تلغراف: طمنا عليك فنحن فى أشد الحاجة إليك ...أحضر حالاً...  غيابك أكثر من ذلك سيسبب كوارث لا حصر لها. الجميع فى خطرحتى من امتهنوا الفساد. يا ضمير الفرد يا روح الجماعة. يا ترمومتر الخير يا رمز الوداعة. عد يا قلب الأمة يا كاشف الغمة. عد قوياً أبياً يا ربيب الأديان.فى غيابك يقال الف مبرر، وتضيع الحقائق ونضيع معها ،فعد وأيقظ أخواتك من على الوسائد، واركل برجلك الضمائر الناعسه. عد يا صديقى وأشفى أخوتك من ضمائر عفنة ماتت منذ سنين. فقد إزداد الضجيج وأنتشرت الضوضاء، والأمور البسيطة تعقدت بغيابك. وصارت المدن غابات موحشه.

 

و لا تحسبن الله يغفل ساعة …… ولا أن ما يخفى لديه يغيب

 

اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك و يذل فيه أهل معصيتك و يؤمر فيه بالمعروف و ينهى فيه عن المنكر.لم يعد العالم ينتظر الخلاص على يد العلم، ولكن في أن يُبعث الضمير الإنساني من جديد"| مالك بن نبى. فهو لا يحول أبداً دون ارتكاب الخطيئة ، و لكنه يمنعك من الإستمتاع بها.

 

ويعتبر «اليوم الدولي للضمير» من بين الأيام الدولية التي اعتمدتها الأمم المتحدة مؤخرا؛ استجابة لمبادرة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، وذلك بناء على مشروع قرار تقدمت به مملكة البحرين باعتماد يوم الخامس من أبريل من كل عام يوماً دولياً للضمير، بهدف تحفيز المجتمع الدولي على حل النزاعات بطريقة سلمية. وتعتبر هذه وسيلة لتعبئة جهود المجتمع الدولي بانتظام لتعزيز السلام والتسامح والادماج والتفاهم والتضامن من أجل بناء عالم مستدام قوامه السلام والتضامن والوئام.

 

الضمير هو نور الذكاء لتمييز الخير من الشر، ففى داخل كل منا محكمة عادلة تبقى أحكامها يقظة في نفوسنا ، هي الضمير.فضمير مذنب هــو عدو حي. ولذلك قالوا الضمائر الصحاح اصدق شهادة من الألسن الفصاح . الضمير رقيب ذاتي: فهومجموعة من القيم تجعلك منسجما مع ذاتك وشخصيتك،سويا في نفسيتك،واعيا بمهمتك،محبا لها ولعرق الجبين الناتج عن القيام بها. كثرت الاحتفالات والاجتماعات والمؤتمرات الصحفية عندنا. هذا الضمير هو أنتَ الثاني الذي يُحاورك ويتحدث معك ويُقيمك ويُرشدك إلى الصواب.

 

حينما يموت فينا الضمير سيكون كل شئ مباح ولن تهون علينا انفسنا ولن يكن لدينا رادع يحسنا على العودة. مشكلة البشرية أنها لا تقف على إنسانيتها وتُعطي للضمير حقهُ. فالإنسان أذا أعطى قيمة لذاتهِ وأحبها كذات إنسانية لكانت حياتهِ معزوفة فريدة من كمان فريد، ولكانت مُجريات حياتهِ كمجرى ماء صافي عذب. يا الله ماذا نفعل بهؤلاء الذين غابت ضمائرهم وتلطخت بسواد الخطيئه. وبجرم المشهود نراهم في كل مكان بل صاروا في صدارة هذا الزمان، فالعيون امتهنت التمثيل ،و أتـقـنت فنون الخداع ،و زيف الأقنعة ،و القناعات .

 

كل البشر سواء آمنوا بديانة أو لم يؤمنوا يقرُّون بوجود ضمير.الضمير هوالرادع الأدبي، وبما أنه الرادع الطبيعي ، مِثل غريزة البقاء والخوف من الموت يبقي الإنسان ضمن حدود إنسانية معروفة ، هكذا الضمير الأدبي يبقي الإنسان ضمن حدود الخلقية الأدبية الصحيحة . هو شاهد يفارقنا. يرَى الناس ظاهر أعمالنا، أما المخدع الداخلي ، مخدع النيات فلا يدركه إلا هو . وهناك يزن درجة الانتباه ، وقوة الشهوة وجودة المقاصد ، ولا تخفَى عليه خافية من حياتنا. بوسعنا أن نرفض شهود الخارج ، أما هو فليس بوسعنا أن نجعله لا يتكلم ، فإنه ينظرإلينا بجرأة فيطمئنا أو يلزمنا أن نطأطئ رأسناً خجلاً .

 

إن الضمير يمثل منصة الحُكم في الإنسان، وكما أن القاضي لا يسن الشرائع بل يصدر الأحكام، كذلك الحال بالنسبة للضمير فهو يصدر الحُكم وفقَ ما يعرفه الإنسان عن إرادة الله حين إصدار الحُكم . وتدل عمليات الانتحار بصورة قاطعة على آلام الضمير التي يمكن أن تصبح أشد وطأة من رعب الموت نفسه. فإذا لم يستجب الفرد لندائه فإنه سوف يعاقبه عن طريق قوة داخلية من خلال الشعور وكراهية الذات ونبذها . ويقول علماء النفس والتربية : إن هناك عوامل وراثية وأخرَى بيئية تُضعِف الضمير وتُمزق قواه . العوامل الوراثية هي الذكاء ، فإذا كان الذكاء الذي يرثه الإنسان قليلاً محدوداً، كان تكوين ضميره ضعيفاً محدوداً أيضاً.

