رحلتي في تنمية الهوايات

أحمد بابكر حمدان


ما هي هواياتك؟ أجاب الطالب بثانوية أمبدة النموذجية في الخرطوم نور الدين التجاني محمد قائلًا: أنا محب للتعلم والمعرفة، أهوى قراءة الشعر والكتب الثقافية، من هواياتي المهنية التصوير والإعلام، وأشارك كمقدم برامج في الإذاعة المدرسية. أميل إلى البيولوجي وأطمح إلى دراسة الطب البشري. أما أيمن حماد محمد، طالب الصف الثاني في مدينة شرق النيل بالخرطوم أيضًا فقد قال: أهتم بهواياتي وقد أصبحت أكثر تركيزًا في ممارسة هواية الإعلام، وأحفز أشقائي على الاهتمام بهواياتهم أيضًا. أما ثالث من استطلعتهم في العاصمة فقد كان علال عبد الله هنو طالب الصف الأول في مدرسة تاج الحافظين بمنطقة الكباشي شمالي الخرطوم: تغيرت نظرتي لهواية الكتابة، وبدأت أحس بأنني كاتب فعلًا. كانت هواية الإعلام قاسمًا مشتركًا بين نور الدين وأيمن وعلال،  فهل ستستمر إجابات طلابنا على نفس المنوال؟ في مدينة الفولة وسط البلاد استطلعت عددًا من طلابها عبر فيسبوك، وقال علي صالح مضوي الطالب في المدرسة الثانوية الأميرية وعضو جمعية الهلال الأحمر بالمدينة: من هواياتي الإسعافات الأولية والتدريب وهي هوايات تطوعية، ومن هواياتي الرياضية كرة القدم. عدت إلى مضوي بسؤال آخر عن تصنيفه للهوايات، وهل ثمة أصنافا أخرى إلى جانب التطوعية والرياضية؟ فأجابني بهدوء: قبل حصولي على دورات الهلال الأحمر، حضرت دورة في المواهب والهوايات، تعرفت خلالها على تنصيف الهوايات وأقسامها الأربعة، المعرفية والرياضية والعملية والتطوعية.


- بداية الرحلة:

كان اهتمامي بالأنشطة المدرسية بداية الرحلة، وقد عزز عملي في الصحافة ذلك الاهتمام، حيث أجريت استطلاعات وندوات صحفية، من بينها الاستطلاع السابق عن "هوايات طلاب الثانوية".


- برنامج اكتشاف الهوايات:

في أواخر عام 2015م، بدأت برنامجا تعليميا لاكتشاف هوايات الطلاب، مستخدما استمارة خاصة، قمت بتصميمها تلبية لحاجة البرنامج.. وكانت الفكرة حينها: أن الطالب بحاجة إلى إعداد سيرة ذاتية متضمنة مواهبه وهواياته؛ بغرض تتبع أنشطته وتطورها خلال فترة دراسته الجامعية.. وكانت الاستمارة الجديدة، مساعدة للطالب في إعداد السيرة الذاتية المقصودة. أطلقت على الاستمارة اسم: نموذج أحمد حمدان للسيرة الذاتية للطالب، وأصبح اختصارها الجاري: نموذج ASC أخذا بالأحرف الأولى من الاسم الإنجليزي: AHMED HAMDAN STUDENT CV FORM ليستقبل مجتمع التعليم، أداة ووسيلة تعليمية مساعدة، وتطبيقا جديدا لاكتشاف هوايات الطلاب. وكان نموذج آسك أحدث محطاتي في رحلة الاهتمام بتنمية هوايات الطلاب، وقد سبقته عدة مقترحات وتصورات قدمتها في فترات ومؤسسات متعددة. 


