قال النبي: (ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى
عضوًا، تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى)
وما يُميّز العالم عن غيره هو أنّه قادر على
إستثمار المشاعر المتدفّقة التي تنتابنا عند ملاحظة الظّواهر الطّبيعيّة، مثل الحيرة، الغموض، والدّهشة، وتحويلها إلى فضولٍ بنّاء يدفعه للبحث والإستكشاف.
فما هى المشاعر؟ هي جملة من الأحاسيس تنتاب الإنسان، قد تكون مرغوبة أو غير مرغوبة، وتصاحبها تعبيرات جسدية متعددة،
وتتفاوت فترة وجودها فقد تستمر لمدة لحظات، وقد تبقى أطول من ذلك لشهور أو سنين.وهذه الأمور الباطنة والظاهرة بينهما
إرتباط ومناسبة، فإن ما يقوم بالقلب من الشعور والحال يوجب أمورًا ظاهرة، وما يقوم بالظاهر من سائر الأعمال، يوجب للقلب شعورًا وأحوالًا “ابن تيمية”
الحب هو أعلى درجات العاطفة إما العاطفة فهي أنواع عديدة منها الإنفعال منها البكاء والحزن منها الفرح والسرور منها الغضب منها
الهياج منها الإبتهاج فهي عدة أنواع متضادة وأعلى ما يكون فيها هو الحب وهذا ما يحثنا الإسلام على تبادله بيننا كمسلمين حيث قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إلا أدلكم على ما أن فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام “.
مشاعرنا هي التي تحدد مقدار سعادتنا وكيفية تعاملنا مع الحياة، فبدل أن تسيرنا مشاعرنا
حبذا لو استعملناها لمصلحتنا واستمتعنا بها وسيطرنا عليها. وفقا لبعض علماء علم النفس، عدم القدرة على السيطرة وضبط المشاعر هو السبب الرئيسي في العديد من المشاكل
النفسية مثل الإنهيار العصبي و القلق المزمن والكثير من الأمراض الأخرى.
وللإجابة عن سؤال لماذا حب المراهقة لا يدوم ؟ فيرجع هذا لأنه حب إعجاب لخصلة
أو خصال معينة في هذا الشخص بعينه وليس حب لكامل الشخص والسبب أنه لا يمكن أن يعرف إنسان أنسان أو شخص شخص آخر إلا
إذا عاش معه تحت سقف واحد فيحب فيه ما هو جيد وما هو غير ذلك لهذا كله حب المراهقة لا يدوم وأن دام فهو حب ناقص
ليس ناضج وهذا كله أيضاً بالتجربة المشاهدة والملموسة من خلال كثير من الناس إنما يظل في الذاكرة وكأنه أجمل حب ولو عاشه الإنسان حقيقة فإنه بعد سنين سيكتشف أن هذا الحب ناقص.
كل شيء يحدث في جسم الإنسان يكون مترابطًا، فعندما تمرّ بضائقة عاطفية أو أزمة نفسية أو مشكلة عامّة، فإن المشاعر السلبية
تسبب لك مرضا جسديا، لذلك فإن الاعتناء بحالتك العاطفية أمر مهم للغاية، وبالتالي التعبير عن مشاعرك السلبية واستبدالها بأخرى
إيجابية سيساعدك في النهاية على إنقاذ نفسك، والاهتمام بصحتك، والحفاظ عليها بشكل جيد.
