هذا الفصل بعنوان :
لقد حان وقت العرض !
إنّها الحادية عشرة و عشرون دقيقة ليلا...بقيت أربعون دقيقة على تحوّل القمر.
وصل القطار أخيرا إلى شاطئ جزيرة هوكوشين فخرج السّحرة الخمسة ثمّ بدؤوا بالتّقدّم حتّى وصلوا إلى بوّابة هوكوشين الحديديّة العملاقة.
-" أ سنطرق الباب أم سنفجّره ؟ "، سأل مادوكا.
-"أو ربّما عليّ استعمال بعض الحمض ؟"، أضافت رايلين
-"هذه البوّابة محميّة بحقل طاقة دفاعيّ أقوى من الذي في ملابسنا بعشرة أضعاف على الأقلّ"، أجاب أحمد ثمّ أضاف قائلا في نفسه: "هذا غريب..إن حصل هجوم على هذا المكان أليس من المفترض أن تكون البوّابة مفتوحة أو على الأقلّ يجب أن توجد بها بعض الآثار لهجوم سابق ؟" ثمّ لمعت في ذهنه فكرة ما: "هل يعقل أن الشّيء الأسود استطاع نقل نفسه و من معه إلى داخل هوكوشين دون أن يحتاج إلى عبور البوّابة ؟ ربّما ستكون هذه فرصتي كي أمسك يه و أجد خيطا يدلّني على مكان عمّي..أيّها اللّعين أنا لن أُفلتك هذه المرّة "
-"حسنا..خيار فكّ قفل الباب ليس متاحا الآن لأنّ لا أحد منّا فرد من شعبة المجازفون"، ردّ دانيال.
المجازفون: شعبة مختصّة في القيام بعروض المجازفات كمحاولة فتح القيود و هم في مواقف قد تودي بحياتهم كالغرق أو الموت من سمّ عدّة أفاعي، أهمّ مميّزات أفرادها هي القدرة على فتح أيّ قفل مهما كانت درجة تعقيده.
-"أنا..عذرا"، قالت إميلي.
-"(إم)، ماذا هناك ؟،سألتها رايلين، هيّا تكلّمي".
-"أنا يمكنني فتحه"
-"حقّا ؟ هذا قفل أعقد بكثير من أيّ قفل شاهدته في حياتي"، قال )دانيال(.
تراجع الجميع إلى الوراء ثمّ أطلقت إميلي خيوطها نحو القفل و بدأت بتحريك أصابعها مثل الآلات الميكانيكيّة ثمّ بدأت البوّابة بإصدار تكتكة متتالية و فُتحت البوّابة أخيرا.
-"أنت مذهلة !"، قال دانيال.
-"شكرا"، أجابته إميلي معيدة خيوطها إلى القفّازين.
-"جهّزوا أنفسكم، قالت رايلين، نحن لا نعرف ما الذي ينتظرنا في الخارج."
أظهر السّحرة الخمسة هالاتهم مخرجين أدواتهم ثمّ ركل أحمد البوّابة ليجدوا ساحة المدرسة غارقة في ضباب أسود مخيف.
-"ماذا ؟ أين ذهب الجميع ؟ هل انتهت الحفلة ؟"، قال مادوكا.
-" لا يمكنني رؤية أيّ شيء"، قال دانيال.
تقدّم الجميع ببطء و حذر حيث قام كلّ واحد منهم بمراقبة جهة ما حتّى وصلوا إلى الشّجرة الكبرى بقلب ساحة المدرسة و هناك توقّفوا.
-" ماذا سنفعل الآن ؟، قال أحمد، من المرجّح أنّه قد ثمّ القبض على الأساتذة و الطلاّب لاستعمالهم كرهائن." ثمّ أضاف قائلا في نفسه: "توقيت الهجوم جيّد..في هذا الوقت من السّنة يكون أغلب الأساتذة ذوي مهارات الدّفاع العالية في إجازة أو في مهمّات أخرى كما أنّ طلاّب السّنة الثّالثة الجدد لم يتعلّموا كيفيّة استعمال الفيتاي أو أدواتهم بعد و الأهمّ أنّ العدو استطاع بطريقة ما اختراق دفاع المدرسة..توقيت هذا الهجوم مثاليّ حقّا."
