الأستاذ الإمام ونُظُم التعليم
كان للإمام محمد عبده, رؤية عظيمة في تربية النشأ وتعليمه, وكانت له مآخذ على مناهج التعليم, وطريقة تلقينه, في ذلك الوقت, وإن الكثير من المآخذ, التي طرحها الأستاذ الإمام, لا تزال موجودة ظاهرة, في نظام التعليم والتربية, رغم مرور السنوات, أي منذ ما يزيد على قرن من الزمن, يحدثنا عن تلك العيوب والمفاسد المنتشرة, وكأنه يحدثنا عن واقع نعيشه, وظواهر تحيط بنا, ورغم انتشار التعليم, ووسائل التربية الحديثة, إلا أن الاعتماد على الشكل, لا على المضمون, هو الغالب, وأن التعليم الذي يخلو من عمق ومضمون, لا فائدة منه, وأنه والجهل به سواء, لم يكن هناك ارتباط بين العلوم, وواقع الحياة, ومعايشة الناس, هناك فجوة كبيرة, تعرقل مسيرة النهوض بالفرد والأمة.
فليس إصلاح التعليم, بالعقبة الكئود, التي نشعر بها, ونحن ننظر في حالنا المتردي, وإنما نحتاج إلى إيمان قوي بقيمة العلم, لا بقيمة الشهادة, التي نحصل عليها, أن نؤمن بما يخلف في النفوس, من أثر, وعلى العقول, بالعمل به, لا بالوظيفة, التي ننتظرها منه.
فالوقوف على الداء, أو الأسباب, ومعرفة مكمنه, هو أول خطوة في العلاج الصحيح, وفي تقويم النفوس, وتربية العقول, فلا بد من بحث عن القصور, من أين؟ ومن ثم يجب معالجته وتقويمه, وإصلاح التعليم, له أسس وقواعد ونواحي, لا بد من مراعاتها, والنظر فيها من جميع جوانبها المختلفة, منهج ومدرس ومدرسة, ورعاية, ومنشآت وغيرها مما يرتبط بالعملية التعليمية, ولكلٍ دوره في استكمال الخطة التي بها تكون الثمرة المرجوة.
فالأساس الأول لعملية التعليم, وحتى يأتي بثماره المُبتغاة, تربية العقول على التحصيل, والتفنيد واكتساب المعلومات, وتربية النفوس وتهذيبها على القيم والأسس التربوية الحميدة, فإذا ما فقد التعليم هاتين الثمرتين, فلا فائدة منه, إذا كيف تسمي هذا تعليما, وهولم يحقق الفائدة من وجوده. فإذا تخرج الطالب, معطل العقل, معطل الفكر, فقير النفس من الأخلاق والقيم, فلا بد من وجود خطأ جسيم, في العملية التعليمية.
والتطور البطيء, أو التطور الذي يراعي وضع المجتمع والبيئة, والذي لا يصدم جمهور الناس, هو ما نحتاج إليه, أن نتتقل من درجة إلى التي تليها, ومن حالة إلى التي تعقبها, أن نخطو درجاتها, حتى لو كلفنا سنوات. إن إغفال الوضع القائم والهيئة, التي عليها المجتمع, قد تؤدي إلى أزمة, قد تكون اجتماعية أو إقتصادية, أو حتى أخلاقية, تكون تبعتها اضطراب عظيم, على مستوى الفرد والأمة, تكون عواقبها غير محمودة فيضعف, من حيث كنا ننتظر القوة.
فلكل زمان أهله ورجاله وأفكاره ومعتقداته, فكل يوم يمر على الإنسان فهو إضافة جديدة في عالمه, ويجب لا نغفل التواصل بين الأجيال. إذاً ما هو الرابط الأساسي لربط الأجيال المتعاقبة, أو الصلة التي تربط بين السابق واللاحق؟ فتشكيلة الإنسان العقلية, تختلف كل يوم, بما يُستحدث من أمور, فالزمن لا يتوقف لحظة واحدة, فهو دائما يضيف الجديد, فلا بد إذاً من التغيير الجذري في بنية العقل العربي, وطريقة تفكيره, وتقبله للمعلومات, وأن يكون من المرونة بمكان, بحيث يكون مؤهل لهذه المستحدثات والتغييرات, الناشئة من مرور الزمن وتغييره, ولا بد من مراعاتها في تربية النشأ الجديد, حتى يتم التواصل بين الأجيال المختلفة, على أساس قوي يقرب المسافة بينهم, ولا يبعدها, فالأجيال التي لا تقبل فكرة التقارب والتنازل للتعاون, تؤدي إلى الإصطدام والتنافر والمباغضة, ولا تلتقي على أرض صلبة, لا بد من التذليل للعبور السالم, نحو عالم أفضل.