هذا الفصل بعنوان:

نهاية البداية 


-"إذا..ماذا لدينا هنا ؟، قال دايموند مطلقا لضحكه المجنون العنان، المدير سميث و اثنان من الثّمانية..هذا سيكون تحدّ جيّدا..."

-"لا!  لن يكون كذلك"، قاطعه جيلال واضعا سيجارة في فمه ثمّ أضاف بعد أن أشعلها و أخذ نفسا عميقا منها:

-" أنصحك بأن تستسلم الآن و إلاّ فانّ محاكمتك ستكون صعبة في ما بعد"

صرخ واحد في مقدّمة جيش العباءات السّوداء: "هجوم ! " ثمّ انطلقوا رافعين أسلحتهم في الهواء.

ظهرت هالة ذات لون أزرق سماويّ حول جسد جيلال ثمّ امتدّت منها المئات من الإبر طافية في الفضاء أمامه ، أخرج نفسا آخر من سيجارته قائلا :

-" دعونا ننتهي من هذا بسرعة"

فور إنهائه لكلامه انطلقت كلّ الإبر في آن واحد مصيبة كلّ فرد من ذلك الجيش ليتجمّدوا في أماكنهم على الفور مغلّفين بطبقة من الصّقيع.

-"هذا مذهل ! لقد جمّدهم جميعا في آن واحد !، قال دانيال غير قادر على إغلاق فمه ثمّ التفت إلى إميلي قائلا:

-"هل هذه نسخة أكثر تطوّرا من مهارة رصاص الخيوط خاصّتك ؟"

-" أ-أنا أظنّ ذلك"، أجابته بصوت ضعيف ثمّ حدّقت في قفّازيها قائلة في نفسها: " ذلك الرّجل..إنّه لا يستعمل خيوط الفيل أو قفّازات الإطلاق مثل أفراد شعبة العناكب..لقد حوّل هالته مباشرة إلى خيوط..تلك الحركة تستهلك الكثير من الطّاقة..هذا الرّجل..إنّه في مستوى آخر تماما" 

صفّق دايموند ببطء قائلا:

-" هذا جميل حقّا..كما هو متوقّع من ساحر من الثّمانية..لكن لديّ مفاجأة لكم."

تقدّم بقربه كلّ من نائبة المدير ريد و الأستاذ لي في صمت ثمّ أضاف قائلا:

-"سيّد سميث..طلّابك استطاعوا هزيمة خمس خطايا..الغضب، الشّراهة، الغرور، الحسد و الشّهوة إضافة إلى القائد الأعلى لهذا الجيش لكنّني تركت الأفضل للنّهاية"

بفرقعة من أصابعه أظهرت السّيّدة ريد هالة حمراء قرمزيّة حول جسدها ثمّ رفعت يدها اليمنى مطلقة منها أغصانا شوكيّة  تحمل بعض الورود الزّرقاء نحو الرّجال الثّلاثة ثمّ أخذت تدور حولهم محاولة صنع شيء كالقفص.

-"عليهم أن يفعلوا شيئا ما بسرعة !، صرخ مادوكا، قدرتها..قفص الورود..إنّها تستطيع جعلهم يفقدون وعيهم على الفور ثم ترغمهم على الدّخول في كوابيس لا تنتهي"

-"لقد أخبرتك..هذا يكفي"، أجابه المدير سميث بنبرة غاضبة ضاربا الأرض بعكّازه فأحدث موجة سوداء في كلّ أرجاء المكان و تلاشى قفص الأشواك بلمح البصر تاركا أوراق الورود الزّرقاء تطير في الهواء.

" المدير سميث..،قال مادوكا في نفسه وقد اتّسعت عيناه، لقد ألغى قدرة تنويم السيّدة ريد بضربة واحدة من عكّازه."

لم تكد الورود الزّرقاء أن تختفي حتّى انطلق لي راميا بطاقات الفاي أمامه ليقفز من فوق واحدة لأخرى حتّى اقترب من جوناثان سيغارد لكنّ هذا الأخير حوّل خواتمه بلمح البصر إلى خمس بطاقات معدنيّة و جعلها تدور حوله بسرعة هائلة متصدّية لبطاقات لي المعزّزة.