-"علينا أن نتفرّق للبحث عن الطلّاب الصّغار و أساتذتنا، قالت رايلين، من الواضح أنّه قد تمّ احتجازهم كرهائن".
-"ها ؟ ماذا تقولين ؟ تريديننا أن نتفرّق ؟"، أجابها الفتى.
-" لكن..لكن هذا ما يحدث في أفلام الرّعب، قال دانيال مرتجفا، نتفرّق ثمّ يبدؤون بهزيمتنا واحدا تلو الآخر".
-"و على الأرجح أنّهم سيبدؤون بأكثر شخص خائف من بيننا"، ردّ مادوكا مبتسما، واضعا ذراعه حول عنق دانيال.
-"هوكوشين واسعة جدّا..إن ظللنا معا فسنضيع الكثير من الوقت، الوقت الذي قد يستطيع إنقاذ الكثيرين قبل أن يلقوا حذفهم، لذا سيذهب كلّ واحد منّا في ممرّ من الممرّات السّبع."، أجابت رايلين.
"عليّ أن أعترف أنّها على حقّ، قال أحمد في نفسه، الوقت قيّم جدّا في هذه الحالة و لا أحد يعرف ما سيحدث عندما يتحوّل القمر إلى اللّون الأزرق."
- "مدرستنا تحتاجنا في مثل هذه الأوقات العصيبة، أضافت رايلين، سنستعمل الهايلو للتّواصل، إن وجد أيّ واحد منّا الرّهائن فليكلّمنا حالا و إن واجهتم أيّ نوع من الخطر يمكن أن يتفوّق على قدراتكم انسحبوا...و الآن فلننطلق !"
فصاح الجميع في وقت واحد : "نعم !"
وقف كلّ واحد من السّحرة الخمسة أمام مدخل ممرّ..
-" قبل أن نذهب جميعا، قالت رايلين، عليّ أن أخبركم بأنّني أؤمن بقدرات كلّ واحد منك..أنتم أقوى ممّا تظنّون لذا لا تدعوهم يهزمونكم !"
-"لا تدعا أيّ أحد يهزمكما، قال مادوكا ملتفتا إلى أحمد و دانيال، و إلّا فإنّني سأقتلكما"
ابتسم كلاهما و أجاباه في وقت واحد:
-" أنت أيضا !"
التفت مادوكا إلى الممرّ المظلم و الحماسة تلمع من عينيه قائلا:
-"لقد حان وقت العرض !"
بدأت المعركة و انطلق كلّ واحد من الأصدقاء داخل ممرّ بحثا عن الرّهائن و مواجهين للخطر الذي حلّ بمدرستهم.
***
-"أوه..جميل..يبدو أنّ لدينا بعض الضّيوف"، قال دايموند و هو يشاهد عبر بلّورة شفّافة و مستطيلة توجد على سطح المكتب.