خلال فترة عملي بالمدارس في العاصمة الخرطوم وخارجها (2004 - 2012)، كنت مهتمًا بما يعزز الأنشطة الأكاديمية للطلاب في محيطي الصغير، فكتبت برنامج «إسناد» في صورة مقترح لمساعدة الطالب أكاديميًا، ثم أتبعته بـ«إشراف» وهو مقترح أقل التصاقًا بالتدريس، وأقرب إلى التوجيه والإشراف حسب اسمه. وكتبت تصورًا ثالثًا أطلقت عليه «إبحار» وهو أكثر ابتعادًا عن النبض الأكاديمي، وكان الغرض منه توجيه الطلاب ثقافيًا، والإشراف على أنشطتهم المعرفية وتعزيزها، مما تطلب إعداد ملاحق للتصور الأساسي تتضمن قوائم وأدلة معرفية للمواد والوجبات المعرفية، بمختلف قوالبها. كان «إبحار» مشروعًا أكثر منه برنامجًا مدرسيًا بسيطًا، وقد ساهمت فكرة المشروع رغم عدم اكتماله، في إنتاج «نموذج ASC» وهو أكثر احترافية في التواصل مع مواهب الطلاب وميولاتهم. وقد كان احتياجي لأدوات مساعدة في اكتشاف هوايات الطلاب وميولاتهم، أهم دافع لابتكار “نموذج ASC”.. ولعل أفضل ما يمكنني إطلاقه في وصف النموذج أنه (أداة) أردت بإنتاجها تلبية حاجة آنية في حينها، ولا تخفى أهمية الأدوات والوسائل المساعدة في عملية التعليم والتعلم. وعادة ما تفتقر الادوات إلى مستخدمين ومستفيدين. إن ASC في أبسط توصيف “عبارة عن منتج للمعلمين والمدربين والمربين، لمصلحة التلاميذ والطلاب ورصفائهم من المتدربين”.


قدمت استمارة ASC في بادئ الأمر، لتدريب طلبة الجامعات على إعداد سيرة ذاتية خاصة بالطالب student cv متضمنة (المواهب والهوايات والطموحات المهنية) تشجع على الاجتهاد في الدراسة، ومتابعة النمو الشخصي، وتسهم في تصحيح المسار الدراسي مبكرا. لم تكن الاستمارة ناضجة حينها، لكن اجتهاد المستخدمين ومساندتهم للفكرة، ساعدني كثيرا في تطويرها وتحسينها باستمرار ولثلاثة أشهر متتالية. خلال الفترة المذكورة كنت أقدم فكرة النموذج للمهتمين؛ للحصول "تغذية راجعة" أفادتني كثيرا في إنضاجه وتعميق فكرته بدرجة أكبر.. وكان على نموذجي التعليمي أن يقوم بمهمتين معا.. الاولى أن يجيب على سؤال: هل كنت موفقا حين اخترت المساق التجاري في المرحلة الثانوية عام 1995؟ والثانية ان يعمل على تصحيح المفاهيم الخاطئة من قبيل: "ليس للمتفوق إلا أن يصبح طبيبا" وهي واحدة من الأفكار السائدة في مجتمعاتنا (أن الطلاب المتفوقين دراسيا يفترض أن يصبحوا أطباء أو مهندسين.. أما مجالات المحاسبة والقانون فهي للأقل ذكاء.. والمجالات الصناعية لمن هم في ذيل القائمة).. وعادة ما نجد مبررات للافكار الاجتماعية في حينها ونطاقها المحدد لكنها كثيرا ما تكون مدمرة ومعطلة لكثير ممن هم تحت تاثيرها.. وفكرة اخرى خاطئة وذات صلة بما سبق وهي عدم التفريق بين الموهبة والتفوق الدراسي واعتبار المتفوق هو فقط الموهوب أما الأقل درجات والراسبون فلا حظ لهم في الموهبة. وللأسف، فإن هذه الأفكار الخاطئة، راسخة حتى في مجتمعات المعلمين فضلا عن وسائل الاعلام والجهات الاجتماعية ذات الصلة.


في أول تجربة ميدانية بالمدارس، قدمت نموذج ASC كوسيلة لاكتشاف مواهب الطلاب وهواياتهم؛ آملا التقاطا أسرع للاداة الجديدة في ساحة التعليم، وتوظيفا أكثر فاعلية من زملاء المهنة والميدان.. إلا ان التخوف "الطبيعي" حيال الافكار الجديدة، كان ذا تأثير كبير في تحجيم التجربة وتعطيل انطلاقها وتطورها بوتيرة سريعة. وخلال نفس الفترة، شرعت في إعداد دليل للمستخدم.. لم يكن الدليل المرشد كبيرا في بادئ الأمر.. حيث تضمن حينها فكرة النموذج ومميزاته ودوافع تطويره كأداة لاكتشاف مواهب الطلاب وهواياتهم وطموحاتهم المهنية.. إضافة إلى طريقة مقترحة لشرح فكرة النموذج ومصطلحاته للطلاب.