-" أنا أحترمك كثيرا يا سيّد لي، قال جوناثان بصوت هادئ مثبّتا نظّارته على أنفه الحادّ، لقد سمعت عن قدرتك على تغيير طبيعة بطاقات اللّعب لتصبح قادرة على قطع أيّ شيء لكن لا شيء قادر على هزيمة معدن التّنقستن"

لم يتوقّف لي و لو للحظة واحدة عن تسديد ضربات متتالية نحو السيّد سيغارد لكنّ كلّ هجماته باءت بالفشل حيث استطاعت بطاقات التّنقستن التصدّي لكلّ هجمة كأنّها تتنبّأ بمكانها.

-"أمر لا يصدّق، همست رايلين، البطاقات الخمس..كأنّ لكلّ واحدة منها وعيها الخاصّ..كلّ واحدة تتصدّى للهجمات دون أن يحرّك والد نايثان إصبعا واحدا."

توقّف لي عن الهجوم للحظات ثمّ بدأت هالته بالتركّز عند إصبعين من كلّ يد السّبّابة و الوسطى ثمّ اتخذ وضعيّة القرفصاء و بدأ يتنفّس مغمضا عينيه محرّكا يديه ببطء لتشكيل دائرة و خلال لحظات فتح عينيه و سدّد بلمح البصر ضربة نحو صدر جوناثان و في اللّحظة التي كاد إصبعاه يلامسان بطاقة التّنقستن التي توقّعت مكان الضّربة غيّر اتجاه هجومه بطريقة انسيابية ليخترق دفاع السيّد سيغارد و يسدّد ضربة نحو بطنه لولا أنّ بقيّة بطاقات التّنقستن انصهرت معا حامية إيّاه في الثّانية الأخيرة.

-"أنظر ! ، قال دانيال ملتفتا إلى أحمد، لم تستطع بطاقات سيغارد توقّع مكان ضربة السيّد لي"

" كن كالماء..اجعل تدفّق الطّاقة يعمل لصالحك، قال أحمد في نفسه، هذا ما كان معلّمي لي يخبرني به دائما"

رغم أنّها لم تصبه استطاعت ضربة لي زعزعة ثقة جوناثان للحظات حيث تقلّص وجهه و بدأت قطرات العرق تظهر على جبينه. أعاد السيّد لي نفس الحركة لكنّه توقّف فجأة قبل أن يكملها بعد أن غُرست إبرة رقيقة في عنقه ثمّ غُلّف جسده بطبقة من الصّقيع خلال ثوان.

-"هذا يكفي !، قال جيلال راميا السّيجارة أسفل حذائه، الأستاذ لي ليس عدوّنا..هذا سيوقفه لبعض الوقت" ثمّ رفع نظره إلى دايموند قائلا:

-"ذلك الوغد يريد ربح بعض الوقت..إنّه ينتظر شيئا ما"

-" معك حقّ يا سيّد بلاين، قال المدير سميث مظهرا هالته  ذات اللّون الأرجوانيّ المظلم، سأنهي هذه المهزلة بسرعة " ثمّ  اندفع نحو دايموند بلمح البصر متحوّلا إلى ما يشبه البرق الأسود لكن فور اقترابه منه وجده واضعا لسكّين عند رقبة السيّدة ريد قائلا بابتسامة خبيثة:

-"حسنا حسنا..عليّ الاعتراف بأنّ هذا ليس أسلوبي عادة لكن كما تعرف أحيانا نحن نفعل أشياء لا نودّ فعلها"

حطّ المدير بعيدا عنهما مراقبا ما يحدث و قد ارتسمت على وجهه ملامح تمزج بين الغضب و الخوف بينما ظلّ كلّ من في المكان مترقّبا لما سيفعله ذلك الرّجل المجنون بالسّيّدة ريد.