كانت تظهر عليها مشاهد من زوايا في كلّ أنحاء المدرسة ثمّ رفع نظره إلى الأمام ليجد السيّدة ريد تنظر إليه بعينين مخيفتين دون أن تبدي أيّ نوع من المشاعر كأنّها تحوّلت إلى آلة ثمّ سمع شخيرا آتيا من شخص جالس فوق كرسيّ في ركن مظلم فابتسم ضاحكا ثمّ قال:
-"يبدو أنّني قد اخترت الشّخص المناسب ليحمل خطيئة الكسل" و التفت إلى ريد مجدّدا:
-"أتعلمين ما يجعل قدرتي أحد أقوى القدرات في كلّ هذه المملكة..رغم أنّها تستهلك الكثير من طاقتي إلا أنّها تستطيع جعل الذين يحملون الخطايا السّبع أقوى ممّا هم عليه بأضعاف بل ربّما تستطيع حتّى إيقاظ قدرات هم أنفسهم لا يعلمون بوجودها داخلهم لكن يبقى ذلك معتمدا على عمق الخطيئة التي في داخلهم..و بذلك أحصل على جيش صغير خاصّ بي"
ضحك دايموند قليلا معيدا نظره إلى جزء من الشّاشة حيث يعرض مشهدا لإميلي وهي تجري في إحدى الممرّات و قال:
-" لكن أتعرفين ما السيئ في قدرتي ؟ إنّها تجعلني أشعر بهزيمة كلّ فرد من حاملي الخطايا و ذلك الشّعور يجعلني أحسّ بالغثيان في كلّ مرّة..هذه الفتاة استطاعت هزيمة خطيئة الغضب..لكنّني سأريها هي و من معها ما يمكن لقدرتي فعله."
***
وصلت إميلي قاعة الطّعام حيث وجدت بابها الخشبيّ العملاق المزخرف بعدّة قطع حديديّة مغلقا. فجأة وصل إلى سمعها صوت أنين ما.
"يبدو أنّ الرّهائن هنا، قالت في نفسها، لكن عليّ أن أتأكّد قبل أن أتّصل بالبقيّة." ثمّ أطلقت خيوطها نحو القفل لكن قبل أن تستطيع فتحه انفجر الباب بقوّة محدثا دخانا في جميع أرجاء المكان ممّا جعل الفتاة تُقذف إلى الخلف لتلتصق بالجدار المقابل.
لم يسعفها الحظّ كي تصنع درع الخيوط في الوقت المناسب لكنّها لم تتأذّى كثيرا حيث استطاع حقل الحماية في ملابسها تخفيف الأضرار لكنّ عدسة نظّاراتها اليمنى تّشقّقت.
حاولت الوقوف بينما بدأ عشرة من مساعدي دايموند بالظّهور من بين الدّخّان حاملين في أيديهم أسلحة متنوّعة من سيوف و مسدّسات و بنادق.
-"ماذا تفعلين هنا يا فتاة ؟"، صرخ أحد المساعدين ثمّ التفت إلى بقيّة زملائه:
-" ألم نمسك بهم جميعا ؟ سيقتلنا السيّد دايموند إن علم بأنّ أحدهم قد أفلت منّا"
بدأت إميلي بالتّنفّس ببطء قائلة في نفسها: " تنفّسي ببطء..كلّ شيء سيكون على ما يرام..أنا أستطيع فعلها..تنفّسي ببطء.."
-"أوي..أيّتها الفتاة !، قال مساعد آخر، ما بالك ؟ لم أنت جامدة في مكانك ؟ هيّا تكلّمي ! هل أنت صمّاء أم ماذا ؟"
"اجعلي الطّاقة تتدفّق بسلاسة و توازن"، قالت في نفسها مظهرة هالتها ذات اللّون الأزرق السّماوي.
-"أنظروا إنّها قادرة على استعمال الفيتاي !"، صرخ أحدهم موجّها بندقيّة نحوها فتبعه الآخرون موجّهين أسلحتهم نحوها.
"تذكّري..كلّ ما تعلّمته..سيطري على مشاعرك..اقرئي حركة العدوّ و توقّعي ما سيفعله..حلّلي ما أمامك..اجعلي خيوطك امتدادا لجسدك"، قالت في نفسها و قد بدأت عيناها تلمعان.