إن ارتباط وثيقة “السيرة الذاتية” بطلبات الوظائف، ليس مبررا كافيا لحجرها في ذات الغرض دائما، وعادة ما تتجاوز الأدوات استخداماتها الأولية المفترضة، إلى أخرى قد تكون بعيدة حتى عن “اسم الأداة” وصورتها المعتادة، كما هو الحال بالنسبة للهاتف الجوال، فقد بدأ “أداة” للاتصال الصوتي، لكنه اليوم مدين للإنسان المعاصر بكثير من نجاحاته، بعد أن أصبح “أداة” لها أكثر من عشرة استخدامات متباينة؛ فمن المراسلة النصية والتسجيل والتصوير إلى عمليات التصميم والسداد وتحويل الأموال، تجده حاضرًا في جميع تفاصيل حياتنا.


– عوائق وصعوبات:

وكان من أكثر ما واجهني عند ابتكاري لنموذج خاص لسيرة الطالب، عوائق اجتماعية مرتبطة بكون “السيرة الذاتية” لا علاقة لها بالطلاب، وأنها مرتبطة بطلب الوظائف. إضافة إلى صعوبات تقنية أخرى مرتبطة بطبيعة “ميدان التعليم” وكلاسيكيته المفرطة، فضلا عن البيروقراطية القاتلة في العمل الحكومي، والصبغة التجارية الفجة للتعليم الخاص، و”دكاكين التنمية البشرية”.


– مبررات ومميزات:

في تقديمي لفكرة نموذج “سيرة ذاتية للطالب” student CV، عملت على الدفع بمبررات عديدة، علها تكسر حائط الجليد بين فكرتين، إحداهما عتيقة متخشبة، وأخرى حديثة مرنة، ومستوعبة للسابقة، ومكملة لها. وقد أوردت في كراسة مستخدم النموذج دوافع ابتكاره، وسلة مميزات:

(1) دوافع ابتكار نموذج ASC:

1- حاجة الطالب إلى التفريق بين المواهب والهوايات.

2- حاجة الطالب إلى المساعدة في اختيار الأنشطة المناسبة لقدراته وميوله.

3- حاجة الطالب إلى المساعدة في تنمية قدراته وأنشطته.

4- حاجة الطالب إلى اكتشاف العلاقات بين هواياته وطموحاته المهنية.

5- عدم توفر أدوات جيدة لتنمية قدرات الطلاب واكتشاف مواهبهم وميولهم.

6- عدم توفر أدوات جيدة لمساعدة الطلاب في التخطيط المعرفي والمهني.

7- عدم توفر أدوات لتوجيه الطلاب دراسيا ومنشطيا.


(2) مميزات نموذج ASC:

1- يساعد الطالب في اكتشاف مواهبه (قدراته) وهواياته (أنشطته المفضلة) وطموحاته المهنية.

2- يساعده في تقييم شخصيته في جوانب (المواهب، الهوايات، والطموحات).

3- يساعده في معرفة العلاقات والارتباطات بين مواهبه وهواياته واختياراته المهنية والاجتماعية اللاحقة.


– محتوى واستخدامات:

بعد الاطلاع على دوافع تصميم النموذج، تبدو محتوياته أكثر وضوحا، إذ يحتوى على ثلاثة عناصر فقط، تمثل “حزمة واحدة” لتحقيق أهدافه كأداة ذات فاعلية، وتأكيد مبررات تقديمه لمجتمع التعليم. وتعبر عناصره عن أهم ما يحتاجه المعلم من معلومات لتصميم برامج تعليمية مؤثرة.

(1) عناصر نموذج ASC:

– المواهب abilities وهي الملكات وقدرات ما قبل التعلم، ويصنفها النموذج إلى (ذهنية وبدنية ونفسية).

– الهوايات hobbies وهي الأنشطة المفضلة، ويصنفها إلى (معرفية ورياضية وعملية وتطوعية).

– الطموحات aspirations وهي التطلعات المستقبلية، ويصنفها إلى (مهنية واجتماعية ومعرفية).