-" دينامو..، قال المدير سميث محاولا الاقتراب ببطء، لا يجب على الأمر أن يكون هكذا..أتركها ليس لها دخل بكلّ هذا..دعنا نتحدّث ببطء و رويّة"

-" الحديث..أهذا كلّ ما تستطيعون فعله ؟، أجابه جاعلا السّكيّن تلامس رقبة السّيّدة ريد، لو أنّكم استمعتم إليّ أكثر..لو أنّكم حاولتم فهمي أكثر.. ما كان لكلّ هذا أن يحدث..لكنّكم لم تفعلوا و جعلتموني أصدّق أنّ هناك خطبا ما بي..لقد كدت أصدّق أنّ حبّي لجعل كلّ شيء مثاليا هو محض عذر اخترعته كي أستطيع أن أؤذي النّاس..لقد كدتم أن تجعلوني أصدّق أنّ هذه النّعمة هي خطيئة..لكنّني عدت إلى هذا المكان الحقير مجدّدا لأخرج الخطايا الحقيقيّة التي لطالما أخفيتموها"

-" لقد فعلنا كلّ ما بوسعنا لمساعدتك..لكنّك رفضتنا و رفضت العلاج..أعترف أنّنا جميعا قد تخلّينا عنك لكنّ السيّدة ريد لم تتوقّف و لو ليوم واحد عن الإيمان بك و قدراتك..أرجوك لا تؤذها..إنّها.."

 فجأة لمع ضوء أزرق باهر من جيب معطف دايموند ثمّ انطلق منه شعاع أزرق نحو السّماء و تحوّل لون القمر الفضّي إلى لون أزرق جميل لم يرى أحد له مثيلا منذ مائة سنة.

لقد دقّت ساعة منتصف اللّيل و حانت ليلة القمر الأزرق.

-" إنّه..إنّه حقيقيّ، صاح دانيال محدّقا بذلك المشهد الآسر للأنظار، إنّه مثل ما تحدّث عنه ذلك العمدة..إنّها ليلة القمر الأزرق بالفعل"

"إذن..لقد كان ذلك الحجر وراء تحوّل القمر قبل مائة عام، قال أحمد في نفسه، الأمر يحدث مجدّدا..ذلك الحجر حقيقيّ..إنّه قويّ جدّا..الهجوم على مدرستنا..كان هدف العدوّ العثور على الحجر من البداية..أيّا كان هذا الشّخص و من معه فإنهم يعلمون حتما سرّ دائرة التّحويل في أبرادا..علينا أن نمنع حصولهم على ذلك الحجر قبل أن يتسبّبوا بكارثة ما" ثمّ أغمض عينيه مضيفا: " ليس لديّ القوّة الكافية لإيقاف ذلك الشّخص..أيّتها العنقاء..أرجو أن تكوني حقيقيّة و لست مجرّد حلم راودني..أرجوك دعيني أحمل قوّتك..أٍريد حماية الجميع" ثمّ بدأ ضوء ضعيف يظهر من يده الحاملة لوشم العنصر لكنّ شيئا ما حدث في أعلى برج الجرس حيث تحرّكت السّيّدة ريد مفلتة من دايموند و تراجعت قرب المدير سميث و قد عادت عيناها إلى طبيعتهما.

-"هذا..هذا مستحيل !، صرخ دايموند، كيف استطعت الإفلات من قدرتي ؟"

-"شعاع الحجر، قال أحمد ملتفتا إلى مادوكا، هل استطاع ذلك الشعاع إلغاء التّنويم ؟"

-"هذا..هذا يمكن أن يكون صحيحا..لكن كيف يمكن لذلك أن يحدث ؟"، أجابه دون إبعاد عينيه عمّا يحدث.

-" ماكس..، قالت السّيدة ريد بجسد مرتعش، أرجوك..دعنا نساعدك..أيّا كان هذا الشّخص الذي تتّبع أوامره فإنّه لا يعرف سوى مصلحته الخاصّة..أرجوك..إنّه يقوم باستغلالك"

-" أنت.."، أجابها بينما الدخّان الأسود يندفع من يديه مستنشقا إيّاها و قد شعّت عيناه باللّون الأحمر و ظهرت عروق سوداء حولهما ثمّ بدأ جسده يزداد ضخامة بمرور كلّ لحظة قائلا بصوت وحشيّ:

-"أنت لا تعرفين أيّ شيء"

اندفع  جيلال و جوناثان بسرعة هائلة إلى أعلى البرج مطلقين إبر الصّقيع و بطاقات التّنقستن نحو دايموند بينما أطلق المدير سميث بضربة من يده موجة سوداء عملاقة.

