛ فهي عملية تمرعبرآلات ومواد ومؤسسات حتي نصل إلي المرحلة النهاية وهي عرض الفيلم في السينما. مازالت قضية الإنتاج السينمائى فى مصرهى الازمة الأكبر لدى العاملين بهذه الصناعة. فى محاولة للسعى نحو تحقيق نهضة سينمائية، تليق بتاريخ مصر“هوليوود الشرق. كانت الساحة الفنية كانت حافلة بعدد كبير من شركات الإنتاج السينمائي قبل ثورة 25 يناير 2011، ومنها الشركة العربية للإنتاج والتوزيع برئاسة إسعاد يونس، والتي كان من نصيبها الكثير من إنتاج وتوزيع الأفلام منذ تأسيسها عام 2000.
تغير الوضع تمامًا بعد عام 2011، اختفت كل الكيانات الإنتاجية تقريبًا؛ ويرجع ذلك إلي أوضاع البلاد غير مستقرة والكل كان يخشى أن يغامر بأمواله في ظل عدم الاستقرار وتدني الحالة الاقتصادية، ولكن لم يتبقى إلا كيان واحد وهو“آل السبكي.
واختلفت الدراسات التى تناولت موضوع “الإنتاج السينمائى فى مصر”فمنها ما شابه بعض من القصور في تقييم الإداء الإنتاجي وعدم وضوح الرؤية عن دور السينما التوعوي. والبعض الأخرمن الدراسات جاءت للإهتمام بمتابعة الإنتاج السينمائى من حيث الكم. ولكن تاريخ السينما المصرية في الإنتاج له جهات مختلفة متمثلة فى القطاع العام (أى الإنتاج الذى قامت به الدولة)، أوالقطاع الخاص سواء كان شركات أو أفراداً، بالإضافة إلي أن هناك نوع أخر من الدراسات لا تهتم بالجانب التثقيفي و الفكري للعملية الإنتاجية
بعد ظهور القنوات الفضائية الخاصة هناك احتكار للكثير من الأفلام من خلال تحكم مالك القناة في قدرته علي شراء الأفلام التي يريد عرضها، وهذا انعكس سلبًا علي توزيع الأفلام وبيعها.
واختلفت الدراسات حول وظائف الفن فهناك من يرى أن الفن لا يمكن أن تكون وظيفته التسلية فقط، وهناك من يرى أنه لابد أن يكون له بعد سياسي وتعليمي وثقافي وغير ذلك. وهناك وجهة نظرتجمع بين الاثنين. فالفن يمكن أن يكون له رسالة هي السمو بالإنسان لكن أيضًا يمكن أن يكون فيه جانب من الترفيه والا يكون فنا متجهما
ولكن في أواخرالتسعينات ومع وصول الكاميرات الديجيتال إلي مصر، أصبح بعض خريجي معهد السينما يمتلكوها ثم بدءوا في إنتاج شكلًا مغايرًا بعيدًا عن الدولة و وزارة الثقافة وأنماط الإنتاج السينمائي التقليدية لصناعة السينما. ومن هنا بدأ مصطلح“السينما المستقلة” يظهر كشكل إنتاجي مغاير أكثر حرية. يحاول صانع الأفلام من خلاله أن يصنعوا أفلامًا بالشكل الذي يريدونه بعيدًا عن سيطرة الدولة وشكل الإنتاج والتوزيع التقليدي.
إن السينما المستقلة استفادت من المناخ السلطوي والقمع السياسي وقت الرئيس مبارك. فجهات التمويل والدعم كانت تعمل وفق رؤية مشابهة لرؤية المهرجانات الدولية الكبرى مثل (كان)، والتي عادة تحتفي بكل أشكال التعبير من دول العالم الثالث. هكذا تم الدعم من حيث الأشكال المختلفة في مسار السينما المستقلة، كما تم دعم ما يسمي “سينما الموبايل”،و ورش تعليمها”؛ مما أفسد تصورات البعض عن شكل السينما. ولك عزيزى القارىء أن تستشعر خطر التمويل الخارجى لصناعة السينما. وتطورالأمر وصولًا إلي بعد الثورة وأصبح هناك مظاهرات واحتجاجات واعتصامات وحفلات ونقاشات يرغب الجميع في توثيقها. ورغم أن كاميرات الموبايل وسيط ديمقراطي بالفعل لمن يملكها، لكن ما تنتجه لا يصنع سينما بالشكل المتعارف عليه.
تلعب السينما البديلة” المستقلة” دورًا كبيرًا في تشكيل الوعي الجماهيري والترويج غير المباشر للسياحة من خلال المحافل الدولية والمهرجانات السينمائية وكذلك ترويجًا للفن الشعبي والتراث الثقافي من خلال الأهتمام بتصوير المناطق الأثرية، وعرضها للجمهور داخل وخارج البلاد. مؤكدة ضرورة إفساح المجال أمام الشباب لعرض أفكارهم وإنتاج أعمالهم الأدبية والفنية ، وتخفيف القيود الرقابية.إن معظم الأعمال المستقلة تحظي في الفترة الأخيرة بالدعم من الخارج؛ نظرًا لقمتها.
تعمل السينما المستقلة بعيدُا عن الأعمال التجارية التي لا تهدف سوي تحقيق الربح من خلال المشاهد المبتذلة. وأن أهم ما يميز هذه الأفلام إنها تُنتج بدون الحاجة إلي دورعرض كبيرة، كما يمكن عرضها في المنازل. وأن الفترة الأخيرة من بعد عودة هذه السينما البديلة وتحقيقها المزيد من الرواج في تسويق الأفلام القصيرة الهادفة. وهذا يرجع إلي ما شاهدته صناعة السينما من المغالاه في الإنتاج وسيطرة السينما الربحية.
وختاماً فالسينما البديلة ليست بالسينما المتمردة وإنما هي تعد فكرة خارج الصندوق من أجل مواجهة احتكار صناعة السينما بعد الثورة. كما أنها لا تقدم عمل ضد الدولة.