زادت أزمة ظاهرة أطفال الشوارع مع زيادة الكثافة السكانية، ولعل ثورات الربيع العربي زادت من انفجار تلك الظاهرة، اتخذ أدباء الغرب والعرب من هذه الظاهرة مادة ثرية لأعمالهم الأدبية، مؤكدين أن هناك علاقة وطيدة لا تنقطع بين الأدب والمجتمع.


أطفال شوارع لندن
الكاتب الإنجليزي تشارلز ديكنز، يعد من أوائل الكتاب الذين رصدوا هذه الظاهرة، ولفتوا الأنظار إليها، في عام 1837 بدأ ديكنز كتابة رواية أوليفر تويست، وهي أول رواية يصور فيها ديكنز الشرور الاجتماعية والظروف الرهيبة في الملاجئ والإصلاحيات، والرواية تصور عالم لندن الإجرامي الخفي على نحو حي، موضحا كيف يدخل أطفال الشوارع بسهولة بالغة عالم الجريمة تحت تأثير الكبار الذين يستغلونهم لمصلحتهم الشخصية.
ذاكرة شرير” والعلاقة بين التسول والتسكع
وما كتبه الروائي السوداني منصور الصويم عن أطفال الشوارع في رواية “ذاكرة شرير”، ومرثية أطفال الشوارع للشاعر المغربي بن يونس ماجن بعنوان “هم الآن يكنسون الرذاذ”، فهو يرى التسول والتسكع توأمين يسكنان بذاكرة الشوارع، أما الفقر والجهل فهما رفيقان في العوز والعتمة.
وفي رواية “تغريد البجعة” للأديب سعيد مكاوي، ورواية “مواقيت الصمت” للأديب خليل الجيزاوي، يتعرف القارئ، على ملامح أولئك المهمشين المنسيين من أبناء الفقر والصمت. وتعليقا على ذلك قال الكاتب مكاوي سعيد: إن تناول الأدب لظاهرة أطفال الشوارع، محدود للغاية، سوى روايتي ” تغريدة البجعة، أبو الوفا المصري”، ثم ظهرت في التسعينيات أعمال ليست مؤثرة. واستنكر سعيد التناول الإعلامي سواء تليفزيون أو صحافة، لظاهرة أطفال الشوارع، ووصفها بـ”المتخلفة”، والتي تنتمي للثقافة الضحلة، مشيرا أنها صورة نمطية لم تحتك بهذه الفئة. وأوضح أن هناك فرقا بين أطفال الشوارع والباعة الجائلين، فالأوائل غالبا ما لا يعملون، وطالب من يتناول هذه القضية بالاحتكاك وفهم الظاهرة كما يجب قبل تناولها والكتابة عنها.


زقاق المدق”.. وانتشار الظاهرة
فيما قال الكاتب حلمي النمنم: إن ظاهرة أطفال الشوارع ليست جديدة، على المجتمع أو الأدب، فهي موجودة منذ أواخر القرن التاسع عشر، لكنها زادت في الأيام الأخير مع الكثافة السكانية. وأشار النمنم أن معظم الروايات التي تناولت قضايا اجتماعية، تطرقت إلى ظاهرة أطفال الشوارع، وأشهرها رواية ” زقاق المدق”، للأديب الراحل نجيب محفوظ. وأضاف لا يمكن أن تدور أحداث رواية بأكملها حول ظاهرة أطفال الشوارع، فهو شئ صعب أدبيا، وإذا كان فلا يمكن أن نطلق على هذا العمل رواية.
ظل ملف أطفال الشوارع وصمة عار متوارثة فى جبين الحكومات المتتالية سواء قبل الثورة أو بعدها وما من حكومة تم تشكيلها على مدار العقود الأربعة الماضية، إلا وتعهدت بأن تولى هؤلاء الأطفال رعاية خاصة غير أن تلك التعهدات ذهبت أدراج الرياح فى الغالب.