كان هجوما ثلاثيّا لا يمكن لأحد أن يخرج منه سالما ، فجأة انبثقت ثلاث ثقوب سوداء حول دايموند لتبتلع الهجمات الثّلاث و تنقذه في اللّحظة الأخيرة.

اختفت الثٌّقوب بلمح البصر و ظهر المنوّم المجنون معافى تماما من أيّ جروح مطلقا العنان لضحكة تردّد صداها في كلّ المكان ثمّ قال:

-" أ كان هذا هو الشّعور بالخوف من الموت المحتوم ؟ إنّه شعور مثاليّ" ثمّ التفت إلى الوراء مضيفا :

-"تينيبريس أ هذا أنت ؟"

انفجرت من خلفه فقّاعة سوداء مغطّية المكان بأكمله. حلّ الصّمت و تحوّل كلّ شيء إلى الأبيض و الأسود جاعلا الجميع عاجزا عن الحراك تماما كأنّ الوقت قد توقّف بهم ، من وراء دايموند و بخطوات بطيئة وسط صمت المكان تقدّم كيان أسود مخيف على شكل ألسنة لهب سوداء بأعين صفراء مخيفة.

" إنّه هو..إنّه ذلك الشّيء الأسود، قال أحمد في نفسه محاولا تحريك جسده لكن دون فائدة، عليّ إيقافه..إنّه سيفعل ذلك مجدّدا"

فور لمس الشيء الأسود لكتف دايموند عادت الألوان إليه و أصبح قادرا على الحراك من جديد ثمّ بدأ جسده يعود إلى طبيعته قائلا :

-" لقد استمتعت كثيرا بالحديث معكم..لكنّني حصلت على مرادي..و الآن عليّ أن أذهب..لقد انتهى العرض لهذا اليوم..أراكم في عرض مقبل."

انبثقت بوّابة سوداء عملاقة قربه فدخلها و بعده الشّيء الأسود ثمّ اختفت الفقّاعة السّوداء و عاد كلّ شيء إلى طبيعته تاركا كلّ من في المكان في حيرة تامّة.

كادت السّيدة ريد أن تسقط على الأرض لولا أنّ المدير سميث التقطها في اللّحظة الأخيرة. ركع أحمد ضاربا الأرض مرارا و تكرارا قائلا في نفسه:" تبّا ! تبّا ! لقد أفلت منّي مجدّدا..لم أستطع فعل أيّ شيء"

-" ماذا حدث ؟، قال دانيال، لقد كان الأمر..كأنّ الزّمن توقّف بنا جميعا"

-"أنا، أضاف مادوكا، لم أستطع الحراك. جسدي..لقد شلّ تماما"

-" ذلك الشّخص الذي ظهر خلف قائد العدوّ، همست رايلين غير قادرة على إيقاف ارتجاف شفتيها، أيّ قدرة تلك ؟..لم يستطع أحد إيقافه."

خلال لحظات تحوّل جيش العباءات السّوداء المجمّد إلى رماد وكذلك بقيّة المساعدين في أعلى برج الجرس وبقيّة أرجاء المدرسة بينما عادت عينا السيّد لي إلى طبيعتهما و كذلك عاد بقيّة ضحايا ذلك التّنويم إلى طبيعتهم.

انطلق أحمد نحو السيّد لي الممدّد على الأرض و وضع رأس معلّمه بين يديه و قد غرقت عيناه في الدّموع ثمّ قال:

 -"معلّمي..هل تسمعني ؟ أنا هنا..كلّ شيء سيكون على ما يرام"

-" أحمد"، ردّ المعلّم بصوت ضعيف ثمّ سعل مضيفا:

-" لا تقلق..أنا على ما يرام..معلّمك رجل قويّ"

-"أعلم، ردّ الفتى مبتسما، أنا أعلم ذلك جيّدا"

- "ذلك المعتوه"

-" تقصد دايموند"

- "نعم..إنّه يحتاج بعضا من الوابي-صابي"

