لاشكّ في أنَّ الشعريَّة المتألقة هي إيقاع روحاني شعوريّ داخلي عميق قبل أن يكون إيقاعاً خارجياً، وما من شاعرٍ متألق إلاَّ لتألقه حركة جوانيّة دائبة، مزدحمة بالرؤى، والمشاعر، والمتراكمات النفسية، التي تنتج شعريَّة منفتحة، تمتدُّ كامتداد الأفق، وتتسع كاتساع الحياة، والخلق، والكون، تدفع بجسارتها بعيداً في ميدان التأمل، والتفكر.

أستطاع الدكتور الفلسطيني عاطف سلامة أن يمزج بين المسرح والكاريكاتير ويقول إنهما وجهان لأزمة واحدة. أفاد الدكتور سلامة: "الكتابة الإبداعية واكبت رسمى للكاريكاتير، وربما سبقتها قليلاً، وأوضح: "توجّهي للمسرح كان غير مقصود، وكان لا بد من كتابة الواقع بأسلوب ساخر أحياناً، ومبكٍ أحياناً أخرى".فالمسرح لا يعني أن نضحك كما هو السائد، ولكن هو فن ينقل متناقضات الحياة كلها في مربع زمني معلوم، ومحدّد، والكتابة هنا معقدة وعميقة لأن كلماتها ستمشي أمام الناس، وتفجر مشاعرهم وتحرك فيهم العقول".

واستطرد قائلاً: "كتابة مسرحية ليست كأي كتابة، وتحتاج إلى مخيلة لا تسيطر عليها التخيلات الفضفاضة، بل تخرج من الحواري وبيوت الناس، وتحكي شجونهم وأحلامهم وطموحاتهم، وتنتقد القهر وتحيي الأمل". فبين الكاريكاتير والكتابة المسرحية شعرة لا تقطع.

ويمزج الفنان والكاتب سلامة بين 3 فنون في آن واحد، وأفاد عن هذا الثالوث المبدع: "العلاقة بين الكاريكاتير والكتابة المسرحية وحبه للتراث، فيقول:" وجدت بالكاريكاتير عيناً أطلّ بها على هموم الناس، وبالكتابة المسرحية لساناً أحكي به عن الناس، وفي التراث استحضار لماضي عاشه أسلافنا ويحاول المحتل طمسه. ولديّ أمنية غير شخصية، تتمثّل في اهتمام المؤسسات التعليمية الفلسطينية بفن الكاريكاتير أكاديمياً، وإيجاد مساق خاص به لتدريسه بشكل مهني وعلمي".

 

 

فما هو فن الكاريكاتير؟ فن الكاريكاتير فن قديم فقد صاحب الإنسان منذ فجر الحضارات". فالكاريكاتير CARICATURE هو فن يعتمد على رسوم تبالغ في تحريف الملامح الطبيعية، أو خصائص ومميزات شخص أو حيوان أو جسم ما. وغالباً ما يكون التحريف في الملامح الرئيسة للشخص، أو يتم الاستعاضة عن الملامح بأشكال الحيوانات والطيور، أو عقد مقارنة بأفعال الحيوانات. وهو "أحد فروع الرسم الذي يمثل الأشياء أو الأشخاص إما بطريقة بسيطة جداً أو مبالغ فيها وذلك للتعبير عن خاصية أو أكثر تتسم بها الشخصية أو الشيء، وعادة ما يتم تقديم الكاريكتير بطريقة ساخرة لنقد السلبيات أو لمدح الإيجابيات". وهو "فن من الفنون التعبيرية الذي لا يجد الناس صعوبة في فهمه وتقديره، ويعني الابتعاد عن التناغم المنتظم للشكل أو يعني عدم الاهتمام بالنسب الطبيعية، ويعني أيضاً المبالغة والتشويه في الشكل".

    الكاريكاتير هو فن الإضحاك بالتضخيم، هو رسم بسيط لفكره كبيرة وتعليق ساخر مختصر، حيث ينقل الواقع بصورة ساخرة وينتقد الأوضاع الخاطئة.وله مهمة تحريضية نحو الأفضل. الكاريكاتير لغة عالمية تفهمها شعوب العالم، فهو من أهم فروع الفنون التشكيلية. وهو طريقة للتعبير عن رأي خاص، لأنه يظهر عيوب المجتمع بطريقة ساخرة وممتعة. وهو وسيلة السخرية والنقد اللاذع للساسة والحكام والمسئولين. وهو إحدى ملامح “الديموقراطية”. فهو مزج بين الخيال والواقع. وهو الفن الوحيد الذي لا يحتاج إلى شرح.

