هذه الدنيا عبارة عن جدلٍ لا ينتهي أبداً ، جدلٌ بين مجموعةٍ كبيرةٍ جداً من التناقضاتِ البَشَرِية ، هذه الدنيا اذن ، عبارة عن صراعٍ محمومٍ لا نهائي ... لكنَّ أعجَبَ ، و أقسى ، ما اختبرتُه من مفارقاتِها أن يُطلَب من المظلوم أن يسكُت ، في الوقت نفسه الذي يُجَعجِع فيه الظالم بكلامٍ فارغٍ سخيف ، كلام سطحي مُزَيَّنٌ بشعارات ساذجة متخلِّفة مُتَحَجِّرَة .


   في تاريخنا ، و في التاريخِ عموماً ، تمَّ اغتيالُ المعارضةِ معنوياً و مادياً  ، مادياً بقتلِ المعارضينَ أو نفيهم أو سجنهم ، و معنوياً بتكفيرهم و تسخيفهم و تشويههم ، و ذلك بمحاربةِ أفكارِهِم و آمالَِهم و أشخاصِهِم ، فحتى يتمكن الحاكم من بسطِ سلطتِه لا بد له من اضفاءِ الشرعيةِ على حكمه ، و نزع الشرعيةِ عن المعارضِينَ لحكمِه " المقدَّس " في ذاتِ الوقت ، فكانت الفتاوى عن الصبرِ على ظلمِ الحاكِم ، و تحريمِ الثورات باسم وحدةِ المسلمين  ، و كانت قمة القمع و الظلم ، و قمة تهميش ، بل  طَمسِ المعارضة ، هي اعتماد مجموعةٍ من المذاهبِ و الأفكارِ الفقهية و العَقَدِيَة ، و نبذِ كل ما يخالفها ؛ فتم تجريم الفكر الاعتزالي و الخوارجي و غيره ، و تم التعتيم على الكثير من الثورات و الثوار .


   أما على المستوى الاجتماعي فقد ارتبطت بهذه الافكار و القيم السلطوية ، أفكارٌ و قيمٌ اجتماعية مسانِدة للسلطة ، فتم استبعاد كل القيم و المسلكيات التي تعارض سلطة القوى الاجتماعية المُـتَـنَـفِّـذة ، و اعتماد كل ما يسانِد السلطاتِ الحاكمة ، المُتـَحَـكِمَةِ في رقابِ و مصائرِ العباد .


   و حتى يومنا هذا ، تتحكمُ فينا ، افراداً و جماعات ، منظومةٌ قمعيةٌ ،  فكرياً و سياسيا ، و اجتماعيا و اقتصاديا.  فباسمِ العقلِ و الواقعيةِ ، و باسمِ الحفاظ على التلاحم ... الخ ، يتم القضاء على أيِّ رأيٍ أو سلوكٍ أو قيمة ، و أي فردٍ أيضا ،   تهدد الـمـنـظـومـةَ السـُّلـطَـويـة   " المقدسة " !! .


   منذ نعومة أظفارنا ، في البيتِ و المدرسةِ و المسجدِ و الشارع ، نتعرض جميعنا ، لسيلٍ لا يتوقف من العملياتِ المُمَنهَجَة التي تهدف الى انتاجِ الفردِ الخاضِع ، و الجماعاتِ الخاضِعة ، حتى لا تهتز أركانُ أصحابِ المصالحِ و الـنـفـوذ ... و اذا " اتعسَ " اللهُ أحداً ابتلاهُ بمواجهةِ هذه الترتيباتِ المجتمعية القاسية الجامدة البالية ... وقتها سيرى هذا التعيس العجب،و سيسمع الأعجَب ! . و لكنَّ أعجبَ العجبِ هو أن يُطالب المظلومُ بالسكوت ، و أن تفتح كلُّ الآذانِ و الأبواب للظالم ، فالمجتمع لا يسمح بأي هزةٍ لأركانِهِ مهما كانت بسيطة ، كلُّ الترتيباتِ الاجتماعيةِ الظالمةِ يجب أن تبقى بلا أدنى معارضة ، أما الفردُ التعيسُ فليكنِ اللهُ في عونِه ، و ان شاء الله عوضه في الآخرة ... هكذا يقولون !! 


عوضُهُ في الآخرة ؟!! 


من قال لكم أنَّ نعيمَ الآخرةِ هديةٌ للجبناءِ و السَّلـبـيـينَ و الفاشلين ؟


 و من قال لكم أن الدنيا يجب أن تكون للظالمين فقط ؟


 لقد خلقنا الله لاعمارِ الدنيا :

" و استعمركم فيها " ، 

و أمرنا باصلاحِها  و عدم إفسادها : 

" و لا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها " ..

، و أمرنا بالأمرِ بالمعروفِ و النهيِ عن المنكر :

" و لتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ، و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر .. "


و أمرنا بالسعي للآخرة دون نسيان الدنيا ...

  

 " و ابتغ فيما آتاك الله الدارَ الآخرة و لا تنسى نصيبك من الدنيا " 

" ربنا آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " .


لذا  لن نترك الدنيا لهؤلاء الظلمة يستمتعون فيها على حسابِ الضعفاء و المظلومين ، نحن بشرٌ مثـلُـكُـم أيها الطغاة ، من حقنا أن نعيشَ بكرامةٍ و حرية  ، بل من واجبنا أن نتصدى لظلمكم . ... 


تباً لكم ، تباً لأفكارِكِم و قيمِكُم و سلوكياتكم البالية ، تبا لكم ألف مرة ؛ لقد أصبحتم الآن خارج التاريخ ، اليوم تتآكل بُناكم التقليدية ، فبُناكُم لم تعد تستوعب الأوضاعَ الجديدة ، لقد تم استهلاككم ، و انتهت فترة صلاحيتكم ( اذا كنتم يوماً صالحينَ أصلا ) ... المستقبل لن يكون لكم ، سيكون للمناضلين و المجاهدين اللذين يرفضونكم و يحاربونكم أنتم و من خلفكم ، اللذين يحاربونكم على كل المستويات ، بكل الطرق ، و في كل مكان ، هؤلاء هم المستقبل ؛ فالظلم و ان استمر ما استمرت الدنيا لكنه سيظل يحارَب ما استمرت الدنيا ، و الظلم و ان لم ينته ، لكنه سيضطر للتأقلم مع الأـوضاع الجديدة ، سيضطر الظالمون للتنازل ، و هكذال ستظل حصة الظالمين تتآكل ، و حصة بقية خلق الله تزداد :


" ... وَلَوْلَا دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍۢ لَّفَسَدَتِ ٱلْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ " .


#خواطري_علاء_هلال


#نصوص_ثورية_عربية_اسلامية