(2) استخدامات نموذج ASC:

عادة ما ترتبط فاعلية الأدوات بالمستخدم من حيث استيعابه للفكرة ومهارته في توظيفها، وبطبيعة الاستخدام، إلى جانب جودة الأداة نفسها وملاءمتها للاستخدام المعني. في كراسة مستخدم النموذج قدمت عدة استخدامات مفترضة، تتنوع ما بين شخصية وتربوية:

1- اكتشاف المواهب والميول والطموحات.

2- التخطيط لتطوير الأنشطة.

3- تحديد الطموحات بناء على الهوايات.

4- التوجيه الدراسي والمنشطي.

5- إعداد البحوث التربوية.

6- إنشاء قواعد بيانات تربوية.

7- تقويم البرامج التدريبية.


- وسائل تعليمية مساعدة:

بحسب مشاركين في دورات نموذج "ASC" فإن قيمة النموذج لا تتوقف عند اختراقاته على مستوى المفاهيم ذات الصلة بالمواهب والهوايات، بل تتعداها إلى جانب الوسائل التعليمية المساعدة.. حيث يقدم دليل مستخدم اسك، حزمة ادوات متنوعة من شأنها مساعدة المعلم في شرح الفكرة وجذب الطلاب ومساعدتهم في استيعاب فكرة النموذج. وتكتسب الوسائل التعليمية أهمية كبيرة في تعزيز قدرة المعلم على نقل الأفكار والتدريب التطبيقي.. وتعمل في نفس الوقت على تيسير التعلم وتشجيع الطلاب على التحصيل والتلقي. وتعمل الوسائل المساعدة على توظيف أكبر لحواس المتعلم ومغازلة ميوله للعب والتجريب والتحدي والاكتشاف.. وقد حاولت عند تصميم وسائل آسك وأدواته المساعدة، مراعاة اتصافها بالجدة والتنوع وإثارة شغف المتعلم، وقدرتها على تحقيق أكبر قدر ممكن من الإشباع والمتعة:

- أولا: لوحات آسك:

لوحات متباينة الأحجام لاستخدامها وسائل توضيحية في دورات النموذج.. وتتضمن اللوحات مصطلحات آسك، ومميزاته ودوافع تطويره، ومستخدمي النموذج واستخداماته.. فضلا عن لوحات خاصة بالنموذج نفسه بكل من العربية والإنجليزية والتركية والفرنسية.. ويستفاد من لوحات آسك في المعارض التعليمية وأي أنشطة أخرى ذات صلة.

- ثانيا: حكايات آسك:

سلسلة حكايات قصيرة مساعدة للمعلم في استيعاب فكرة آسك وشرحها، حيث استهدفت بعض الحكايات المعلم نفسه مقدمة له محاكاة لطريقة عرض النموذج وشرحه للطلاب.. بينما تم تخصيص حكايات أخرى للطلاب. تشرح الحكايات جوانب من استخدامات آسك. في حكاية "عطلة رائعة" يجري حوار بين تلاميذ حول العطلة المدرسية، واقتراح أحدهم استخدام نموذج آسك بغرض التخطيط لأنشطتهم خلال الصيف. ويمكن للمعلم توظيف الحكايات في أنشطة القراءة والمسرح أيضا.

- ثالثا: لعب آسك:

في سلة الوسائل المساعدة، مجموعة لعب مساعدة في تحبيب فكرة النموذج وتيسير استيعابها.. وتضمنت اللعب: لعبة الجوال، ولعبة آسك الناطقة، وسيارة آسك، ولعبة المكعبات.


برز نموذج ASC كأداة جديدة في حقل التعليم، وكان استجابة لحاجة فعلية لزملاء المهنة والطلاب في نفس الوقت. إن احتياج المعلم/ المدرب والطالب كليهما لوسيلة سهلة الاستخدام، كان دافعا أساسيا لابتكار النموذج، والدفع به إلى مجتمع التعليم؛ لاختباره وتقييمه، وتوظيفه في المساحات التربوية المتاحة.. وأطمح لأن يصبح نموذج ASC أداة قادرة على التناغم مع مختلف الاستخدامات التربوية، تتيح مزيدًا من المساحات لاستخدامات جديدة وباستمرار.

-----------------

* معلم سوداني