حيث قام الإنسان بالفن والرسوم والنقوش التي سجّلها داخل مساكنه الأولى في الكهوف، فهي تحتوي على العناصر الثلاثة التي تمثِّل المقومات الرئيسة للكاريكاتير: صورة ومبالغة وتأثير ساخر. لكن ظهوره الأبرز كان عند المصريين القدماء، ظهور يبدو متكاملاً، معبِّراً بصورة كثيفة عن معانٍ ودلالات متنوِّعة، وثمة نماذج منه موجودة في عدة متاحف عالمية. 

وفي جزء من بردية ترجع إلى عام 1150 قبل الميلاد، نرى قطة ترعى سرباً من الأوز وثعلباً يُعنى بقطيع من الماعز. هذه القطع الفنيَّة الشهيرة اضطلع برسمها العاملون في تشييد مقابر وادي الملوك بدير المدينة في عصر الرعامسة، ويقصد بها الحقبة الزمنية للأسرتين التاسعة عشرة والعشرين، فلعلها كانت إشارة غير صريحة إلى علاقة غير متوازنة بين الحاكم والمحكوم.

دير المدينة أو "مقابر العمال"، كما يطلق عليه أحياناً، كان مخصَّصاً للعمال الذين يقومون بحفر وتزيين المقابــر الملكيـة. وظلَّت هذه المقابـر مدفونــة تحـت الرمــال إلى أن تـمَّ اكتشافهــا مطلـع القرن العشرين على يد عالم الآثار الفرنسي "برنار برويار" عام 1922م بعد بحث استمر 30 سنة في محافظة الأقصر.

استخدم الفنَّان (العامل) المصري القديم فنه في رسم صورة لمجتمعه بمتغيراته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، حسبما يذكر الدكتور عبدالعزيز صالح، في كتابه "الفكاهة والكاريكاتير في الفن المصري القديم"، وقد أبدع العرب في هذا المجال شعراً كاريكاتيرياً رائعاً، وكذلك كتابات، تعتبر قمة في السخرية لأسماء بارزة في تراث الأدب العربي، مثل ابن الرومي الجاحظ والبهاء زهير وغيرهم، مثلما نعثر في هذا التراث على مؤلفات هزلية قل نظيرها، مثل مؤلف "الفاشوش في حكم قراقوش" لأسعد بن مماتي، وديوان زجلي بعنوان "نزهة النفوس ومضحك العبوس" لابن سودون وغيرهما، كما كانت السخرية بتعدد أشكالها منتشرة لدى شعوب قديمة أخرى، مثل الهند والصين واليابان واليونان والرومان والإغريق وغيرهم

وتذكر المراجع التاريخية أن الكاريكاتير اسم مشتق من الكلمة الإيطالية "كاريكير" (Caricare)، التي تعني "يبالغ، أو يحمَّل ما لا يطيق"، والتي كان أول من استخدمها سنة 1646م. وفي القرن السابع عشر، كان جيان لورينزو برنيني، وهو رسام كاركاتير ماهر، أول من قدَّمها إلى المجتمع الفرنسي حين ذهب إلى فرنسا عام 1665م.

كما كان هناك نقوش على الأواني اليونانية نوعاً من الكاريكاتير في شكله البدائي. ثم تأتي الفقرات التي ذكّر فيها سقراط بالرسوم الساخرة، ويلفت البعض إلى تفسيرات أرسطو الخاصة بالكوميديا، وإلى مسرحيات أرسطوفانيس. وفي القرون الوسطى، كان من الرائج استعمال الرسوم المطبوعة على الورق بواسطة قوالب خشبية (gravure) لتقديم مشهد عن الحياة السياسية أو الاجتماعية، وشاع هذا الاستعمال مع رواج المطبعة.

ولا تنتهي قصة إيطاليا مع الكاريكاتير عند هذا الحد، فدفتر مذكرات دافنشي الأشهر المسمى بـ "دستور أروندل"، والمكوَّن من 570 صفحة مخطوطة بيد دافنشي نفسه، ولم يحاول نشرها مطلقاً طيلة فترة حياته، تضم أفكاره لابتكارات يمكن تنفيذها، أو أخرى يعتقد أنه "يمكن" تنفيذها. وبعد وفاته، وبمرور الزمن، تناقلتها أيدي جامعي التحف الأثرياء بينما استقر معظمها في المتاحف العامة حول العالم.

أما في بدايات عصر الحداثة وشيوع الصحافة، فقد تنازعت إنجلترا وفرنسا سبق الريادة. فرسم دوميية، الذي عُرف كطبّاع فني ومصوِّر ونحَّات، واشتهر بكونه واحداً من أبرز رسامي الكاريكاتير السياسي والساخر في عصره، أكثر من خمسمئـة لوحة فنية، وأنتج أكثر من أربعة آلاف لوحة طباعة حجرية وألف عمل فني محفور على الخشب، وألف لوحة رسم، ومئة منحوتة، ولم يقدّر النقَّاد أعماله في فن التصوير إلا بعد وفاته. وعكسـت أعماله الحياة الاجتماعية والسياسية في فرنسا في القرن التاسع عشر.