- "ما هذا ؟ هل هذا اسم طعام ما ؟"

- "لا..إنّها فلسفة قديمة..إنّها تعني..إيجاد الجمال في عدم الكمال"

- "معلّمي..أنا لا أتوقّف عن التعلّم منك"

***

لا يمكن لأحد أن ينسى ما حدث في تلك اللّيلة، ذلك الهجوم الذي لم يحدث مثله في هوكوشين منذ بدء تأسيسها حيث أثار كثيرا من التّساؤلات داخل مجتمع السّحرة و خاصّة لدى أصحاب المناصب العليا في منظّمة السّحرة. لحسن الحظّ لم يصب أيّ أحد بأيّ جروح قاتلة لكن حلّ الدّمار في العديد من الأماكن داخل المدرسة.

بعد عدّة ساعات أتت سفينة تابعة لمنظّمة السّحر حاملة فرقا طبّية لمساعدة الجرحى و حمل المصابين إلى المستشفى.

كان السّحرة الخمسة جالسين على مقاعد أسفل شجرة هوكوشين العملاقة حيث تمّت تغطيتهم بملاءات و مداواتهم بواسطة بعض الممرّضين.

-"يا لها من ليلة غريبة"، قال مادوكا متنهّدا ثمّ التفت إلى دانيال مضيفا:

-"دان، لقد كدنا نموت بسبب دعوتك لنا لهذا المهرجان السّخيف..أرجوك لا تدعنا إلى أيّ أماكن أخرى غريبة في المرّة القادمة." لكنّه لم يجبه حيث ظلّ يحدّق بالقمر الذي ظلّ أزرقا حتّى بعد اختفاء ذلك حجر الرّوح فردّ مادوكا ضاربا رأس دان قائلا:

-" أوي ! أنت..أنا أتحدّث إليك ! فلتجبني" فالتفت إليه أخيرا واضعا يده على مكان الضّربة قائلا:

-" ماد ! هذا مؤلم ! ماذا تريد منّي ؟" ثمّ سقطا على العشب و ظلّا يتشاجران بينما الممرّضون يحاولون إيقافهما.

-" ماجير..لم أنت صامت ؟، قالت رايلين لأحمد الذي كان مطأطأ رأسه محدّقا في العشب دون أن يجيبها ثمّ ركلت ساقه قائلة :

-"أنا أتحدّث إليك يا هذا !"

فرفع رأسه صارخا :

 -"هذا مؤلم ! ماذا تريدين منّي ؟ "

-"أنت..عندما ظهر ذلك الشّيء الأسود..أنت لم تكن خائفا مثلنا..أعني أنّك كنت خائفا لكن بطريقة مختلفة..كأنّك كنت تعرفه منذ زمن بعيد.."

-" ذلك الكيان الأسود..لقد.."

-" أحمد ! أنا لم أرك منذ زمن بعيد"، قاطعهما جيلال الذي ظهر من خلف الشّجرة رفقة المدير سميث.

-" نعم..كيف حالك ؟"، أجابه الفتى مبتسما.

- "ها ؟، تدخّل دانيال، أنت..تعرف جيلال بلاين ؟"

-"نعم..إنّه صديق عمّي منذ زمن طويل"، أجابه أحمد بصوت هادئ.

-"هل أنت تمزح معي ؟ صديق عمّك هو واحد من الثّمانية ؟!"

-" لا تقلق..أنا أيضا علمت ذلك للتّو"

-" أحمد، قال جيلال هامسا في أذن الفتى، أيمكنني أن أحدّثك على انفراد للحظة ؟" ثمّ ذهب إلى ركن بعيد فتبعه أحمد.

-"لقد أخبرتني أختي بما حدث..أنا حقّا آسف لأنّني لم أكن هناك عندما احتاجني عمّك"

-" لا بأس..لم يكن أحد ليتوقّع ما حدث.."

-" أيّا كان أولائك الأشخاص..فإّنني أعدك بأنّني سأستعمل كلّ ما لديّ من سلطة في مجلس الثّمانية لأجدهم و أنقذ عمّك من بين أيديهم."

-" أنا..حقّا لا أعلم كيف يمكنني أن أشكرك.."