انطلق المساعدون معا مطلقين كلّ ما لديهم من رصاص و ملوّحين بسيوفهم نحوها فانطلقت خيوطها صانعة درعا لصدّ الرّصاص ثمّ قفزت نحوهم بحركات سلسة و متقنة مطلقة خيوطا قصيرة نحو أطرافهم فسقطوا على الأرض مسقطين أسلحتهم و هم يصرخون من الألم ثمّ جعلت الخيوط تمسك بالأسلحة و ترميهم بعيدا عنهم ثم تجاوزتهم إلى قلب قاعة الطّعام حيث كُبّل الطلاّب الصّغار و بعض من الأساتذة بالحبال و بدأت بفكّ وثاقهم و هم يصرخون سعداء: "لقد أنقذنا !" و فجأة شعرت بضربة قويّة خلف رأسها جعلتها تفقد الوعي...
***
-"أراكم لاحقا يا دجاجاتي !"، قال مادوكا متمشّيا بسعادة تاركا خلفه مجموعة من مساعدي دايموند و هم يصدرون أصوات نقنقة واضعين أذرعهم كالأجنحة و أفواههم تلامس الأرض بحثا عن ما يؤكل.
وصل إلى نهاية الممرّ حيث وصل إلى مطبخ المدرسة.
"أنا محظوظ !، قال في نفسه و قد بدأت معدته تصدر بعض الأصوات، ترى هل هناك بعض من الرّامن ؟ أنا أتضوّر جوعا."
دخل مادوكا المطبخ..كان مكانا واسعا تملؤه العديد من الأواني الفضيّة في كلّ مكان ثمّ حطّت عيناه على قدر كبيرة تغلي فوق أحد المواقد.
"لا بأس، أنا لا أمانع إن كان هناك بعض الكاري"، أضاف متقدّما نحو الموقد و قبل أن يهمّ بفتح القدر انطلقت عدّة سكاكين و أشواك نحوه فرفع غطاء القدر بسرعة مثل الدّرع و تصدّى للهجوم قبل أن يصيبه.
-"ماذا ؟ ألا يمكن للمرء أن يرى عشاءه هنا ؟"، صرخ مادوكا
بدأ ينظر حوله لكنّه لم يجد أحدا فأضاف وهو يتجوّل في المكان ببطء و حذر:
-"يوهو! من هناك ؟ أظهر نفسك عليك الأمان."
-"ماذا..تفعل...في..مطبخيييييي ؟!"، أجابه صوت عميق صادر من الأعلى.
رفع مادوكا نظره ليجد رجلا سمينا يطفو في الفضاء و هو مغلّف بهالة ورديّة، يرتدي ملابس رئيس الطّهاة ، ذو بشرة تمزج بين الأبيض و الوردي المتركّز على خدّيه المنتفخين الذين استطاعا تغطية عينيه الصّغيرتين لدرجة أنّه أصبح من المستحيل معرفة لونهما لكنّ شعاعا أحمر بدأ يزداد لمعانا منهما إضافة إلى شارب أسود صغير و دقيق أسفل أنفه الشّبه مستدير ذو المنخرين الواسعين.
-" ها ؟ رئيس الطّهاة إزرا ؟، صرخ مادوكا، حقّا ؟ بحقّ الجحيم ! هل الجميع قادر على استعمال الفيتاي في هذا المكان ؟" ثمّ أضاف قائلا في نفسه و هو يحتمي أسفل الطّاولات الحديديّة من سيل السكاكين و الأشواك الذي وُجّه نحوه:" ليس عليّ تحليله بساعتي كي أدرك أنّه أحد السّبعة الذين تمّ تنويمهم...أظنّ أنّني وجدت خطيئة الشّراهة."
-" أخرج..من...مااااطبخييييي !، صرخ إزرا و قد غلّفت هالته كلّ أواني المطبخ من ملاعق و أشواك و سكاكين و صحون و قدور.
"أظنّ أنّ قدرته تكمن في السّيطرة على أدوات المطبخ، قال مادوكا في نفسه، إذن أنا في ميدان قوّته..عليّ أن أجد طريقة كي أستدرجه إلى خارج هذا المكان لكن قبل ذلك عليّ تجربة هذا"
وقف مادوكا مُطلقا من يديه موجات صنعت بواسطة هالته نحو الطّاهي السّمين فغُلّف جسد هذا الأخير بهالة الفتى الذّهبيّة ثمّ سقط على الأرض.