لا تنسي دعاء الرسول عليه الصلاة والسلام وهو أعف الناس حين سأل ربه فقال ” اللهم أني أسألك الهدى والتقى والعفاف و الغنى ” فانظر كيف أنه سأل العفاف وهو متزوج
وعفيف ولكن قصده هنا عفاف القلب والنظر وليس فقط الفرج والله أعلم ، أشغل فراغك فيما يرضي الله وأشغل فراغك بالأعمال
المنزلية فهي كالرياضة تقضي على الطاقة الجسدية التي تشعل الرغبة الجنسية والعاطفية
أما بالنسبة للبالغين الناضجين فيتحول الحب إلى صداقة بعد عشرة طويلة ويكون عند ذلك أقوى من الحب ذاته لأنه يصبح خليط من
المشاعر التي فيها الرحمة والعطاء والبذل والتضحية والأيثارة على النفس وهذا كله لا يأتي إلا بعد أن يكون حباً في البداية وعشرة
ومخالطةً ثم مع الوقت ونضوج الشخص ووصوله إلى مرحلة في العمر تخف رغبة الجسد فيصبح الحب هو الصداقة بعينها
والوفاء بعينه فيستمر الاثنين معاً في عشرة وصحبة رائعة ولا شك يتخللها بعض السلبيات ولكنها لا تطغى على إيجابيات الصحبة والصداقة.
فالسلوك الذي يصدر عن الإنسان يكمن خلفه مسببات ودوافع، وهذه الدوافع تهدف لإشباع
إحدى حاجات الإنسان. تمثِّل المشاعر المتفلِّتة التي تسيطر على صاحبها دون أن يسيطر هو عليها عائقًا كبيرًا أمام تقدُّمه، وتمنعه عن
تحقيق أي إنجاز، وتوقعه في سلوكيات خاطئة تجعله يعيش في حالة من الندم وتأنيب الضمير.
وتشير دراسة لجامعة “كارنيجي ميلون” الأمريكية إلى أن “المشاعر” كثيرًا ما تشكل عاملًا حاسمًا في الإقتصاد سواء على
المستوى القومي أو حتى على مستوى الشركات، بل وعلى مستوى الأفراد أيضًا. أما على المستوى الفردي، فالتقت دراسة لجامعة
“يل” مع أكثر من 3000 عامل في صناعة النسيج في أكثر من دولة، واتضح أن هؤلاء
الأكثر “ثقة” و”تفاؤلا” تزيد إنتاجيتهم عن هؤلاء الأقل في الجانبين بنسبة 12-23% مع
جعل العوامل الأخرى مثل الرواتب والماكينات المستخدمة ثابتة.
فالمشاعر تلعب دورًا مؤثرًا في تخفيف ثقل
ومشقة المهام والواجبات والتكاليف؛ فالمشاعر الإيجابية تجاه سلوك معين ترفع الهمة وتزيد
من الإستعداد لعمله دون ضجر أو ملل، وبالعكس لو فقدت تلك المشاعر الإيجابية؛ فقد تدفع الشخص إلى التهرب من القيام
بالسلوك المكلف به أو تأديته بأداءٍ ضعيفٍ وصورة روتينية.
وكثيرًا ما ترتبط “الثقة” و”التفاؤل” بتمتع العامل بمهارات عالية في عمله، بما يجعل
للأمر تأثيرين إيجابيين، الأول مادي وملموس ومتعلق بالمهارات، والتي عادة ما يسعى هؤلاء
“المتفائلون” لتنميتها، والآخر متعلق بما يشعر
به العاملون وليس ما يقدمونه بشكل عملي.لأن مشاعر الإنسان جزء أصيل من تكوينه، ولها وظائف هامة في حياته فهي
محرك أساس لسلوكه وتصرفاته، ومفتاح للدخول لشخصيته والتأثير فيه.
إستثارة المشاعر وتوظيفها قد تُحدث تغييرًا
في السلوك أسرع من المنطق والتفكير، وإجادة المربي لفن توظيف المشاعر بصورة
إيجابية محفِّزة وداعمة للإستقرار النفسي يعدُّ من ركائز صناعة النفوس العظيمة وتوجيهها نحو السلوك السوي.
