ا

 

إنَّ للمناظرة الكثير من الفوائد أبرزها أنها تقوم بنشر ثقافة الحوار بين الناس وإحترام الرأي الآخر، إضافة إلى تقوية الشخصية وتعلم الفرد كيف يثبت صحة نظره وكيف يقوم بتقديم الأدلة والبراهين.وفي مواجهة بين العلم والمال تبختر المال في مشيتة وشعر أنه فوق الجميع فنظر العلم إليه نظرة إشفاق فقال له هل تغتر بشكلك وجمالك ، فهناك أشياء ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب ، فما أنعم جلد الثعبان ولكنه يحمل السم بداخلة .

إنَّ الأفاعي وإنْ لانتْ ملامسها … عند التقلُّبِ في أنيابها العَطَبُ

قال المال ولماذا لا أفرح والجميع يسعون ويتنافسون للوصول الي ولا يملون من التعب لكي يحصلوا علي .قال العلم هؤلاء جهلة ولا يعرفون المال ولن أُكثر حديثي معك أيها المال لأنك بدوني ستظل مجرد ورقة حمقاء ليس لك أي فائدة ولكني سوف أرد عليك ببيت الشعر هذا .

أرى الدنيا لمن هي في يديه … عذاباً كلما كَثُرَتْ لديه

تُهين المُكرِمينَ لها بصُغرٍ … وتُكرِمُ كلَّ مَنْ هانت عليه

وأرد عليك بقول سقراط عندما قال له أحد الملوك أنه يُشفق علية بسبب فقرة فرد عليه سقراط :

)لو عرفتَ راحةَ الفقر لشغلك التوجُّع لنفسك عن التوجُّع لي(

قال المال: ألم تر أن الله عز وجل قد جعلني زينة الحياة إذ قال: (المَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)

قال العلم: لكن ألم تقرأ بقية الآية: (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابَاً وَخَيْرٌ أَمَلاً)، ثم إنه 

قال عن المال:(زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) فهو زينة وليس قيمة.


وقد رغَّب الله عز وجل في الازدياد من العلم فقال: )وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمَاً( أما عن المال فقد قال تعالى: )وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ(، وقال):حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ(.

ومهما يكن من الأمر، تقتضي البداهة أن نعترف بأهمية المال ليستمر الإنسان بتأمين متطلباته الأساسية في الحياة، خاصَّة وأنَّ عالمنا اليوم لم يعد عالماً للزهد. لطالما صان الثراء كرامة أصحابه ولطالما أورثت قلَّة المالِ السَقم،ولكن نجد أغلب الشِّعر زاهداً بالمال ورافضاً جمعه وإكتنازه، حيث يرى الشَّاعر المخضرم الحطيئة أنَّ التَّقوى خير من المال إذا أراد الإنسان كنزاً:

ولَستُ أرَى السَّعادَةِ جَمعُ مَالٍ ولكنَّ التَّقيّ هوَ السَّعيدُ

وتَقوى الله خيرُ الزَّادِ ذُخراً وعند الله للأتقى مَزيدُ

بل يَرى صَفيُّ الدِّينِ الحلي أنَّ المرء ما لم تكن الأموال في نفسه ذليلةً لن يجد طريقه للعزِّ:

يَا مَن يُعِزُّ المَالَ ضَنّاً بِهِ، إنَّ المَعالِي ضِدَّ مَا تَزعمُ

مَا عَزَّ بَينَ النَّاسِ قَدرُ امرئٍ إلّا وقدْ ذَلّ بِهِ الدِّرهَمُ

أمَّا علقمة الفحل فقد خصَّص هذه الأبيات عن طباع النِّساء ورغبتهم بصاحب المال يقول:

فإنْ تَسألُوني بالنِّساءِ فإنَّني بَصيرٌ بأدوَاءِ النِّساءِ طَبيبُ

إذا شَابَ رَأسُ المَرْءِ أو قَلَّ مَالهُ فليسَ لَهُ مِن وُدِّهِنَّ نَصيبُ

يُرِدْنَ ثَراءَ المالِ حَيثُ عَلِمنَهُ وشرخُ الشَّباب عِندَهُنَّ عَجيبُ

فَدعها وسَلِّ الهمَّ عَنكَ بِجِسرةٍ كَهَمِّكَ فيها بالرِّادفِ خبيبُ

ولما كان المال في الدُّنيا أربع أخماسها سعياً وطلباً وإنفاقاً أو زهداً وترفع فقد وجد الشعراء مجالاً 

واسعاً للتفكر في 

علاقة الإنسان بالمال.وقد بذلوا جهداً في المقارنة بين المال والعلم لتفضيل العلم والأخلاق على المال.يقول الإمام علي بن أبي طالب في مقارنته بين قلة المال مع رجاحة العقل ووفرة المال مع قلة العلم:

رَضينا قِسمةَ الجَبارِ فينا لَنَا عِلمٌ ولِلجُهَّالِ مَالُ

فإنَّ المَالَ يَفنَى عَن قَرِيبٍ وإنَّ العِلَمَ باقٍ لا يَزالُ

كذلك يرى ابن الرومي أن المال كبئرٍ يُنتِنُها ألّا تغترف منها؛ يقول:

المالُ يكسبُ ربَّهُ ما لم يَفضْ في الرَّاغبينَ إليه سُوءَ ثناءِ

كالماءِ تأْسنُ بئرهُ إلَّا إذا خبطَ السُّقاةُ جِمامهُ بدلاءِ

والنَّائلُ المعطَى بغير وسيلةٍ كالماءِ مغتَرَفاً بغيرِ رِشاءِ

أما الشافعي فيقول:

يَا لَهفَ نَفسي عَلى مَالٍ أفرِّقُهُ عَلى المُقِلِّين مِن أهلِ المُروءَاتِ

إنَّ اعتِذارِي إلى مَن جَاءَ يَسألُني مَا لَيسَ عِندِي لَمِنْ إحْدى المصيباتِ

كذلك حاتم الطائي يرغب دائماً في إنفاق ماله في الكرم والبذل، فيقول:

يَقولونَ لِي: أهلَكتَ مَالَكَ فاقتَصِد، ومَا كُنتُ لَولا مَا تَقولونَ سَيَّدا

كُلوا الآنَ مِن رِزِقِ الإله وأيسروا فإنَّ على الرَّحمنِ رِزْقَكُمُ غَدا

فأنا لا أعيب علي شخص ولد فقير ولكنه تعلم وكافح في الحياة ، ولكني أجد العيب كله في شخص ولد لأبويين أغنياء فرفض مشقة التعليم واكتفي بإنفاق ما عندة من أموال. وبحسب صحيفة “اليوم” يقول التقرير: إن بعض الأثرياء الخليجيين يفضلون شراء أشياء تكون نادرة أو وحيدة خلال العرض، مشيراً إلى أن رجلاً ثرياً خليجياً اشترى ساعة “ليميتد إديشن” من العاصمة البريطانية لندن بقيمة 5 ملايين جنيه إسترليني، وكانت الوحيدة من نوعها.وقال التقرير: إن ثرياً خليجياً أنفق وحده في سفرة واحدة 6 ملايين جنيه إسترليني على هدايا من 

متجر “هارودز” الشهير، والمفضل لدى الأثرياء العرب وغيرهم من الأجانب. وانتهى التقرير بقيام أحد الأثرياء العرب بإنفاق ما يتعدى 50 ألف دولار مقابل الحصول على «آيباد» مطلي بالذهب ومرصع بالأحجار والبلاتين.إن تباهي الأغنياء بثرواتهم يكسر قلوب الفقراء والبسطاء.

ختاماً… معظمنا يركض خلف المال ويرغب أن يصل إلى أقصى حدود الثَّراء، حتَّى من يعتقد أنَّه سيكتفى من المال بما يقيه شرَّ السُّؤال نجده لا يكتفي عند هذا الحدِّ الذي رسمه.خاصَّة وأنَّنا في عصر أصبح فيه لإنفاق المال أوجه أكثر مما كان شعراؤنا القدماء يتخيلون!.وشتَّان بين العلم ميراث الأنبياء، وبين المال ميراث الملوك والأغنياء.وشتان بين العلم الذي يحرس صاحبه، وبين صاحب المال الذي يحرس ماله.وشتان بين العلم الذي يزداد بالبذل والعطاء، وبين المال الذي تذهبه النفقات.وشتان بين العلم الذي يرافق صاحبه حتى في قبره، وبين المال الذي يفارقه بعد موته، إلا ما كان من صدقة جارية.وشتان بين المال الذي يحصل للبر والفاجر، والمسلم والكافر، وبين العلم النافع فلا يحصل إلا للمؤمن.والعالِم يحتاج إليه الملوك ومَنْ دونهم، وصاحب المال يحتاج إليه أهل العدم والفاقة والحاجة.


والمال يعبِّد صاحبه للدنيا، والعلم يدعوه لعبادة ربه.


والعالم قَدْرُه وقيمته في ذاته، أما الغني فقيمته في ماله، قال بعضهم: (الولاية الوحيدة التي لا يملك أحدٌ أن يعزل صاحبها عنها هي: ولاية العلم).والغني يدعو الناس بماله إلى الدنيا، والعالم يدعو الناس بعلمه إلى الآخرة.


فلم يكن من المال بعد أن سمع ما سمع إلا أن يقبِّل رأسَ العلم وينصرف وهو يقول: حفظك الله وأدامَك أيُّها العِلْم، فقد كنتَ لي شُعَاعاً ينير دربي، ونَجْماً هادياً في ظُلَمات نفسي، وعقلاً يقيِّدني عن الرذائل ويحفظني من المهالك، ورُوحاً يبعث فيّ مِنَ الفضل والجمال والخير ما أرتقي به مِنْ أرض الجَهَالة إلى سماء المعرفة، ومن قُبْح الأثَرة إلى جمال الإيثار، ومن بُؤس الطين إلى السَّعادة في صراط ربِّ العالمين.


ومدحي هذا لن يرفعك شيئاً، فما أنتَ إلا كما قال المتنبي:

مَنْ كانَ فوقَ محلِّ الشمسِ موضعُهُ *** فليس يرفعه شيءٌ و لا يضعُ