-"فليتمّ إبطال تنويم الخطايا السّبع حالا !"، صرخ مادوكا.
تغيّر لون الشّعاع الذي في عينيّ إزرا إلى اللّون الذّهبي لكنّ ذلك ظلّ لعدّة ثوان فقط ثمّ عاد إلى الأحمر من جديد. وقف الطّبّاخ السّمين ثمّ عاد إلى الطّيران في الهواء و قد بدأت عروق سوداء بالظّهور حول عينيه صارخا:
-" لقد..قلت..لك..ااااابتعد عاااااان مااااطبخييييييي ! اااابتعد عااان طعامي !"
"حسنا، لقد منحت الأمر فرصة على الأقلّ"، قال الفتى في نفسه راميا الأوعية نحو الطبّاخ الذي أوقفها قبل أن تصل إليه.
جمع إزرا كلّ أدوات المطبخ في سيل واحد وجّهه نحو مادوكا بسرعة هائلة ممّا جعل هذا الأخير يقذف نحو الجدار ليجد نفسه قد دفن تحت ركام هائل من الأحجار.
-" طعااااامي ليييييي وحديييييييي !"، صرخ رئيس الطّهاة إزرا.
***
-"المكان بارد هنا"، قال )دانيال( مرتجفا بينما كان يعبر الممرّ المظلم و فور اقترابه من نهاية الممرّ بدأ بسماع صوت شخص مألوف صادر من قاعة الرّياضة المغطّاة : "ألف و واحد..ألف و اثنان..ألف و ثلاثة..."
-"ما هذا الحظّ ؟، قال الفتى، لقد ذهبت لأسوأ مكان في كلّ هوكوشين...ما هذا الصّوت ؟ أنا متأكّد من أنّني أعرفه جيّدا...هل هناك من يتمرّن في هذا الوقت من اللّيل ؟"
فور دخوله من الباب الكبير وجد زوربا بدون قميص، وحيدا بقلب القاعة و هو يقوم بتمارين الضّغط بيده اليمنى فقط و قطرات العرق تتساقط من جبينه إلى بركة كبيرة من العرق أسفله و هو يلهث:"ألف و ستّة..ألف و سبعة..ألف و ثمانية".
-"حقّا ؟، قال )دانيال(، كان عليّ أن أتوقّع هذا..من غير زوربا سيكون هنا ؟".
فور سماعه لصوت الفتى وقف الوحش البشري زوربا ببطء ثمّ اتّجه إلى طاولة صغيرة بجانبه حيث وضعت هناك منشفة و زجاجة مياه فقام بتنشيف وجهه و صدره دون أن يلتفت إلى )دانيال( كأنّه غير موجود ثمّ ذهب إلى مرآة عملاقة تمتدّ على كامل مساحة الحائط المقابل له و بدأ بالقيام بحركات أبطال كمال الأجسام مبرزا عضلات ساعديه و صدره و معدته الضّخمة.
-"أوي ! زوربا !، صرخ الفتى، أنا هنا ! ألا يمكنك سماعي ؟ ما الذي تفعله يا رجل ؟" لكنّه لم يتلقّى أيّ جواب ثمّ بدأ بالتّقدّم ببطء و حذر قائلا في نفسه:" عليّ الحذر فقد يكون أحد الذين تمّ تنويمهم."
وسط كلّ ذلك الصّمت الذي تخترقه أصوات خطوات دانيال الذي وصل إلى مسافة قريبة من رجل العضلات الضّخم استدار )زوربا( أخيرا حيث كانت عيناه غارقتين في ظلام يلمع منهما شعاع أحمر دون أن ينبس ببنت شفة.
-"يا الهي !، قال الفتى، زوربا..أنت..لقد تمّ تنويمك..أنت أيضا."