اجرت دراسة “كارنيجي ميلون” استبياناً على 400 شركة صغيرة في الولايات المتحدة، وأظهرت زيادة إنتاجية العاملين في 239
مؤسسة عن البقية بسبب وجود نظام واضح للترقي والحصول على الزيادات المادية، سمح لغالبية العاملين في تلك الشركات بالتعبير عن شعورهم بـ”العدالة” في شركتهم.
دور المربي لا يقف عند إقامة علاقات اجتماعية جيدة مع المتربي ومؤانسته فحسب؛ لكنه يتعدى ذلك إلى العمل على بناء
مشاعره، وتعويده على ترجمتها في سلوكيات إيجابية تعود عليه وعلى من حوله بالنفع. ضبط المربي لإنفعالاته المعبرة عن مشاعره،
فعندما يشاهد المتربي طمأنينة مربيه في التعامل مع موقف ما يشعر تجاهه بالراحة، ولو واجه موقفًا مشابهًا مستقبلًا فإن هذا
الشعور يصاحبه ويتفاعل معه كتفاعل قدوته.
والمربي الذي يراعي مشاعر الآخرين ويتعامل معهم بلطف على مرأى ومسمع من المتربي يزرع محبته في قلبه، ويشجعه على التخلُّق بالخلق نفسه، أما المربي الذي يستخف
بمشاعر الآخرين ويتسلط عليهم فإنه يزرع في نفس المتربي مشاعر الضغينة والكره، ويزرع في نفسه احتقار الآخرين، ويدفعه ذلك للبحث
عن أخطائهم والاستخفاف بمشاعرهم.
كما يجب توجيه المتربي لتقبل المشاعر السلبية التي تنتابه (الخوف – الحزن – الألم): فمن المستحيل تجنُّب تلك المشاعر أو محاولة إبعادها عن الفرد، والواجب على
المربي أن يُعلِّم المتربي كيفية التأقلم مع تلك المشاعر وتوجيهها لمساعدته على البقاء.
الوقوف مع المتربي في أزماته، والإصغاء له عندما يبدي مشاعره تجاهها، وإظهار الاعتراف بها والتعاطف معه.
وإشعار المتربي بالحب والاحترام حتى عندما يبدر منه سلوك غير مرغوب، وأن يوجه النقد للفعل وليس لذاته التي يجب أن لا تمسَّ بسوء، وأن يُشعره بالحنان والرحمة أثناء نصحه.
وملاحظة مشاعر المتربي وتفقدها، وقراءة تعابير وجهه وردود فعله، والاطمئنان عليه بأسلوب يشعره بالاهتمام: فعن مالك بن الحويرث قال: أتينا النبي ونحن شَبَبَةٌ
متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظنَّ أنا اشتهينا أهلينا، فسألنا عمّن تركنا في أهلينا؟ فأخبرناه -وكان رفيقًا رحيمًا- فقال: (ارجعوا
إلى أهليكم فعلِّموهم ومُرُوهم، وصلُّوا كما رأيتموني أُصلي، فإذا حَضَرت الصلاة، فليُؤذِّن لكم أحدُكم، وليؤمكم أكبركم.
وأختتم بإن تنمية الشخصية لا يحتاج إلى
مال ولا إمكانات ولا فكر معقد، وإنما الحاجة تكمن في الإرادة الصلبة والعزيمة القوية. إن الثقة تكتسب وتتطور، ولم تولد الثقة مع إنسان حين ولد.
الإنسانَ هو حجر الأساس في العمل التربوي، والإنسان مجموعة من عواطف، فجهل المربي بالتعامل مع هذه المشاعر أو غفلته عنها له
نتائج خطيرة على الفرد والمجتمع، من أهمها فشل المتربي في حياته، أو فشل العملية التربوية برمَّتها، مما يوجب على المربين
والمؤسسات التربوية العناية بهذه المسألة، وتقديم الحلول الناجحة للتعامل معها دون إفراط أو تفريط؛ للوصول للأهداف التربوية
المرجوة، وتحقيق إستخلاف الإنسان في الأرض وعمارتها.