أن هؤلاء الأطفال تم استغلالهم سياسياً من قبل جماعة الإخوان الإرهابية فى كثير من الأحداث، ويتم استغلالهم باستمرار جنائياً فى كثير من الجرائم، ومن ثم أصبح لزاماً على الحكومة إيجاد حل لهذا التحدى الكبير الذى يهدد أمن مصر وأمانها
هؤلاء الأطفال ليسوا مجرمين بالفطرة ولكن الظروف دفعتهم إلى ذلك فمعظمهم من الفقراء الذين لا يجدون قوت يومهم، يتعرضون فى الشارع إلى كل أشكال العنف والاستغلال، سواء إستغلال جسدى أو مادى، وطوال الأعوام الماضية وهذه الظاهرة تتنامى باستمرار حتى أصبحت كابوساً يؤرق المجتمع المصرى يوماً بعد يوم، وإن اختلفت التقارير فى تحديد حجم الظاهرة، فالهيئة العامة لحماية الطفل ذكرت فى أحد تقاريرها أن حجم هذه الظاهرة يصل إلى 2 مليون طفل، إلا أن وزارة التضامن الاجتماعى جاءت بإحصائية جديدة فى تقريرها الأخيرة مشيرة إلى أن حجم الظاهرة هو ستة عشر ألف فقط
لقد تعرض المجتمع الموريتاني التقليدي المحافظ لهزات عنيفة ناتجة عن عقود من الجفاف والتصحر أدت إلى هجرة ريفية كبيرة نحو مدن فتية لم تستعد لاستقبال أمواج المهاجرين الجدد الذين لم يتعودا سكنى المدن ولم يتأقلموا مع شروط المدينة، وهو ما أنعكس على النواحي الاجتماعية فتزايدت معدلات الطلاق وتكاثرت نسب التفكك الأسري وتناقص التكافل الاجتماعي القبلي التقليدي.


كان الأطفال الضحية الأولى لكل تلك التطورات ففقدوا الحنان والعطف واضطر كثير منهم -بعد أن وجد نفسه خارج مظلة العائلة وتوجيهها- إلى السرقة، واستغلت بعض العصابات الإجرامية الوضع فأوقعت العديد من الأطفال في شراك المخدرات لتستغلهم في السرقة وغيرها من الأنشطة الإجرامية، فيما تعرض من سَلم من تلك العصابات إلى سوء التغذية ليصبح فريسة للأمراض.


أسباب للظاهرة فيما يلي:
1- أسباب اقتصادية : الحالة الاقتصادية للبلاد، بعد موجات الجفاف المتلاحقة ومع تبني سياسة لبرالية لا تعير كثير اهتمام لمجانية الخدمات الضرورية
2- أسباب اجتماعية: في المجتمع الموريتاني الذي تنتشر فيه ظاهرة الطلاق بشكل كبير دون وازع قانوني