نظر الوحش البشري إليه بملامح بثّت الرّعب في كلّ خليّة من جسد دانيال ثم صرخ بقوّة جعلت المكان كلّه يهتزّ حتّى بدأت العروق بالظّهور حول رقبته و انطلق نحو الفتى محطّما كلّ جزء من الأرضيّة الخشبيّة قد حطّت عليه قدماه و سدّد لكمة نحو وجه دانيال الذي كان يصرخ من الرّعب قائلا :
-"يوم سيّء..يوم سيّء ! سأموت..سأموت !"
لكنّ اللّكمة اخترقت هذا الأخير كأنّه شبح.
-"أنا أمزح"، ردّ دانيال مبتسما.
ظلّ زوربا يضرب جسد الفتى مرّات متتالية و كانت كلّها تمرّ عبره ممّا جعل الوحش البشريّ يصرخ غاضبا ، فجأة ظهرت نسخة أخرى من دانيال قرب الباب و هي تصرخ :
-"أوي ! من هنا..من هنا..أنا هو الحقيقي ! "
بدأت هالة ذات لون أخضر فاتح بالظهور حول جسد زوربا ثمّ انطلق بسرعة هائلة نحو الفتى الذي كان يحمل كرات زجاجيّة بيضاء و رماديّة بين أصابعه ، عندها انطلق هو بدوره نحو الوحش ثمّ رماهم في كلّ ركن بالمكان.
انفجرت الكرات مخرجة دخّانا أبيض عمّ كلّ أرجاء القاعة و خلال لحظات اختفى الدّخّان و ظهرت عشرات النّسخ من دانيال التي كانت تقول في آن واحد: "أنا هنا !".
كريستالات هودين : أداة تابعة لشعبة الوهم و هي عبارة عن كرات زجاجيّة رماديّة تمتلك القدرة على صنع نسخ من جسد أيّ شخص قد تمّ مسح صورته بواسطتها.
"حسنا، قال الفتى في نفسه بينما كان زوربا يقوم بلكم بكلّ النّسخ حوله التي كانت تضحك في آن واحد، أمامي خمسة عشرة دقيقة قبل أن تختفي كلّ هذه النّسخ...عليّ أن أفكّر في طريقة لإيقاف هذا الوحش قبل أن يقوم بتدمير المكان."
***
كان أحمد يجري في الممرّ متذكّرا وجه سولو المخيف ثمّ قال في نفسه: "قدرة التّنويم تلك استطاعت التحكّم بسولو مثل الدّمية بين يدي العدوّ..حسب ما أخبرنا به مادوكا فانّ هناك ستّة آخرين قد يكونون في هذا المكان و على الأرجح أنّ مالك هذه القدرة اختار أقوى مستعملي الفيتاي ليجعلهم ضمن قوّاته..هذه القدرة ممتازة لنوع خاصّ من المهمّات حيث لا يريد قائدها تلويث يديه..مهمّات هدفها ليس تخريب هذا المكان بالأساس بل البحث عن شيء ما..لكن ما هو ؟" ثمّ لمعت في ذهنه ذكرى لما قرأه عندما كان يتدرّب في أبرادا عن حجر الفلاسفة و تذكّر ما قاله العمدة عن هذه اللّيلة، ليلة القمر الأزرق عندما تحدّث عن سقوط نجم من السّماء إلى البحر قبل مئات السّنين فتوقّف قائلا في نفسه: "هل يعقل أن يكون ذلك النّجم الذي سقط هو حجر الفلاسفة ؟ هل العدوّ يبحث عنه في هذا المكان ؟" و قبل أن ينهي استنتاجه شعر بركلة في ظهره جعلته يُقذف إلى نهاية الممرّ حيث يوجد باب المكتبة لكنّه تجاوزه محطّما إياه ليجد نفسه قد دفن أسفل كومة من الكتب كانت قد سقطت عليه بعد أن اصطدم في الرّفوف التي كانت تحملها.
