واقعية العالم الإفتراضي ..

لا شك أن الثورة المعلوماتية والتكنولوجية والتي هي أحدى ثمار العولمة ونتائجها ، إستطاعت وبسرعة بالغة أن تُسهم في تشكل الوجه الجديد للعالم أجمع ، وأن تكون عنصراً فاعلاً في إعادة تحديد إختيارات المجتمعات وتوجهاتها سواءاً أفراداً كانوا أو ومؤسسات . 


مواقع التواصل الإجتماعي والتي أصبحت جزءاً لا يتجزأ  من يوميات أي شخص ، تمكنت من إحتلال المساحة الأكبر والأوفر من أوقاتنا وإهتماماتنا ، بل وتجاوزت ذلك لتكون جزءاً هاماً في تسيير أعمال البعض ومصادر لكسبهم أيضاً . 

ولكن ماذا عن أخلاقيات واقعٍ إفتراضي يمثل الفضاء الأوسع العابر للجغرافيا والمتجاوز للأيديولوجيا والجامع لكل طبقات وفئات الكتلة البشرية على كوكب الأرض ؟!؟

حيث لا قيم ثابتة ،ولا قانوناً ضابطاً ،ولا معياراً يُحدد كيفية ونوعية المحتوى الإليكتروني الواسع إلا في نطاقاتٍ ضيقةٍ وضيقةٍ جداً ..


ففي الوقت الذي يُفترض فيه أن يُوظف هذا الكم من الزخم المعلوماتي لخدمة البشرية وإيجاد فرصاً أعظم للتقارب بين الشعوب وتجاوز مخلفات التناحر الطبقي والتباين الإجتماعي والفقر والمجاعات والحروب والنزاعات العرقية والطائفية وتصنيفات المجتمعات لعوالم متعددة وغيرها من سلبيات ومآسي العالم الواقعي لشعوب الأرض - جاء العالم الإفتراضي ليستنسخ صورة طبق الأصل للنمط السابق بل وقد تكون أكثر سلبيةً منه..


ففي فضاءٍ مليٍء بالإختلافات الفكرية والثقافية والطائفية وغيرها ..تبرز ظاهرة التعصب الفكري والإنحياز الكامل للفكرة ومناهضة أي فكرٍ مُخالف وإقصائه بل وعدم التواني في كيل التهم والتحقير والسب والشتم للمخالف لمجرد الإختلاف لا أكثر ، ومع إتاحة الفرصة أمام الكثيرين لإرتداء أقنعة عده ، وممارسة النفاق والتزييف ببراعة عاليه ؛ تظهر بطولات وهمية خلف اللوح الإليكتروني قد تجعل من مراهقٍ لمريبلغ الرُشدأن  يبدو بمظهر المثقف المخضرم ، أو أن تصنع من أحمقٍ فكرياً ؛ مشهوراً يُمثل القدوة للآلاف وربما الملايين من المتابعين ليتحكم لاحقاً بذائقتهم الخاصه   ويجعل منهم أرقاماً لا تحمل أي قيمة سوى التقليد الأعمى والإنبهار اللحظي بيومياته الخادعه . 

علينا أن نعي جميعاً أننا نحن من نملك القدرة فقط على تحديد خيارتنا من بين الكثير من الخيارات المتاحه ، ونحن فقط من بأيدينا أن نحدد قدوتنا ، ونحن فقط من علينا صناعة المحتوى الذي يليق بنا ..يجب أن نتوقف عن أن نكون مجرد أيوقنات متحركه حتى بتنا نمارس مشاعرنا وافكارنا وجُلّ كينونتنا الإنسانية عن طريق زر الإعجاب أو عدم الإعجاب أو زر التفاعل أياً كانت وظيفتة ..

علينا أن نوازن جيداً بين عوالمنا الواقعية والإفتراضيه حتى لا نضيع بينهما ، ونفقد هويتنا الخاصه ، ونصبح مجرد نُسخاً مكررةً بلا أدنى قيمة أو هدف ،علينا أن لا نُقزم عقولنا ونختزلها لتصبح بمساحة شاشةٍ إلكترونيه قابلة للكسر أو الإستبدال في أية لحظه ...