نحو مفهوم جديد للهوايات
احمد بابكر حمدان
معلم سوداني مختص في تنمية الهوايات
- مقدمة:
إن عدم توفر بيئات جيدة لممارسة الهوايات، ليس العائق الوحيد أمام طلاب المدارس والجامعات للاهتمام بهواياتهم وتنميتها. ويعاني الشباب والناشئة من مشكلة أعمق تتمثل في عدم توفر مفهوم سهل وواضح للهواية نفسها بمستوى يحفزهم على الاهتمام بها وتعزيزها حال توفر ما تتطلبه من أدوات. في هذه الورقة محاولة لتقديم مفهوم فعال للهوايات، وتحتوي على تعريف المفهوم الشائع وخصائصه، وأهمية تقديم مفهوم جديد، إضافة إلى المفهوم الجديد وخصائصه واستخداماته.
- ما معنى "مفهوم"؟
في موقع التربية للجميع: "المفهوم حسب قاموس الفرنسية لاروس هو تصوّر فكرة لشيء موضوع من طرف العقل، وهو أيضا تعريف للخصائص والميزات الخاصة. وفي اللغة العربية المفهوم وجمعه مفاهيم يعني المعنى والمدلول". أما اصطلاحا: فالتعريفات التي وضعت لمصطلح المفهوم عديدة إذ يقدّم معجم المصطلحات التربوية المُعرّفة تعريفا للمفهوم على أنّه عبارة عن تجريد يُعبّر عنه بكلمة أو رمز، يشير إلى مجموعة من الأشياء أو الأنواع التي تتميز بسمات وخصائص مشتركة، أو هي مجموعة من الأشياء أو الأنواع التي تجمعها فئات معينة". في حين يشرح معجم المصطلحات التربوية والنفسية، المفهوم بأنّه "تكوين عقلي ينشأ عن تجريد خاصية أو أكثر من حالات جزئية (أمثلة) متعدّدة، يتوافر في كل منها هذه الخاصية حيث تنعزل الخاصية مما يحيط بها، فأي من هذه الحالات تُعطى اسما أو مصطلحا" (1).
- المفهوم الشائع للهوايات:
أوردت موسوعة ويكيبيديا: الهواية هي نشاط منتظم أو اهتمام يمارس في الغالب خلال أوقات الفراغ بقصد المتعة أو الراحة. وهي تشمل هوايات الجمع والفنون حيث تؤدي إلى اكتساب مهارات ومعرفة كبيرة ولا يقصد بها تحقيق الأجر وإنما المتعة (2).
وفي موقع "موضوع": "الهواية هي إبداء الاهتمام والميول لنشاطٍ معيّنٍ بهدف الاستمتاع وقضاء وقتٍ جميلٍ أثناء وقت الفراغ وممارسة أفعالٍ محببةٍ للنفس، أو بمعنىً آخر هي التوجّه بكامل الانتباه إلى ما يهوى الفرد في أوقات فراغه، بشكلٍ يحسّن من نفسيّته وحياته ومشاعره، وتستلزم من صاحبها حسب نوعها إمّا مهارات عقلية مثل حل المسائل الرياضيّة، أو لعبة السودوكو اليابانيّة على سبيل المثال، أو عضليّة وحركيّة مثل: القفز والجري، والمشي، وغيرها، وتتنوّع الهوايات بين القراءة بما تشمله من قراءة الكتب والروايات والكتابة مثل: الشعر، والنثر، والسباحة والخياطة، والسفر، وكرة القدم، والسلة، وجمع الطوابع والعملات القديمة، .... وتسلّق الجبال، وغيرها الكثير، ولا يكون الهدف منها العائد الماديّ بالدرجة الأولى، فيفعلها الإنسان إشباعاً لرغباتٍ خاصةٍ، وفي أحيانَ معيّنةٍ تدرّ عليه عائداً يفيده في حياته إن امتلك الموهبة والإبداع، الذي يشكّل حاجة بالنسبة لغيره من الناس، وبذلك يفيد نفسه ويفيد مجتمعه، فيصبح فرداً فاعلاً نشيطاً، كما أنّه ينال إعجاب من حوله" (3).
- خصائص المفهوم الشائع للهوايات:
1- الهوايات أنشطة ترفيهية غير جادة.
2- تمارس في أوقات الفراغ بغرض الترويح عن النفس وكسر الروتين وتخفيف ضغوط العمل.
3- الخلط بين مفاهيم (الهوايات، المواهب، المهارة، الإبداع، ...).