بدأ الفتى بالنّهوض ببطء من تحت أطنان الكتب ثمّ رفع نظره ليجد نايثان سيغارد واقفا أمامه و قد تحوّل لون عينيه إلى الأحمر و ارتسمت ابتسامة مخيفة على وجهه قائلا:
-"أهلا بعديم-الفيتاي !"
-"نايثان ؟ ماذا..تفعل..هنا ؟"، أجابه الفتى بصوت ضعيف مبعدا الكتب الضّخمة عن جسده.
تقدّم نايثان ببطء نحو أحمد بينما بدأت هالة رماديّة بالظّهور حول جسده ثمّ ركله بقوّة هائلة جعلت الفتى يقذف في الهواء إلى الجانب الآخر من المكتبة حتّى التصق جسده بجدار حجري محدثا عدّة تشقّقات فيه ثمّ سقط على الأرض مجدّدا.
-"هيّا يا عديم-الفيتاي !، قال نايثان، نحن لا زلنا في عمليّة الإحماء..هيّا أخرج لعبتك الصّغيرة تلك و لندع العرض يبدأ."
وقف أحمد ببطء مظهرا هالته ثمّ مسح الدّماء التي سالت من أنفه و جانب شفته اليمنى.
-"أوووه جميل !، قال نايثان مصفّقا ببطء و هو يتقدّم إليه، هل صرت تستطيع استعمال )الفيتاي( الآن ؟ أم أنّ تلك الهالة مجرّد وهم صنعه لك صديقك الضّعيف، شبيه الفتيات ؟"
-"ستعرف ذلك بعد قليل"، أجابه الفتى ثمّ قال في نفسه:" رائع..هذا آخر ما كنت أستطيع تصوّره.."
عزّز أحمد قدميه ثمّ انتقل آنيّا نحو نايثان ثمّ قام بتعزيز ذراعه و لكمه في معدته قاذفا إيّاه إلى الحائط المقابل.
***
"على الأرجح لا يوجد أحد هنا، قالت رايلين في نفسها و هي تعبر الممرّ بسرعة عبر تعزيز قدميها بهالتها القرمزيّة، عليّ أن أتأكّد من هذا المكان بسرعة أوّلا ثمّ سأنتقل إلى مبنى الإدارة..أنا متأكّدة بأنّ السيّدة ريد هناك..قد تكون محاصرة"
فتحت باب غرفة التّمريض لتجد آنسة ترتدي معطفا أبيضا و هي ملقاة على أرض غارقة في الدّماء فهرعت إليها مباشرة لتجد مشرطا ملقا بجانبها و جرحا عميقا في معدتها. كانت امرأة شابّة لم تتجاوز الثّلاثين بعد، ذات شعر أسود صُفّف على شكل كرة –يخترقها قلم رصاص- خلف رأسها، وجهها و بنية جسدها يتشاركان درجة النّحافة نفسها مع أنف صغير و شفاه رقيقة و قرمزيّة إضافة إلى نمش متناثر في منتصف وجهها ذو البشرة القمحيّة. رغم حالتها الحرجة تلك كانت جميلة جدّا كأنّها جزء من لوحة فنيّة قديمة.
-"آنسة كاثرين !، صرخت رايلين ثمّ وضعت أذنها قرب وجه الآنسة فتنهّدت قائلة :
-"جيّد، إنّها تتنفّس"
وقفت و بدأت البحث داخل خزانة الأدوية. أخذت زجاجة بها بعض الكحول و عادت إلى الآنسة كاثرين ثمّ فتحت الزّجاجة و وضعتها أسفل أنف الطّبيبة. بعد لحظات بدأت كاثرين تفتح عينيها ببطء ثمّ لاحظت رايلين ظهور هالة بيضاء حول جسد كاثرين و بدأ جرحها بالشّفاء.
-"آنسة..كاثرين أنت..."، قالت رايلين بأنفاس متلاحقة و قد غرقت عيناها بالدّموع.
