الكتابة في الشبكة العنكبوتية هي إحدى المُنبهات الذهنية - كما هو الحال في القهوة والشاي والكبتاجون :) - !

ولذا ؛ فإنها نوع إدمان خطير ؛ يصرف الكثيرين عما ينفعهم في حياتهم الواقعية ؛ ويؤدي بهم إلى حال غير رشيدة من العزلة عن المجتمع والحياة ؛ مما له أثره على حياة الشخص في المدى البعيد – وليس أكبرها فيه : من غياب مهارات التواصل الاجتماعي ، والاندماج الإنساني ، والأُنس الحياتي .

يبدأ المرء معها متحسسًا ثم متمرساً إلى أن يصير فاعلاً ومؤثراً على القراء ؛ ثم إذا غاب لم يفقده أحد ..!

وهنا لفتة للكاتب الناشئ : إن استطعت ألاّ تتحصل على شهرة كتابية في الشبكة ؛ فافعل !

إن تسليط الضوء عليك وعلى قلمك ليس بالأمر اللذيذ تماماً ، وليس بالمُدهش حتماً ، ولا بالمثير كما تتوقع !

كن عمدةً لأكبر مواقع التواصل الشبكية ؛ وبهذا ستكون أميراً لمئات الألوف ؛ ثم اركب الطائرة ؛ فلن يعرفك من يجلس بجوارك !

وهذا المثال تنبيه للكاتب الناشئ : إياك والغرور ؛ فأنت في حقيقتك وواقعك لا تُمثل غيرهما .

لن أثقل اللوم عليك في شأن الغرور ؛ إذْ هو في نظري مرحلة طبيعية ، ودرجة في البناء ؛ ولكن عليك بالفواق منه سريعاً ؛ ثم الأوبة والفيء إلى جادة الخلُق الكريم . ولذا قال السلف : " العلم ثلاثة أشبار ؛ فمن قطع منه شبراً تكبر ، فإن قطع الثاني تواضع ، وإذا قطع الثالث : علمَ أنّه لم يعلم شيئاً " .

من الطرائف – التي يستساغ أن تسمعها أيها الكاتب الناشئ – أنّ أحد مشاهير الكتابة في الإنترنت أخبرني أنه إبان البريق الكتابي ، واللمعة الحضورية كان بالكاد يستطيع الرد على معجبيه في الماسنجر - أيام  الماسنجر - ؛ ثم لما انطفأت شمسه ، وانصرم مجده : صار يُلقي التحية على أحدهم ؛ فلا يرد !

من الأمور التي يجب أن تعرفها – أيها الكاتب الناشئ – بأن السليم الأفضل أن تقلل من معارفك في الإنترنت : حاول ألا تثق بالكثير ، وحاول أن تستخلص المفيد ؛ وجامل الـمُعجب ؛ ولكن اعلم بأنّه – أي المُعجب – ينساك أول شهرٍ من غيابك .

تفنن في طرحك ؛ ولا تكن أسيراً للون أو اتجاه ، واحذر أن تخضع لرغبة الجمهور ؛ فإنّك ستسقط من أعين الثقات .

لا يغرنّك الثناء ولا المديح ؛ فقد يكون كاتبه ينقش سنّه حين كتابته ؛ أو ربما يُداعب طفله أو زوجه ، أو لعله بيُسراه يمسح أنفه !

ولذا قيل : تذوق طعم المجاملة .. ولكن احذر أن تبتلعها !

احرص – كذلك – على عدم الدخول في المهاترات ؛ واعلم بأنّ في الشبكة سفهاء ، وسليطين ، ومؤذين ، ومتطفلين : فابق نقياً كالسحابة ، ومضيئاً كالقمر ، ونظيفاً كالنهر .

لا تصطنع العداوات ، ولا تتسرع في الرد ، وإياك والصخب : فإنّه لا يأتي بخير .

لا تذكر شيئاً من خصوصياتك ، ولا معلوماتك ؛ فحاجتهم منك قلمك وفكرك ؛ وأما أنت فإن جارك لا يعرفك !

أحيطك علماً بأنّ الشهرة في مواقع التواصل الاجتماعي هي من أبسط الأمور وأيسرها ؛ ولولا أني لا أُحبذ لك هذا النوع من الشهرة ؛ لكنت أسديتُ لك خمسَ نصائحٍ تجعلك من أوسط الناس حسباً في الشبكة.

احذر الجنس الناعم ؛ وإياك من خيال اليقظة ؛ فليست كل بيضاء شحمة ، وما من وردة تخلو من شوك ؛ وليس أجمل من العفّة .

حلّق وحدك ، واصنع فرادة نفسك ، ولا تكن مثل حال البقر المتشابه .

ضع لقلمك هدفاً دينياً وآخر دنيوياً ؛ واسأل الله أن يؤتيك من قلمك حسنة في الدنيا ، وحسنة في الآخرة .

وأخيراً ؛ اعلم بأنّ العلم جائزةُ الله ؛ ومهره التقوى ؛ قال تعالى : " واتقوا الله ويُعلمكم الله " .

آيـدن .