قبل أيام قليلة كنت أسير عبر أحد طرق الرياض المعروفة بعدد وافر من الـ"يو تيرن" أو المديورات إن صحت التسمية ، أعتقد بأن مُصمِمُه كان في حالة إكتئاب عندما شرع في رسمه. فالمكتئب بعد كل مسافة يقطعها في حياته يعود للتفكير في الإنسحاب والعودة للخلف.
العودة لمسكنه للتكور في سريره وزم ركبتيه إلى صدره وكأنه مشتت للحد الذي يحاول جمع هذا الشتات النفسي بأطرافه لعلها تخفف عنه.
في هذا الطريق تسقط عليك المركبات عن يمينك عبر الطرقات الصغيرة التي تغذيه وعن شمالك من العائدين ب "يوتيرن" إلى حيث مقاصدهم غالباً وليس كما كان يفكر مصمم الطريق.
سائقو السيارات في الرياض لا ينضبطون إلا إذا وضعتهم داخل أنبوب مزدحم بالسيارات حتى تضمن انتظام سيرهم.
حينها وأنا أسير زارني شعور غريب لأول مرة أشعر به، شعور بأن سيارتي لن تنجو هذا اليوم من سيارة تصدم بي أو أصطدم بها، وهذا ما كان! ظهر أمامي جسم غريب فجأة على طريقي وفقدت القدرة عن الهروب منه لخانة آخرى لسببين لست أعرف أيهم أصح أو كلاهما صحيح.
إما لأن الطريق على جانبيّ ممتلئ بالسيارات ولا يمكنني الإنعطاف لأي اتجاه ولا يمكنني التوقف، أو لأني كنت في حالة توقع السوء بالتالي هذا التوقع جعل من تركيزي يتسامح مع فكرة الإصطدام ولم أقم بردة فعل لتجنب هذا الجسم.
الذي حصل لله الحمد بأن ما اصطدمت به كان قطعة كرتون كبيرة ولم تتأثر سيارتي ومرت بسلام. أزعم لماذا توقعت هذا السوء مسبقاً ، يبدو بأني كنت أمر بحالة اكتئاب محدودة تشبه ما توقعته سلفاً عن صديقنا المصمم.
الحياة عبارة عن لعبة قفز حواجز لا تنتهي، في الحالة الطبيعية نتجاوز بعضها ونصطدم بغيرها، وعندما نتوقع الأسوء تفقد عضلات قدمينا التحفيز الكافي لإنتاج قوة لمحاولة النجاح في تجاوز هذه الحواجز.
وتجعلنا شبه مستسلمين للسقوط، بل قد يجعلنا هذا في حالة تركيز لتنفيذ عملية الإصطدام بالحاجز وكأن عملية التوقع قرار نرتجيه وليس مجرد تشاؤم.
ومن نافلة القول علينا أن نكف عن الطلب من أحدهم على بأن يتوقف عن توقعاته أو ما يشعر ، فهل سمعت عن طبيب يقول لمريضه توقف عن الشعور بالصداع ؟ ناوله حبوب بنادول وكأس ماء أو اصمت!