-"راي..لين..أرجوك..أهربي، قالت كاثرين بأنفاس متقطّعة ثمّ بدأت عروق سوداء بالظّهور حول عينيها و بدأ لونهما البنّي بالتّحوّل إلى الأحمر، هناك..من يسيطر..عليّ..لذا..جرحت.. نفسي كي أتوقّف.." ثمّ صرخت مفجّرة هالتها في كلّ المكان ممّا جعل رايلين تعود إلى الوراء و تصطدم بالجدار.
فتحت الفتاة عينيها ببطء لتجد الآنسة تحدّق بها بوجه مجنون و هي تلبس قفازيها الطبّيين قائلة:
-" أوه..مرحبا أيّتها الجميلة."
" يا إلهي، قالت رايلين في نفسها، لقد تغيّرت شخصيّتها..كأنّها شخص آخر تماما..لقد تمّ تنويمها مثل سولو"
حاولت الوقوف ببطء لكنّها شعرت بألم قاتل في يدها لتجد مشرطا قد غرس في كفّ يدها ممّا جعلها تصرخ بشدّة.
-"أ تعلمين يا صغيرتي ما الذي يجعلنا نشعر بالألم ؟، قالت الآنسة مقتربة منها، إنّها عقولنا..لو لم تري ما أصابك لم تكون لتشعري بنفس درجة الألم.."
نزعت الفتاة المشرط بسرعة و هي تئنّ من الألم و فجأة بدأ الجرح يشفى بسرعة هائلة.
-"هذا ما أحبّه في قدرتي، قالت كاثرين بابتسامة ماكرة، إنّها تشفيك عبر إيذائك..منذ حصولي على هذه القدرة لم أستطع فهم مغزاها..لم عليّ أن أؤذي الآخرين كي أستطيع شفاءهم ؟ لكنّني فهمت الآن..إنّها تحمل جمالا في تناقضها"
أطلقت الطّبيبة مشرطا آخر اتّجه إلى قدم رايلين لكنّ هذه الأخيرة ألقت بطاقة متفجّرة قبل أن يصل إليها ثمّ وقفت بسرعة و رمت أربع بطاقات حول الآنسة فانفجرت بمادّة هلاميّة غطّت كلّ من يدي كاثرين والجزء السّفلي من جسدها ممّا جعلها تلتصق بالأرض.
-"أوه..ما هذا الشّيء القبيح ؟"،قالت كاثرين.
***
-"سيّدي !"، دخل مساعد إلى مكتب نائب المدير حيث كان دايموند لا يزال يراقب عبر البلّورة التي على المكتب.
-"ماذا تريد ؟"
-"سيّدي لقد..لقد وجدناه يا سيّدي..لقد وجدنا حجر الرّوح."
ارتسمت ملامح السّرور على وجه دايموند ثمّ قال:
-"جيّد..أخيرا سأنتهي من هذه المهمّة..لقد أصبحت مملّة بعض الشّيء."
التفت إلى السيّدة ريد ثمّ إلى الشّخص النّائم في الظّلام :
-" أنتما ! اتبعاني"
خرج المساعد أوّلا ثمّ تبعه دايموند و السّيدة ريد بعده ثمّ نهض الشّخص النّائم متّبعا إيّاهما و ظهرت ملامحه في ضوء القمر الفضّي..لقد كان السيّد لي.
***
في تلك الأثناء...عند إحدى الشّواطئ...بدأ هايلو ذو لون أسود- نُقش عليه شعار هوكوشين بلون ذهبيّ- بالاهتزاز على طاولة صغيرة قرب كأس عصير ليمون مثلّج و قد كتب عليه :
إنذار !
نعلمكم بوجود خرق في النّظام الأمني الخاصّ بمدرسة هوكوشين.
جميع الحقوق محفوظة
لا يجوز نشر أي جزء من هذه الرّواية أو تخزينها او نقلها على أي نحو أو بأي طريقة او خلاف ذلك الا بموافقة خطية من المؤلف مقدّماً.