وعلى الضفة الأخرى من القناة الإنجليزية مقابل فرنسا، أبدع جيمس جيلري (1757 - 1815م) رسام الكاريكاتير والطباعة الفنية الإنجليزي مجموعة هائلة من الرسومات . فقد هجا في أعماله الملوك والوزراء والقادة العسكريين وحظيت رسومه بشعبية كبيرة، فكان الناس يتزاحمون على محلات بيع الكتب للحصول على الطبعات الأولى لرسومه؛ خاصة تلك التي تتناول الصراع التاريخي بين بلاده وبين فرنسا. فقد صور نابليون كقزم وصور جوزفين كامرأة بذيئة وأشهر أعماله قاطبة تلك التي تحتفظ بها مكتبة الكونغرس، والمسماة "البودنج الكامل في خطر، أو الذوَّاقة الحُكوميُّون يتناولون عشاءً صغيراً"، وفيها يظهر الوزير البريطاني ويليام بت، مرتدياً ملابس عسكريَّة بريطانيَّة نموذجيَّة، وهو جالس إلى المائدة مع الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت. كِلاهُما يبدو وهو يقتطع شريحةً كبيرةً من حلوى البودنج نُقشت عليها خريطةُ العالم. ويُلاحظ أنَّ شريحة بت أكبر بِكثير من شريحة نابليون. وفي التعليق كتب تعليقه الوصفي الساخر، والتاريخي: "الإمبراطور العتيد، وخصمه الوزير الإنجليزي، يخدمان نفسيهما، أحدهما يأخذ الأرض، والآخر يأخذ البحار. وفق اقتراحات الإمبراطور العتيد في سبيل التصالح مع إنجلترا في شهر يناير من عام 1805م".

وتذكر المراجع التاريخية أن الكاريكاتير بدأ في نيويورك في نهاية القرن التاسع عشر على يد ثلاثة ناشرين، هم: جوزيف بوليتزر، ووليم باندولف، وجيمس كوردون. وقد أصدر هؤلاء ثلاث مجلات أسبوعية ملوَّنة مختصة برسوم الفكاهة والحكايات المصورة، وكانت موجَّهة في البداية إلى المهاجرين الذين لا يتقنون اللغة الإنجليزية جيداً.

 وجميع الباحثين يؤكدون أن بداية فن الكاريكاتير العربي الحديث كانت عندما قام يعقوب بن صنوع بإصدار جريدة ساخرة في القاهرة باسم "أبو نظارة زرقاء"، حيث استطاع صنوع استقراء الأوضاع في مصر بدقة وانتقادها، سواء بالرسم الكاريكاتيري الساخر أو بالفن المسرحي الذي يعدّ من أوائل مؤسسيه في مصر. وبعدها تم نفيه من قبل الخديوي إسماعيل إلى باريس عام 1872م .

وشهدت سوريا تجربة رائدة على يد الرسام السوري "عبدالوهاب أبو السعود" عام 1921م بإصداره جريدة فكاهية ناقدة باسم "جراب الكردي"، انتقد فيها بالكاريكاتير كثيراً من الأمور السلبية الاجتماعية، والسياسية وبعض أفعال الحركات الصهيونية في فلسطين، وحتى حكومة الانتداب الفرنسي أحياناً كثيرة. 

ولكن يظل هناك إجماع على أن مصر عرفت فترة ذهبية لفن الكاريكاتير. فقد استخدم الملك فاروق الكاريكاتير في حملته الكبرى ضد منافسه العتيد مصطفى النحاس باشا، زعيم حزب الوفد عام 1944م بواسطة رسّام الكاريكاتير المصري الكبير محمد رخا بمعاونة الصحافي مصطفى أمين.

ولكن هل لفنان الكاريكاتير Cartoon artist مهارات مطلوبة؟ 

  • يجب أن يكون فنان الكاريكاتير موهوباً في الرسم يجيد رسم الشخصيات والأشكال بمرونة في الخطوط والمنحنيات.
  • أن يدرك فنان الكاريكاتير أهمية هذا الفن ومجالات استخدامه ويتعرف على بعض الخلفيات التاريخية لهذا الفن.
  • أن يلم فنان الكاريكاتير بعلم التشريح خاصة فيما يتعلق بالرسم (أشكال الوجوه والأجسام في الإنسان والكائنات).
  • أن يلم فنان الكاريكاتير بعلم التشريح فيما يتعلق بالحركة وكيفية عمل العظام أثناء الحركة.
  • أن يمتلك فنان الكاريكاتير مهارات التلوين والتظليل.
  • أن يتدرب فنان الكاريكاتير على تقنيات برامج الرسم على الكمبيوتر.
  • الإلمام بكيفية عمل برامج الرسوم المتحركة لإنتاج أفلام كرتون.
  • الإلمام بمهارة إبداع الأفكار وعمل سيناريو كرتوني أو الاستعانة بكاتب سيناريو.