دخل وهو يقدم قدما ويؤخرها خائفاً، وهو الذي يمر كل يوم ويرى طفلة تلهو امام هذا الحلاق ومن خلفها امها التي تبتسم للقادم والرائح.


رحبت به والطفلة ايضا بلغتها وحديثها الذي هو كالعسل المصفى بعينين زرقاوين وفستان ازرق وذو اكمام بيضاء و طرقين في اذنيها وشعرها القصير البني اللون.


اخذت معطفه واجلسته على الكرسي ،

وصاحبنا يقلب شعره الطويل الخفيف وطلب منها ارجو تقصيره على نفس طوله ( مفردة عربية صرفة) اي تشذيبه(ايضا هذه كذلك) قالت : اوكيه وبدأت القص(قصة). وكما هي عادة الحلاقين ، يتحدثوا كما الراديو في اطراف محلاتهم من موجة وموجة وفي كل شي وعن اي شيء وبطولات! وكأن الاحرف رصاص حرب.


هو يريد الحديث مع الطفلة فقط.


سأل الام : اني ارى ابنتك معك من الصباح الى نهاية ساعات عملك.


قال: نعم ، وما ادراك ؟ 

قال : اسكن بالجوار و يرى رحيق ابتسامتها كل يوم.


اسمك يا اميرة..

ضحكت وحبات اسنانها تلمع اسمي : ماغي.


قال : مثل ماغي راين الممثلة المشهورة


ابتسمت بدورها

وقال : ماذا تعملي كل يوم.


قالت: ارسم والون واشاهد التلفاز، انظر لرسوماتي 

ابتسم وقال : جميلة ورائعة كجمالك.

ابتسمت وخجلت وذهبت حيث كريسها الابيض الصغير.


سألت الام 

من أين انت؟


قال : من السعودية


قالت: غريب وتقص شعرك عند سيدة ، تبدو مرتاحاً وغير منزعج.


ابتسم ابتسامته الصفراء ، وقال : سيدة مثلك يرفض ان يكون بين يديها ، لم تعلم ان السبب هو لكي يتحدث مع هذا الملاك الذي يراه في المرٱة امامه.


قالت : كان لدي زبون سعودي مقيم هنا اقامة دائمة ، وثري جداً وسيارته فارهة 

يقول : ان السبب في ذلك هو لكي يأخذ حريته التي لا يجدها هناك.


سألها ما اسمه ، نوعا من الاحراج ، تلعثمت وقالت لا اعرف اسمه.


أهذا صحيح عن بلدكم ؟.

قال : بعد صمت طويل ، ممكن ولكن ابحثي عن اسباب اخرى ايضا.


و قالت : ايضا اختلاف المذهب لديكم مشكلة ايضاً


هنا بدأ صاحبنا يقطب حاجبيه ، وقال : اتعلمي ان بين اربع عائلات بريطانية عائلة single parent 

هنا ابتسمت الابتسامة الصفراء كما هو صاحبنا وعقدت الحاجبين 

وغضبت عرفت ان جلسة التحقيق انتهت وهو قلق والمقص بدأ الجري سريعا على شعره.


غير الموضوع وقال : بظنك كيف كان شكسبير وديكنز وفلمينق وشو وتشرشل على هذا الكرسي وضرب بيده على الكرسي 

قالت : مبتسمة ما ادري ، ربما كما نحن. **



**

لسبب ما تذكر صاحبنا 

الحلاق المصري الذي كان يقص شعره واخوته وهو صغير 

فتحي ، ابو محمد 

الخمسيني ذو الكوفية (الطاقية ) المهترئة , يظنه رحل عن الدنيا ،كما محله


وكرسي الحلاقة الاحمر الممزق الاطراف واسفنجه الخارج من جنباته.

وهو يتذكر جيدا كيف كان يكتم انفاسه بيده الكبيرة على وجهه الصغير ورائحة اليد كلها سجائر!. ويتذكر ايضا المسجلة ذي البابين التي احدهما مكسور والازرار المشكلة وصوت 

ام كلثوم وحليم وشادية يأتي متقطعا 

وكأس(ه) الشاي الملئية سكر


وضحكته المجلجلة واحادثيه القريبة من هذه الاحاديث 

يتذكر الادوات القديمة والموسى الحاد جدا التي دوما ما يجرح اطراف سوالفه والتي تجري دماؤه دوما ويعتذر فتحي بتبليل منديل في فمه و يحاول ايقاف جريان الدماء وتحرقه ربما لبقايا البصل في فمه!!. كل هذه الذكريات مرت عليه واذا بالسيدة تقول انتهيت 

قام واهدى الطفلة شوكلت بار وشكرته والام بدورها 

ومضى راحلا.