بمجرد أن نعي الحياة، وننتقل من صف الطفولة إلي مقاعد الشباب .. نبدأ برسم أحلاماً و نزمع في الوصول إليها وتتجدد أحلامنا وتكبر معنا من الحين للآخر، منّا من يحظى على ما يتمني والبعض الآخر يدرك القليل من طموحاته، وآخرين وصلوا إلي ما تمنوا وأكثر .
وكثيرون هم من وصلوا إلي ما تمنوا وتحققت أهدافهم، وبمجرد الوصول والوقوف على عتبات أحلامهم ويجرى بين أيديهم المال كالنهر، نرى الكثير منهم يتغير تغيراً سلبياً تدريجياً.
لا أدري حقاً هل غيبت الأوراق البالية ( الأموال ) عقولهم وغرق هدفهم المنشود الذي تعبوا وكافحوا من أجل الوصول إليه، أم أنهم ذاقوا مُر الفقر وضنك العيش منذ طفولتهم وأرادوا تعويض ما حرموا منه، على حساب الأخلاق والإنسانية والمبادئ بحبهم للمال واللهث المستمر في الحصول عليه الذي يمطر عليهم من خلف التفوق، ولنذكر صور حقيقية من واقعنا المعاصر لهؤلاء.
ندرك تماماً أن هناك الكثير من المهن والحِرف تُمارس في حياتنا اليومية، يتطلب حامليها التحلي بالقيم الإنسانية والدين والأخلاق، لينعم المجتمع بالحيــاة السليمة السعيدة المكللة بالإيمان، لكن نأسف لِما نراه الآن من بعض المهنيين في أداء أعمالهم، فهؤلاء المهندسين وما يحملوه من أمانة، في تعهدهم للوقوف على إعمار البناء، بل يتركه للمقاولين دون تقييم ومتابعة، هناك بعض المعماريين ينسي دوره الجلي بالوقوف على رأس عمله من بدايته إلي النهاية، حتى لا يترك الباب مفتوح لبعض العمال الذي يستهتر في أدائه ويعمل دون إتقان ووالقيام بممارسات خسيسة باختلاس مواد البناء، بدون مبالاة لأن من سوف يقيم في هذا المنزل من أناس ممكن قُدماً أن ينهار عليهم البناء نتيجة إهماله غافلاً أنه كما تدين تدان وأن كما تحب لنفسك أحب لأخيك.
والطبيب المعالج..! كم طبيب يعمل ابتغاء وجه الله، ويكن همه الأول شفاء المرضى؟ وكم من طبيب يسعد بشفاء مريض من آلامِ ووقوف صرخاته من الوجع أكثر من سعادته بالمال الذي سيجنيه من وراء علاجه؟
ما أروع إذا كان العمل لوجه الله والسعادة في علاج المرضى ! هذا هو هدف كل خريج طب قبل عمله، سرعان ما يتغير بمجرد الشهرة والعلو وتملك المال لينتزع من معاني الإنسانية، بل وعندما يكثُر مرضاه، يرهقهم بتكاليفه العلاجية الباهظة.
وأعظم مثال من هذا وتلك ( المُعلم ) المُربى والمُنشئ، الذي يُخرّج عقولاً، ليكونوا رواداً ورجالاً حماة للأمة .. ما أن يتميز المُعلم في مقتبل عمله في التدريس لنجاحه واستطاعته في تعليم الطلاب السبل الصحيحة في التدريس، و يحظى قبول من أهالي الطلاب، حتى ينظر نحو البحث للحصول على أموالاً إضافية علاوة على راتبه الشهري، لينتهج طريق الإعطاء القليل في المدرسة، وإخضاع طلابه للدروس الخصوصية معه بعيداً عن المدرسة،
خالياً من المبادئ والقِيّم الإيمانية، نعم قد صار معلماً ماهراً.. لكن أين المعلم الإنسان؟! الذي يجعل عمله لله سبحانه، فيرجو منه نشر الفضيلة ورفعة الأجيال.
كيف تصبح حياتنا حينما نفتقد إنسانيتنا، مبادئنا وأخلاقنا، لا نطلب أكثر من طبيب ومعلم ومهندس ( إنسان ) يتقي الله في عمله ويقدم المبادئ والأخلاق على الكسب البالي.. فلا نفع للحجج بأن الدافع وراء ذلك ضيق العيش وضغوط الحياة الكثيرة !!
ونجد الكثير والكثير من المهنيين من لا يتقن عمله، ، نَسِيَ هؤلاء حديث رسولهم صلى الله عليه وسلم): «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا فليتقنه» (أخرجه أبو يعلى والطبراني، وقد صحّحه الألباني في الصحيحة.
نخشى يوماً من هول ما نراه من متغيرات، أن ننبش على الرحمة والشفقة والقناعة وقيم الإسلام النبيلة التي جعلت للرحمة مبدأ، والقناعة مبدأ، وحب نفع الناس مبدأ، والرفق بالمرضى مبدأ، وأمر بكل ذلك من الأخلاق الإسلامية التي هي نبع المبادئ والقواعد التي تقيم السلوك الإنساني.
لا ننسي الجمع العظيم من أناس جعلوا من مبادئ الإسلام سبيلاً لحياتهم يتصفون بصفات الرحمة والإتقان والشفقة والقناعة والرضا والحرص على نفع الآخر وخدمته وغير ذلك من الأخلاق المتداولة بين الناس، بنظرة الميسرة للمدين والإحسان للجار كما قال رسول الله صلّ الله عليه وسلم في رعاية الجار،فعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «(إِذَا طَبَخَ أَحَدُكُمْ قِدْرًا فَلْيُكْثِرْ مَرَقَهَا، ثُمَّ لَيُنَاوِلْ جَارَهُ مِنْهَا» (أخرجه أحمد.
فالشكر على المنن التي ينعم الله على عباده بها، لا يكون باللسان فقط، لا بد أن تترجم ترجمة عملية بمواقف الوقوف في وجه النفس عندما يراها تعشق المال، بالعطاء والإحسان وحب نفع الناس تكمن لذة النجاح .