-" لكن عليك أن تعدني بأنّك لن تبحث في مثل هذه الأمور..هذا العام مهمّ لمسيرتك كساحر، عليك أن تهتمّ بجمع النّقاط فقط..أعلم أنّ الأمر مؤلم لكن فلتترك هذا الأمر لي"

-" لكن..إنّه عمّي و .."

-" أرجوك..بدون كلمة لكن..هؤلاء الأشخاص خطيرون و حياتك قد نكون في خطر في أيّة لحظة"

فتنهّد الفتى مجيبا :

-" حسنا.." ثمّ أضاف قائلا في نفسه : " لقد وعدته بذلك لكننّي سأخلف ذلك الوعد على أيّة حال..لا يمكنني أن أبقى مكتوف اليدين ما دام عمّي لا يزال بين أيدي أولائك الأشخاص"

وضع جيلال يده على كتف أحمد قائلا :

-" أحمد..أنت ولد جيّد" ثمّ استطرد مضيفا:

-" نسيت أن أسألك عن أحوال التّدريب مع آغنيس..هل اعتنت بك جيّدا ؟"

-" أ..حسنا..يمكنك قول ذلك" أجابه الفتى غير قادر على إخفاء ملامح التّوتّر قائلا في نفسه: " لا يمكنني تصديق أنّ تلك المرأة المخيفة هي أخت هذا الرّجل اللّطيف"   

فضحك جيلال قائلا :

-" لا تقلق..أنا لن أشي بك..أعلم أنّها امرأة صعبة المراس في غالب الأحيان لكنّها تحمل قلبا حنونا للغاية." ثمّ همس مضيفا :

-" لا تخبرها بهذا..لقد أخبرتني أنّك أصيل نار مذهل.."

-" سيّد ماجير !، صاح المدير سميث الذي ظلّ واقفا مع بقيّة الأصدقاء، أيمكنك أن تأتي إلى هنا ؟ هناك أمر مهمّ عليك سماعه"

-"إذن..أراك..قريبا"، قال أحمد لجيلال ثمّ عاد مسرعا إلى أصدقائه حيث بدأ المدير خطابه قائلا :

-" طلاّبي الشبّان..أنا لا يمكنني شرح مدى فخري بما فعلتموه..لقد ضحّيتم بأنفسكم من أجل إنقاذ هذه المدرسة..لذا بالنّيابة عن كلّ فرد من هذه المدرسة..أنا أشكركم على هذا الفعل البطوليّ..لهذا أريد أن أمنح كلّ فرد منكم مائة نقطة"

-" ماذا ؟!"، صرخ الأصدقاء الخمسة في آن واحد ثمّ أضافت رايلين غير قادرة على إخفاء فرحتها العارمة :

-"سيّدي..هل هذا حقيقيّ ؟ مائة نقطة دفعة واحدة ؟!"

-" نعم، أجابها المدير مبتسما، لديّ الحقّ في فعل ذلك بناء على الفصل التّاسع و السّتّين من قانون مجتمع السّحرة"   

فجأة احتضن دانيال السيّد سميث غير قادر على إيقاف دموعه  قائلا :

-"سيّدي..أنا أشكرك كثيرا.."

فأجابه المدير محاولا إبعاده بلطف:

-"حسنا..سيّد آينجل..أنا حقّا أقدّر شكرك هذا..لكن أيمكنك أن تبتعد عنّي قليلا..سيفسد مخاط أنفك قميصي المفضّل"

تقدّم مادوكا إلى المدير مخفضا رأسه ثمّ قال :

-"سيّدي..قبل أن تمنحني هذه الجائزة القيّمة عليك أن تعلم شيئا..أنا..."

