مطر الحرية ومظلات العبودية ...
رحيم الخالدي
وصلت لأمريكا الشمالية أول جحافل العبيد الأفارقة عام ألف وستمائة وتسعة عشر، حيث جلبتهم السفن الهولندية وأوكل إليهم الخدمة القسرية، لقاء زاد عيشهم الذي لا يشبع تلك البطون، ثمن الأعمال الشاقة، والدولة الأولى في العالم من حيث الأعداد كانت أمريكا، وتأتي بعدها بريطانيا ثم كندا، وكان عدد قليل من العبيد الأفارقة قد جُلبوا كعبيد (ممتلكات شخصية) قسراً، بواسطة الأوروبيين إلى فرنسا الجديدة وأكاديا، وأخيراً إلى أمريكا الشمالية البريطانية .
ينقسم العبيد الذين يتم إعتقالهم وبيعهم بواسطة الحملات الى قسمين، الاول: عبيد الحقول وهؤلاء كثيرا ما يتم قتلهم أثناء الهروب لنيل الحرية، ناهيك عن التعذيب الجسدي الذي يتعرضون له، بواسطة مراقبي العمل الذين يتم تعيينهم من قبل الإقطاعيين، الذين لهم إتصال مع الحاكم بدوره يغض الطرف عن الإعتداءآت التي يتعرض لها هؤلاء، مقابل نسبة من محصول الحقول، التي تنتج معظمها القطن وقتذاك، ناهيك عن باقي المزروعات التي تنتجها تلك الحقول .
النوع الثاني: عبيد المنازل، وهؤلاء يعتبرون أنفسهم أعلى درجة من النوع الأول! وهم بالأصل يعتاشون على فضلات طعام سيدهم، وطالما يقفون سداً منيعاً ضد إخوتهم وأبناء جلدتهم من نيل الحرية، ويجندون أنفسهم مخبرين عمن يريد الهروب، ولطالما فشلت خطط جراء تلك الإخباريات، التي ساهمت بشكل كبير إيقاف تحرير السود، حينما تسنح فرصة التحرر من الإستعباد .
يمر العراق اليوم ومنذ بداية الحكم الديمقراطي، الى برنامج إنهاء وجود الدولة بمعناها الحقيقي، وهذا بفضل التدخل الإقليمي والدولي، وبالدرجة الأساس الإحتلال الأمريكي بالأموال الخليجية، دون التحرك الدبلوماسي من قبل الحكومة العراقية، وكأننا كيان محتل وليس دولة، وهذا البرنامج متواصل دون توقف، مع التدفق المالي للداخل العراقي، وما إستدامة التظاهرات التخريبية وليست المنتظمة، الا دليل واضح على مدى المخطط الذي يجب إيقافه .
حسب التصريحات السياسية تظهر النتائج بتنوع الولاءآت للكتل والأحزاب والشخوص لعديد من دول الجوار، ناهيك عن الذين يعتبرون أنفسهم علية القوم مع الجانب المحتل، مع إنتظام زياراتهم للسفارة الأمريكية، وباقي السفارات لقبض ثمن الخيانة، هذا سبب لنا التعطيل لكثير من المشاريع، التي لو أنشأت لتجاوزنا مراحل كثيرة من إحتياجنا لإستيراد كثير من المواد، التي تتدخل تدخل مباشر في كثير من الصناعات، بالأخير كلٌ قبض الثمن وبقينا نراوح وننتظر "ارادة السماء"
التظاهر حق كفله الدستور، وبه يتم تنبيه الحكومة وتوجيهها لمسارها الخاطئ، لكن وعلى مدار السنوات الفائتة، لم تُصحح تلك الحكومات أي من المسارات، التي خرج لأجلها المتظاهرون والمعترضون، لكن التظاهرات الأخيرة وما أن أحس الجانب الأمريكي، أن خروجهم من العراق بات قاب قوسين أو أدنى، تحركت وسائل الإعلام التي جندتها السفارة الأمريكية وإرادة الدول التي لا تريد للعراق خيراً، حيث الحملة الكبرى لمساندة التظاهرات، بيد أنها في التظاهرات السابقة كانت تلتزم الصمت، مع عدم ذكرها في نشرات الأخبار في قنواتها !.
مالم نتخلص من أدوات التعطيل، التي تقف حائلاً دون التقدم والتخلص من الهيمنة الأمريكية، لن تقوم للعراق قائمة، سيما أن الحكومة الحالية قد دخلت ببرنامج إفلاس العراق، ورهنه للبنك الدولي وخنقه بقروض طويلة الأمد، وهذا يأخذنا لجانب تفتيت المجتمع العراقي، وبه نحتاج لفرمتة الوضع، والخروج بنتائج تصب في مصلحة العراق أولا، والمواطن ثانيا من خلال تبديل الوجوه، التي صعدت بغفلة من الزمن بولاءات خارجية، من المفترض الوقوف بوجهها لتعديل البوصلة .
لم نرى من المتظاهرين بالوقت الحاضر شعار ينتقد الحكومة الحالية، وإغفال وتعمد بعدم المطالبة باستقالة هذه الحكومة، بيد أن بداية التظاهرات كانت المطالب الرئيسي إستقالة السيّد عبد المهدي حصراً، وهذا يشكل مفارقة، كون الحكومة الحالية لم تحقق مما طالبت به الجموع، التي خرجت في بداية تلك التظاهرات، وهذا يقودنا أن هنالك من يسيطر، ويوجه بما يراه مناسباً وحسب الموقف ومتطلباته، ولا نستبعد مشاركة الحكومة الحالية بتوجيه التظاهرات .
صحيح أن ثمن الحرية دماء ولكن ليس بهذا الشكل، والنتائج الظاهرة للعيان أن مسألة التخريب المتعمد، والإعتداء على القوات الأمنية، وحرق المقرات وإجبار المدراء العامين على الإستقالة تحت الضغط وغيرهم يعطينا نتيجة واحدة، بأن التظاهرات مخترقة من أوسع أبوابها ومن يديرها يعرف من أين تؤكل الكتف، والدماء ذهبت لصالح عبيد المنازل، الذين يكرهون الحرية والتحرر، لأنهم مطمئنين أن طعامهم باق، وسيدهم قادر بإشباع بطونهم، طالما بقي على سدة الحكم، ولو أمطرت الدنيا حرية لاستعملوا المظلات .