 

نمارس في كل يوم عدداً كبيراً من السلوكيات السلبية التي ننادي بمحاربتهانتصور أننا تحررنا من أغلال القهر والإذلال بمجرد قيامنا بثورة ورفعنا لشعاراتها البراقة ، حرية سلام عدالة، لكننا في الواقع لم نتحرر ولم ننجز شيئاً الى الآن. وغابت النخوة والشهامة والأمانة والإحترام وغيرها من القيم الإجتماعية التي نفتخر بها. حتاج الى جيل صاحب ضمير حي ونقي وطاهر. جيل يرفض ارتداء الاقنعة ويرفض ان يبيع ضميره ووطنه بأبخس الاثمان.نحتاج الى جيل واع بضمير وطني حي.

 

حينما يموت الضمير تنعدم الثوابت وتتققهرالمبادىء، وتنمو الانانية، يُزيف التاريخ، تتبدل الحقائق، تنتزع الذاكرة من جذورها، تتعطل إنسانية الفرد، بل تنعدم وتموت روحه، تهون الكرامة، تذل الانفس وتكاد زفراتها تحرق كل شي، تفقد الحواس قيمتها، وتعدوا الانسانية كلمة لامعنى لها ولا رديف .

 

فالسلوك الإنساني يحتاج إلى حارس! وإن كان الحارس في الغرب هو القانون، فإننا في عالمنا العربي نحتاج إلى وازع ديني ليوقظ الضمير الذي يحرس سلوكنا؛ وتقع الأزمة عند غياب ذلك الوازع الديني مع غياب القانون.

 

ولكن كيف الطريق لإحياء الضمائر؟ 

   1-  الرجوع إلى الله في تصرّفاتنا ، إذا كنّا غافلين.

   2- حسن الظنّ بالله، إذا كنّا قانطين.

   3- شكر نعم الله، إذا كنّا مسرفين.

   4- أداء جميع الحقوق، إذا كنّا مقصّرين.

   5- اجتناب الانحرافات ( آفات، جنس، ظلم، عري، درّاجات نارية، سرقة، طغيان، بذخ….) إذا كنّا مخطئين.

   6- حب مدينتنا الغالية، إذا كنّا غير معترفين بالجميل.

   7- العودة إلى سلوكنا الحضاري، إذا كنّا ناسين.

   8- دراسة القضايا بعلمية ومنطق واستشراف، إذا كنّا غير احترافيين.

   9- محاسبة النفس والاستغفار، إذا كنّا سبباً في حلول البلاء.

   10- الإستقامة، الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر، الاحترام، الحياء، من أسس الحضارة ومن إرث الأسلاف رحمهم الله، فلنكن خير خلف.

 

وماذا عن الضمير الأوروبى؟!

 

أدى تفاقم مأساة المهاجرين غير الشرعيين مؤخرا إلى أزمات سياسية وإجتماعية وأخلاقية في أوروبا التي تجد نفسها مضطرة للموازنة بين التزاماتها القانونية حسب المعاهدات الدولية ذات الصلة، وضرورات أمنية وإقتصادية وسياسية وضغوط متصاعدة من الرأي العام لا يمكن تجاهلها. وللأسف فان الأنباء حول مقتل العشرات بل والمئات من المهاجرين تتحول تدريجيا إلى "حدث إعتيادي". اما المواطن الاوروبي فيجد نفسه امام مشاعر مختلطة بين التعاطف مع مأساة المهاجرين مع انباء من نوع ان اكثر من 2500 غرقوا في البحر اثناء محاولتهم الوصول الى اوروبا، والقلق من الانباء حول عبور اكثر من 300 الف مهاجر البحر المتوسط. فاين الضمير الأوروبى والغربى من اطفال المجاعات وضحايا الأرهاب والأراضى المحتلة؟!

 

إن موت الضمير يظهر بين المشتري و التاجر وبين الأستاذ والطالب وبين المقاول و صاحب المشروع و بين الزوج و الزوجة و بين المسؤول و المواطن. ما نشاهده حاليا من حاله من الاستهتار لبعض المحتكرين للسوق في مجال الغذاء ،ومن بعض الجشعين الذين لا يهمهم الا جيوبهم دون ادنى وازع ديني او وطني تجاه صحة المواطن.

 

 

واخيرا .. يجب ان يراجع كل منا نفسه ويحاول ان يقوي ضميره اذا ضعف ويوقظه اذا نام ويعالجه اذا اعتل ،وإلا ستغرق السفينة وتهوى فى القاع دون أن ينجو منها. أتمنى أن نرقى بضمائرنا الحية إلى مجتمع يقلع بعزم و حزم ونهائيا عن الرشوة و التملق و النفاق و والخنوع و الاستسلام…أتمنى أن نرقى إلى شعوب النهضة التي تتنافس في تحقيق أعلى نسب القراءة للكتب التي تطالعها قراءة و دراسة كل سنة و عدد المقالات الفكرية و التربوية التي تنتجها والتي ترقى إلى طموحات الفكر الحر.