-"لا تقلق..أنا أعلم بأمر تنويمك للسّيّدة غونكال في محلّ سيدوس..في الحقيقة تنويمك لم ينجح معها..لقد كانت تدّعي ذلك فحسب..إنّها تبلغك تحيّاتها و تقول أنّها تسامحك..كما أنّها من قامت ببعث إنذار الطوارئ لي بعد أن قام العدوّ بتعطيل حسّاسات الخطر في كلّ أرجاء هوكوشين"

تنهّد مادوكا بينما التفت المدير للبقيّة مخرجا جهاز الهايلو أسود اللّون قائلا:

-" حسنا..قوموا بتمرير رخصكم واحدا تلو الآخر أسفل جهازي كي أستطيع نقل النّقاط إليها"

فعل السّحرة الخمسة ذلك و أصبح في رصيد كلّ واحد منهم مائة نقطة إضافيّة ثمّ أضاف هامّا بالانصراف:

-"يمكنكم أن تروا مجموع نقاطكم الآن عبر وضع رخصكم أسفل أجهزة الهايلو الخاصّة  بكلّ واحد منكم..أراكم قريبا..يبدو أنّ إجازتي قد انتهت بسرعة و حان الوقت العودة للعمل من جديد"

ودّع السّحرة الخمسة المدير سميث ثمّ وضع كلّ واحد منهم رخصته أسفل جهازه الخاصّ.

ظهرت في جهاز أحمد كتابة تقول بأنّه لا يزال في المستوى C حيث يحتاج إلى 900 نقطة إضافيّة للوصول إلى المستوى القادم أمّا رايلين فجهازها يقول بأنّها وصلت إلى المستوى C بنجاح و هي تحتاج إلى 950 نقطة  للوصول إلى المستوى القادم و البقيّة مثلهما مع اختلاف في النّقاط المتبقّية حيث يحتاج دانيال إلى 970 نقطة، مادوكا إلى 965 و إميلي إلى 800.

-" ماذا ؟، صرخ دانيال و مادوكا في آن واحد، إميلي أعلى نقاطا منّا جميعا ؟"

-" أنا..حسنا، أجابتهما الفتاة مخفضة رأسها و قد احمرّت وجنتاها خجلا، أنا..لقد عملت مساعدة في العديد من العروض"

-"هذا حقّا مذهل يا فتاة !، ردّ مادوكا قائلا مقرّبا وجهه منها فلكمت رايلين رأسه قائلة في غضب :

-" أنتما ! فلتتركاها وشأنها ! لقد عَمِلت بجدّ لذا فهي تستحقّ ذلك..أ فهمتما ؟"

ضحك الأصدقاء الخمسة معا فرحين بمستوياتهم الجديدة مغادرين في قطار هوكوشين نحو محطّة سيدوس.

فجأة ظهر شيء طائر عملاق في السّماء فصرخ مادوكا قائلا:

-" ما هذا الشّيء ؟ هل هو منطاد ؟"

-" لا..التّسمية الصّحيحة هي سفينة هوائيّة"، ردّ دانيال.

-" أنظروا، أضافت رايلين، إنّها تحمل شعارا ما أظنّه.. شعار صقر"

-" ذلك الشّعار، قال أحمد، إنّه شعار وزارة الدّفاع"

***

في مكان مظلم تحت الأرض...

-"اللّعنة عليك يا عديم الفائدة ! سأعود إليك غدا..أفهمتني ؟"، قال الرّجل السّمين صاحب الدّرع الفضّيّة هامّا بالرّحيل بعد أن انتهى من تعذيب بلال الذي لا يزال معلّقا -بدون قميص- في الحائط بواسطة السّلاسل حيث امتلأ وجهه و جسده الهزيل بالجروح كما طال شعره حتّى غطّى عينيه و زادت لحيته الرّماديّة كثافة.

وسط كلّ ذلك الصّمت الممزوج بصوت سقوط قطرات الدّم من جسده على الأرض بدأت شرارات برق صغيرة بالفرقعة في كفّ يده اليمنى فابتسم بلال قائلا بصوت ضعيف و قد لمعت عيناه وراء خصلات شعره الطّويلة:

-"جيّد..لقد كُسِر الختم الأوّل..بقي ختم آخر فقط...أرجو أن يكسره عندما يكون مستعدّا لمواجهة ذلك ال.."

يتبع  

つづく

جميع الحقوق محفوظة

لا يجوز نشر أي جزء من هذه الرّواية أو تخزينها او نقلها على أي نحو أو بأي طريقة او خلاف ذلك الا بموافقة خطية من المؤلف مقدّماً.


الفصل السّابق