وتعد إشكالية الخلط بين المفاهيم، من أبرز خصائص المفهوم الشائع للهوايات. وينتج عن الخلط المفاهيمي، تشويش بالغ في رؤى الناشئة، ومن ثم في اهتمامهم وتفاعلهم مع المفردات نفسها؛ إذ إن وضوح الفكرة أهم محفز، وأفضل دافع للتفاعل معها وتبنيها.
- أهمية تقديم مفهوم جديد:
إن عدم اهتمام الطلاب بهواياتهم، غالبا ما يعود الى غياب مفهوم واضح، وبالتالي عدم امتلاكهم فكرة صحيحة وجيدة وفعالة عن الهوايات نفسها.. ومن الطبيعي ألا يهتم الشخص بما لا يدركه بشكل جيد. وهذا ما يدفع الباحث لتقديم مفهوم جديد للهوايات، ليس ذلك فحسب، بل شيوع مفهوم مشوه، ما زال يسهم بقدر كبير في شل قدرة الطلاب على بناء رؤية واضحة للعلاقة بين مختلف أنشطتهم الدراسية وغير الدراسية، مما يحد من قدرتهم في توظيف ملكاتهم وميولهم.
- مفهوم جديد للهوايات:
إن درجة ارتباطنا بمختلف الأنشطة اقترابًا أو ابتعادًا، حبًا أو كراهية.. تساعدنا كثيرًا في الوصول إلى مفهوم سهل وفعال للهوايات. وممارستنا للأنشطة، لا تنفك عن وصفين اثنين غالبًا؛ حيث يمكننا وبكل سهولة تقسيم ما نقوم به من نشاطات إلى:
1- أنشطة نمارسها بدوافع ذاتية ورغبة حقيقية نابعة منا دون اضطرار أو إجبار من طرف آخر، بغض النظر عن أهمية تلك الأنشطة أو ضرورتها أو درجة حاجتنا إليها.
2- أنشطة نمارسها دون رغبة منا وبدوافع غير ذاتية، وتمثل حاجتنا أو اضطرارنا أبرز دوافع قيامنا بها، وقد يكون ذلك بإجبار وإكراه وإن كان إكراها اجتماعيًا كحالات العادات والتقاليد.
ويرى الباحث أن الهوايات هي "الأنشطة المفضلة للشخص، سواء كانت ترفيهية أو جادة، وتصنف إلى أربعة أقسام هي المعرفة والتعلم، الرياضة والترفيه، العمل والإنتاج، التطوع والخدمات الاجتماعية، وعادة ما يمارس الأشخاص أنشطتهم المفضلة بغرض إشباع احتياجات نفسية". ومن أشهر الاحتياجات النفسية، نظرية الاحتياجات الإنسانية الستة لأنتوني روبنز(4).
- خصائص المفهوم الجديد للهوايات:
1- الهوايات عبارة عن "أنشطة" مفضلة لدى الشخص.
2- تعبر الهواية عن درجة ارتباط نفسي بين الشخص والنشاط.
3- الهوايات ليست مجرد أنشطة ترفيهية فقط.
4- الهوايات ليست مرتبطة بأوقات الفراغ فقط.
5- تصنف الهوايات إلى أربعة أنواع (المعرفة والتعلم، الرياضة والترفيه، العمل والإنتاج، التطوع والخدمات الاجتماعية).
6- تشبع الهوايات احتياجات نفسية "اليقين، التنوع، التواصل، الأهمية، النمو، والمساهمة".
- تصنيف الهوايات حسب المفهوم الجديد:
ويرى الباحث أن تصنف الهوايات حسب المفهوم الجديد، إلى أربعة أصناف:
- أولًا: المعرفة، في صدر الأنشطة المفضلة. وتمثل أول أقسام الهوايات.. وينتج الارتباط بين الهواية والمعرفة ما يمكن أن نطلق عليه الهوايات المعرفية، وتشمل، جميع الأنشطة المعرفية المفضلة، بمختلف قولبها وانماطها.
- ثانيًا: الرياضة، وتأتي تالية للمعرفة، وتشمل جميع الأنشطة الرياضية والترفيهية المفضلة، بما فيها المشي والركض وركوب الخيل والدراجات ومختلف الألعاب.
- ثالثًا: العمل: وتأتي الهوايات العملية/ المهنية ثالثة في الترتيب بعد المعرفة والرياضة، وتشمل جميع ما نهواه من أنشطة مهنية وإنتاجية.. ولعل قسم العمل من أهم ما يميز المفهوم الجديد للهوايات، من حيث توسيع مفهوم الهواية من مجرد الترفية والتسلية لتشمل الأعمال الجادة أيضًا. إن العمل امتداد طبيعي للمعرفة ومرحلة من مراحلها. وإذا كان العمل معرفة، فإن الرياضة نفسها عمل، وقد تكون مرهقة بدنيًا ونفسيًا.
