تسول بأسلوب حضاري

حيدر حسين سويري

 

   التسول هو طلب مال، أو طعام، أو المبيت من عموم الناس باستجداء عطفهم وكرمهم إما بعاهات أو بسوء حال أو بالأطفال، بغض النظر عن صدق المتسولين أو كذبهم، وهي ظاهرة أوضح أشكالها تواجد المتسولين على جنبات الطرقات والأماكن العامة الأخرى. ويلجأ بعض المتسولين إلى عرض خدماتهم التي لا حاجة لها غالبا مثل مسح زجاج السيارة أثناء التوقف على الإشارات أو حمل أكياس إلى السيارة وغير ذلك. "من مال الله يا محسنين"، "حسنة قليلة تدفع بلايا كثيرة" وغيرها من كلمات المستعملة من المتسولين لاستدراج عطف وكرم الآخرين.

   والمتسول (خصوصاً الأطفال منهم) يتخذ من استجداء الناس وسيلة للحصول على المال ويؤدي مظهره الشخصي إلى رثاء الآخرين وعطفهم عليه ويقوم بهذا السلوك عن قصد وبشكل متكرر ومنتظم ويحدث هذا السلوك نتيجة لإجبار الوالدين والقائمين على رعايته للعمل على التسول. أما أسباب هذه الظاهرة فتعود بشكل أساسي للفقر والبطالة وقلة الحال.

   في فيلم "المتسول" للفنان الكبير "عادل امام" طرح الفنان المرحوم "وحيد سيف" شكل جديد للمتسول، حيث ظهورهُ بشكل انيق الملبس والمظهر، عكس ما هو متعارف عليه عند المتسولين من نقص في الخلقة ورثاثة الثياب وقباحة المنظر والمظهر، فبذلك يحصل على عاطفة الناس بشكل أكبر وأكثر، كذلك يمثل رعباً للمنحرفين واللصوص، الذين سوف يخافونه لظنهم انه رجل أمن او صحافة واعلام، فيعطونه كفاً ودرئاً للمشاكل التي قد يسببها لهم.

   محاكاة مع فيلم المتسول نشاهد ظاهرة (نعم ظاهرة وليست حالة) انتشرت في العاصمة بغداد، لا سيما في شوارعها العريقة كشارع المتنبي وأمام المطاعم والمولات والكليات والجامعات، أصيحنا لا نستغرب من وجود شباب (ذكور واناث) وبلباس مودرن، يرتدون اخر صيحة في عالم الموضة، يتسولون!

   يقفون كمجاميع مكونة من ثلاث او أكثر، يتسولون تحت غطاء دعم الايتام والارامل وإقامة الاعمال الخيرية، وأنهم شباب متطوع لهذه الاعمال، وعندما يسألهم سائل: أين مقر عملكم وما اسم مؤسستكم؟ يكون الرد جاهزاً: ليس لدينا مقر الان ولكن سيكون بفضل جهودكم، ونحن لا زلنا في طور التكوين.

   تختلف أوضاع وطرق التسول في العالم، ففي الهند مثلا هناك مدينة للمتسولين، لها قوانينها وشريعتها وطريقة العيش فيها. في البلاد الشرقية والمسلمة منها يختار المتسولون أماكن العبادة والجوامع والأضرحة مكاناً لممارسة عملهم، وفي الدول الغربية تجد المتسولين في أنفاق المترو وقرب الساحات العامة والمتاحف يمارسون عملهم بطريقة أخرى، من خلال العزف والغناء أو الرسم أو أعمال فنية أخرى. وهناك بعض الباحثين يصورون من يعيش على المساعدات المحلية أو العالمية بالمتسولين، حتى بعض العاطلين الذي تستهويهم المعيشة على المساعدات المالية؛ وما أن توفر لهم فرصة عمل حتى يعزفون عنها، مفضلين ربما عيشة الكفاف على مساعدات تكفيهم لتوفير خمر يومهم.

   ليس بالضرورة أن يكون المتسول معدوما، فبعضهم قد أمتهن التسول ويجمع منه أكثر بكثير من قوت يومه، بل يصل به الأمر إمكانية لتوظيف من يعمل لديه فيستأجر الأطفال والرضع والإكسسوار اللازم للتسول، وحتى عمل عاهات صناعية أو دائمية لزوم العمل لمن يوظفه. 

   إنَّ أغلب دول عالم تمنع التسول، وتكافحه بطرق مختلفة قد تفلح وقد تفشل، فالتسول قد يدفع إلى الجريمة وقد يكون بداية الطريق للانحراف.

   ولنا أن نسأل: هل هؤلاء متسولون فقط؟ هل يقف ورائهم أحد؟ وماذا يريد هذا الذي اوجدهم؟ ما دور الجهات الحكومية والأمنية تجاههم؟ هل ترضى العوائل العراقية وقوف بناتهم بهذا الأسلوب في الشوارع والمحلات العامة؟

بقي شيء ...

   في قراءة الصف الثاني الابتدائي نروي لتلامذتنا قصة مفادها ” شكا رجل إلى النبي صلى الله عليه واله وسلم شدة الفقر، فقال له: أما عندك شيء؟ قال: لا. فأعطاه درهمين وقال له: اذهب فاشتر بأحدهما طعاما وبالآخر فأسا واحتطب به وبع. فغاب الرجل خمسة عشر يوما ثم أتى فقال: بارك الله فيما أمرتني به. اكتسبت عشرة دراهم، فاشتريت لأهلي بخمسة طعاما وبخمسة كسوة. فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم: (هذا خير لك من المسألة).