ميناء الفاو والتكالب والدولي
رحيم الخالدي
أعدّت الحكومة العراقية في ستينيات القرن الماضي الخطة الإقتصادية الخمسية، وبإشراف وزارة التخطيط ومن قبل خبراء عراقيين، وبالتعاون مع أخرين عالميين معترف بشهادتهم، بهدف تطوير العراق والنهوض بِهِ لمصافْ الدُول المُتقدمة، والخروج من تصنيف الدول النامية.. تلك الخطة كانت تهدف ضمنا للتخلص من الإستعمار الجاثم على صدر العراق، والشركات الإستعمارية التي تتقاسم مع العراق الإيرادات، من بيع النفط المستخرج حديثاً .
إستمرت تلك الخطط، والتي لم تعرفها كل دول الشرق الأوسط حينها، وأظهرت نتائج حقيقية.. وكانت المدارس والمرافق الصحية، من المستشفيات والمستوصفات، والفرق الصحية الجوالة كانت "السمة الأبرز" لها، ولا ننسى المساكن التي أُسِسَتْ في كل محافظة مجمع كبير، لا يقل كل مجمع عن مئة دار سكنية، بإيجار سنوي بسيط لا يتعدى ستة دنانير حينها، وسميت تلك الأحياء في حينها "حي الاسكان" وكانت حصة بغداد منها مجمعين، أحدهما كان في المنصور، والآخر في بغداد الجديدة .
الخامس من نيسان من عام ٢٠١٠ تعاقد العراق على إنشاء ميناء الفاو، الذي تبلغ تكلفة المشروع حوالي أربعة فاصل ستة مليار يورو، وتقدر طاقة الميناء المخطط إنشاؤه بتسع وتسعين مليون طن سنوياً ليكون واحداً من أكبر الموانئ المطلة على الخليج العربي والعاشر على مستوى العالم، لكن يبدوا أن هذا المشروع ايقظ اعداء العراق المحاصر، ليضعوا العراقيل بوجهه وليومنا هذا برعاية أمريكا، المسيطرة على القرار السياسي في المنطقة غالبا.
توجهت الحكومة العراقية خلال عهد السيّد "عبد المهدي" القصير نحو الصين، للتعاقل على تطوير بُنى تحتيّة من مصانع وجسور، ومحطات تحلية المياه ومرافق صحية، ومدارس ومساكن عمودية وافقية، وجيل جديد لخدمات الهواتف النقالة، وتعبيد الطرق وتأهيل أخرى ومجاري المياه، وأهمها محطات توليد الكهرباء، بعد اليأس من أمريكا وشركاتها الناهبة! التي تفتعل الأزمات والتعطيل..
كذلك كان بناء ميناء الفاو مع ملحقاته ضمن نفس التوجه، وربطه بطريق "الحرير" لكن هذا الملف كان الشرارة التي أشعلت الشارع.. بعد اليأس من عبد المهدي من الغاء العقد المبرم، لقاء مئة الف برميل نفط يومياً.
التعطيل بائن للعيان والغرض منه هو إستبدال الميناء بغيره من الدول المطلة دون توقف قناة السويس، كذلك موانئ الخليج، وإنهاء مرور طريق "الحرير" من العراق، لانه في حال إنجازه وعمله ستتأثر كثير من الدول، التي تكن العداء للعراق!
هذا الدول تعمل حسب الأوامر الأمريكية المستعمرة للدول المستضعفة، وهنالك كلام رائج في الأوساط الإعلامية، أن سياسيين عراقيين قبضوا ثمن هذا التعطيل، وما تعاقد الرئيس الموقت مع مصر، باتفاقات خارج السياقات إلاّ دليل واضح على ذلك.. والظاهر أن الحكومة المؤقتة ضالعة بذلك أيضاً .
التهافت على توقيع العقد بهذه السرعة مع الشركة الكورية المملوكة أمريكيا والفاشلة في هذه الفترة يثير العجب، وهنا يقفز السؤال، أين كانت الحكومة في فترة التعطيل؟ ولماذا لم يُعلن التنافس بين الشركات، سيما الصين التي قدمت تسهيلات من الغباء إهمالها؟ وكم كان ثمن التوقيع مع الشركة الكورية، التي أهملت المشروع طيلة السنوات الماضية؟
هنالك أيضا كلام في الأروقة يقول أن أحدى الكتل قبضت ثمن الإحالة وإتفقت مع أمريكا لإنهاء طريق الحرير، ولو كانت الشركات الصينية بدل الشركة الكورية، لكان الميناء اليوم بعمل كخلية النحل، حاله حال ميناء كوادر الباكستاني الذي إستثمرته الصين .
طريق "الحرير" لو تم وفق المخطط الصيني، لأصبحت المنطقة آمنة جداً، لان مصالح الدول ستكون رهن الأمن في العراق، ناهيك عن الإستفادة للمواطن العراقي، وتوفير ملايين فرص العمل، وسيكون وفق التقديرات أفضل من الإيراد النفطي، إن لم يكن أكثر منه، لأنه سيكون بوابة أوربا، ومن غير الصحيح أن تكون المنطقة مشتعلة، سيما سوريا التي تتواجد بها قطعات عسكرية أمريكية تدير ملف الدواعش، وتنقلهم من منطقة الى أخرى بغرض البلبلة، في هذه المنطقة بالخصوص، ولو تم تنفيذ إخراج المحتل حسب قرار البرلمان العراقي، ستقل السيطرة وتنتهي الهيمنة الإستعمارية .
لو بقي الوضع كما هو عليه من السكوت المطبق، دون محاسبة الجهة الفاسدة التي أنهت العقد، فأن الشرفاء في يوم من الأيام لن تتسامح أؤلئك الفاسدين..
أما النفط الذي يتكلمون عنه، فها هي دول ومنذ عقود مضت ليومنا هذا، تأخذه قسم منه مجاني، والآخر بأثمان زهيدة، مقارنة بالصين التي قدمت تسهيلات سواء بالنفط على مدى عشرين عام، أو البنوك الصينية التي تمول المشاريع، فيما الشركة الكورية تريد الثمن نقدا..
التاريخ لن ينسى من يخون بلده ويسرق أبناء شعبه، ومن باع نفسه للشيطان وعمل على تعطيل الميناء سيحاسب يوما ما، ولن يكون هذا اليوم بعيدا ابدا..