- رابعًا: التطوع، يمثل القسم الرابع في تصنيف الهوايات، أبرز حلقات الوصل ما بين الأنشطة والرغبات؛ إذ إن التطوع لا يمارس إلا برغبة بخلاف الأنشطة الثلاثة السابقة، بما فيها الرياضة نفسها وإن كانت ترفيهية في معظم الأحوال، إلا أن اللاعب قد يقاد إليها مجبرًا لا بطلًا.. ويرتبط التطوع بقسم الهوايات العملية، بوصفه عملا، وإن كان ثمة تباينًا ففي الدوافع والمقابل المادي.
- توظيف المفهوم الجديد للهوايات:
وقد قام الباحث بتوظيف المفهوم الجديد للهوايات، في ابتكار نموذج ASC كأداة معنية باكتشاف هوايات الطلاب. فيما يلي تعريف موجز بالنموذج:
نموذج آسك أو ASC form تقنية وأسلوب جديد للتعرف على هوايات الطلاب وما يرتبط بها من مواهب وطموحات. والنموذج عبارة عن استمارة من “صفحة واحدة فقط” تتضمن ثلاثة عناصر رئيسة هي: المواهب والهوايات والطموحات، ويقسم كل عنصر رئيس إلى أقسام محددة، ومن ذلك تصنيف المواهب إلى “ذهنية وبدنية ونفسية”، وتصنيف الهوايات إلى “معرفية ورياضية وعملية وتطوعية”، وأخيرا تصنيف الطموحات إلى “معرفية ومهنية واجتماعية”.
تقوم فكرة آسك ASC form على مفاهيم دقيقة وأكثر تحديدا لمفردات الموهبة والهواية، بمستوى يمنح مستخدم النموذج طريقة سهلة وحاسمة للتفريق بينهما من الناحية النظرية، وتجنب ما يترتب على الخلط المفاهيمي من اضطراب في نواحي التطبيق والممارسة. حسب المفهوم الجديد للهوايات، فإن للمواهب معنى آخر: “ملكات وقدرات ما قبل التعلم”، أما الهوايات فهي أنشطة تتطلب سلة “قدرات” لممارستها. بما يقدمه النموذج من مفاهيم وما يكشفه من علاقات بين عناصره الثلاثة، تتكشف للمستخدم خيوطا مهمة للربط بين قدراته وأنشطته، وتفهم ميوله المهنية والاجتماعية والمعرفية (5).
- خاتمة:
يرى الباحث أنّ المفهوم الشائع للهوايات، مشوه وغير فعال، مما يحتم الانتقال إلى مفهوم جديد، أكثر وضوحا وشمولا وفاعلية. ويرى الباحث أن الهوايات هي جميع الأنشطة المفضلة للشخص، وتصنف إلى أربعة أقسام شاملة لمجمل الأنشطة، وتمارس بغرض إشباع احتياجات نفسية، وليست أنشطة ترفيهية مرتبطة بأوقات الفراغ فقط، وقد قام الباحث بتوظيف المفهوم الجديد للهوايات في ابتكار نموذج ASC كأداة لاكتشاف هوايات الطلاب، تمهيدا لوضع برامج لتعزيز هواياتهم وتنميتها.
----------------------------------------
- مراجع:
1- من مقالة بعنوان (تعلم وتعليم المفاهيم) موقع التربية للجميع، على الرابط: https://educapsy.com/etudes/apprentisage-enseignement-concept-150
2- تعريف (هواية)، موسوعة ويكيبيديا، على الرابط: https://ar.m.wikipedia.org/wiki/%D9%87%D9%88%D8%A7%D9%8A%D8%A9
3- من مقالة بعنوان (أنواع الهوايات) موقع موضوع، على الرابط: https://mawdoo3.com/%D8%A3%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%B9_%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%88%D8%A7%D9%8A%D8%A7%D8%AA
4- انتوني روبنز متحدث تحفيزي أمريكي، صاحب نظرية الاحتياجات الإنسانية الست Human needs
5- من مقالة للباحث بعنوان (ماذا تعرف عن نموذج ASC مكتشف هوايات الطلاب؟) المجلة الثقافية الجزائرية، على الرابط: https://thakafamag.com/?p=42054