3- أسباب ثقافية: شكلت ظروف الحياة في المدن وانتشار محلات الفيديو ودور السينما التي تبث أفلام العنف والخلاعة دون رقابة وانتشار الصحف والمجلات الغربية الإباحية
جينكات” عنف وسجون ومخدرات
الفئة الأخطر من بين أطفال الشوارع في نواكشوط هي فئة من المراهقين عرفوا باسم “جينكات” وهم عصابات من المراهقين يتحمل كل شخص منهم التزامات خاصة تجاه بقية أعضاء العصابة، يتزعمهم أقواهم وأكثرهم احترافا في عالم الإجرام وغالبا ما يكون مسلحا بالسلاح الأبيض، يتميزون بأنواع خاصة من حلاقة الرؤوس منها ما يسمونه ZOULOU ومنها GACSONE لهم مشيتهم الخاصة غير المستقيمة و يستخدم بعضهم نظارات سوداء، مثلهم في الحياة نجوم السينما والموسيقى من أمثال “رامبو” ، و”بريسلي”، و”دراماندرا”، و”مايكل جاكسون”، يتميزون بانحلالهم الخلقي وتوجهاتهم الإجرامية
أسوأ أسرة خير من أفضل مركز إيواء
قبل عشر سنوات لم يكن يعمل في مجال أطفال الشوارع سوى منظمة “كاريتاس” المسيحية بالتعاون مع وزارة الصحة والشؤون الاجتماعية الموريتانية أما الآن فقد تزايدت الجهات المهتمة بالظاهرة مع استفحالها، ومن بين الجهات المهتمة جمعية “صلة الرحم”، ومنظمة “أرض الرجال” ومعهد “مريم جلو للأطفال” وجمعية “الأطفال والتنمية في موريتانيا”، وغيرها من الجمعيات غير الحكومية.
كما أن السلطات الرسمية أصبحت أكثر اهتماما بالظاهرة وانعكس ذلك جليا في تعاونها الجيد مع المنظمات غير الحكومية في هذا المجال، ومع ذلك فإن إمكانات هذه المنظمات لا تزال دون المستوى بكثير
تجارب دولية
ولما كانت ظاهرة أطفال الشوارع واحدة من الظواهر المرتبطة بالمجتمعات النامية والفقيرة، فقد عانت منها كثير من دول العالم ومنها البرازيل التى قامت فى نهاية القرن الماضى باتباع برنامج لمدة 5 سنوات للتعامل مع ظاهرة أطفال الشوارع، تم من خلاله تقديم الحماية الاجتماعية الأساسية للأسرة، والأفراد فى حالات الفقر الشديد، والأسرة التى تعانى من التفكك الأسرى، وتم توفير المساكن والمشروعات الصغيرة لهم، بالإضافة إلى توفير مدربين مؤهلين للتعامل مع هؤلاء الأطفال، وتوفير نظام صحى وتعليمى جيد لهم.
كما تنفذ دولة كمبوديا مشروعاً آخر وذلك بفتح مطاعم يعمل فيها أطفال الشوارع وبذلك وفرت الحكومة مصدر دخل ثابتاً لهؤلاء الأطفال وأسرهم.
هذه التجارب وغيرها لابد أن تكون هى المثال الذى يحتذى به فى معالجة قضية أطفال الشوارع ومن ثم لابد من أن تتبنى الحكومة المصرية مشروعاً متكاملاً لإعادة إدماج هؤلاء الأطفال فى المجتمع مرة أخرى، بالإضافة إلى توفير مصدر دخل ثابت لهم ولأسرهم
التجربة المصرية
فى بداية القرن التاسع عشر، وبعد تولى محمد على حكم مصر عام 1805، وبعدما استتب له حكم مصر، وقضى على كل معارضيه من إنجليز ومماليك وزعماء الشعب، تفرغ لبناء مصر الحديثة، وكان التعليم هو قوام نهضته، ومن ثم أرسل رجاله يجوبون شوارع مصر بحثاً عن الأطفال لتعليمهم، ورغم أن ظاهرة أطفال الشوارع لم تكن منتشرة وقتها، إلا أنه جمع عدداً من أطفال الأسر الفقيرة، ومن نبغ منهم تم إلحاقه بالتعليم ومنهم من سافر فى البعثات التى أرسلها محمد على إلى أوروبا وعلى رأس هؤلاء رفاعة الطهطاوى ومن كان منهم محدود الذكاء تم تعليمه حرفة، وعلى أيدى هؤلاء قامت نهضة مصر الصناعية فى القرن التاسع عشر، واليوم ومع تنامى حجم الظاهرة وتحولها إلى كارثة تهدد أمن مصر سواء جنائياً أو سياسياً، أصبح لابد من تبنى تجربة مشابهة للقضاء على هذه الظاهرة
يجــب إصدار قرار جمهورى لتفعيل صندوق رعاية الأمومة والطفولة المنصوص عليه فى قانون الطفل، وتفعيل دور لجان الجماعة الفرعية المنصوص عليها فى قانون الطفل أيضاً لرصد أطفال الشوارع داخل نطاق كل قسم شرطة، وإجراء دراسة حالة لكل طفل على حدة لتحديد أسباب خروج هذا الطفل للشارع، خاصة أن حوالى 80٪ من هؤلاء الأطفال ينتمون لأسر موجودة ولكنهم تركوها وخرجوا إلى الشارع، مع ضرورة تأهيل هؤلاء الأطفال سلوكياً وتربوياً قبل إعادة دمجهم فى محيط الأسرة، مع متابعة حالة الطفل بعد عودته إلى أسرته حتى لا يخرج للشارع مرة أخرى، أما الأطفال الذين ليس لهم أسر ويمثلون 20٪ من حجم الظاهرة، فيمكن إيواؤهم داخل دور رعاية يتم الإشراف عليها من قبل خبراء متخصصين على أن تتبنى هذا الدور مشروعات تعليمية وإنتاجية يعمل فيها هؤلاء الأطفال، وتكون وزارة التضامن الاجتماعى هى المسئولة عن الإشراف على هذا الدور سواء كانت تابعة لها مباشرة أو تابعة لجمعيات أهلية.
لقد لخصت الإخصائية الاجتماعية “زينب سيلا ” هذه الأسباب في معرض ردها عن سؤال عن أسباب هذه الظاهرة قائلة :”الأسباب هي الفقر، الطلاق المتفشي بدون رادع، نقص رقابة الآباء وعدم تحمل بعضهم للمسؤولية الأسرية، عدم توفر النوادي الرياضية والأنشطة الثقافية الخاصة بالأطفال والمراهقين، إضافة إلى الدور السلبي لنوادي الفيديو، وتدني المستوى التعليمي، وغياب المسؤولية بين المعلمين… إنني أدعو كل العقلاء إلى الانتباه إلى ما يعانيه رجال المستقبل من أخطار ينبغي الشروع من الآن في محاربتها، إن المتجول في شوارع نواكشوط لَيرى الكثير من المشاهد التي يجهش لها الفؤاد”.