هذا الفصل بعنوان:

الخطيئة الثّامنة 

-"يا إلهي ! لقد قضي علينا "، قال دانيال بعد أن وجدوا لوحة التحكّم محطّمة بالكامل.

-"هذا جنون !، قالت رايلين، سولو يريد قتل نفسه مع هذا القطار."

-"لقد أخبرتكم أنّ ذلك الشّخص ليس سولو، ردّ مادوكا، هناك من نوّمه و أمره بتحطيم القطار كي لا يستطيع أحد الوصول إلى هوكوشين."

-"لا أظنّ أنّه من تمّ تنويمه فقط، قال أحمد، ربّما هناك المزيد."

-"لطالما كان ذلك الرّجل شخصا غاضبا، قال دانيال بينما كان يقوم بنزع غطاء لوحة التّحكّم المحطّم، لكن هذه المرّة يبدو أنّ غضبه من نوع آخر تماما."

-" ماذا ؟ ماذا قلت للتّو ؟"، صرخ مادوكا قافزا نحو دانيال.

-" ما الأمر يا مادوكا؟ "، سألته رايلين.

-"أظنّني عرفت نوع هذا التّنويم"، أجابها مخرجا جهاز الهايلو الخاصّ به

-"ما الذي تقصده ؟"، سأله أحمد.

-" تشغيل، قال مادوكا، أنا السّاحر صاحب الشّيفرة 13z69y." فأضاء الجهاز فجأة مجيبا بصوت رجل عجوز:

-"تمّ التعرّف على الصّوت و تأكيد الشّيفرة .أهلا بك سيّد مادوكا. بماذا يمكنني أن أخدمك ؟".

-"هل يمكنك البحث في قاعدة بيانات التّنويم المتقدّم ؟ "

-"نعم سيّدي"

-"ابحث عن تنويم الخطايا السّبع"

-"جاري البحث..تنويم الخطايا السّبع هو قدرة تنويم ذات مستوى متقدّم و هي محرّمة من قبل منظّمة السّحر بموجب الفقرة (ج) من البند العاشر من قانون مجتمع السّحرة حيث يستطيع المستعمل تنويم سبع ضحايا و التّحكّم بهم في آن واحد عبر تكثيف أقوى خطيئة في شخصيّة كلّ واحد منهم"

-"هل قال تكثيف الخطيئة للتّو ؟"، سأل أحمد.

 -"نعم، أجابه مادوكا، إنّه يقصد بأنّ المستعمل يجعل خطيئة الضحيّة  تصبح أقوى و بالتّالي تستولي على وعيه و تجعله عبدا للمستعمل" ثمّ التفت إلى الجهاز قائلا :

 -"كيف يمكن إلغاء تأثير التّنويم ؟"

-" نأسف على إخباركم بأنّه لا يمكن الحصول على هذه المعلومة إلّا لأصحاب المستوى A  أو S."

-"تبّا !، قال مادوكا، لا نستطيع إيقاف تأثير التّنويم ثمّ أعاد الجهاز إلى جيبه.

-"علينا أن نقوم بتقييد كلّ من تعرّض إلى هذا التّنويم و إيجاد من قام بهذا لنوقفه عند حدّه"، قالت رايلين.

-"ماذا يحدث عندك ؟ هل استطعت فعل شيء ما ؟ "، قال أحمد ل دانيال الذي حشر نصف جسده داخل صندوق لوحة التّحكّم.

-"مؤخّرة جميلة يا (دان)"، قال مادوكا مبتسما.

-"ماذا تقول يا هذا ؟، أجابه دانيال، اخرس و إلّا سأقوم بركل مؤخّرتك" ثمّ أضاف قائلا:

-"حسب ما أراه الآن فإنّ كلّ الأسلاك في فوضى عارمة و بعض الأشياء مكسورة لكن يمكنني فعل شيئا ما حيال هذا"

-"ماذا نستطيع فعله ؟، سألته رايلين، القطار يقترب من السّواحل و علينا أن نوقفه أو أن نبطئ سرعته على الأقلّ"

" حسنا انتظري ثانية واحدة فقط"، أجابها دانيال ثمّ أخرج نفسه حاملا في كفّ يده حجرا أخضرا مشعّا ثمّ قام بتغليفه بمنديل قائلا :

-" لقد نزعت حجر السّرعة من المحرّك ، هذا سيبطئه قليلا و الآن عليكم بأن تقوموا بإيقافه قبل أن يصطدم بالسّواحل"

-" ماجير ! أنت ستذهب معي إلى آخر عربة في القطار، قالت رايلين، أمّا أنت يا مادوكا عليك أن تبقى مع دانيال لمساعدته"

-"لم عليّ أن أبقى مع هذا ؟ "، قال دانيال و مادوكا في آن واحد.

-" تأقلما "، قالت رايلين عابرة رفقة أحمد عربات القطار.

***

في تلك الأثناء...على سطح القطار.

كانت خيوط إميلي اللّامعة في ضوء القمر تقيّد جسد سولو على شكل شرنقة بيضاء بينما مطرقته ملقاة بعيدا عنه.

كان ذلك القزم في قمّة غضبه حيث ازداد الضّوء الأحمر في عينيه قوّة و تصاعدت أصوات غرغرته و خلال لحظات اختفت المطرقة متلاشية في الهواء ثمّ تشكّل في يده خنجر تمكّن به من قطع الشّرنقة و التّحرّر.

"ماذا عليّ فعله ؟، قالت إميلي في نفسها ثمّ لمعت في ذهنها ذكرى فيها رايلين عندما كانتا تتدرّبان في ساحة هوكوشين و هي تقول لها:" (إم)..أنت لن تبقي مجرّد عنصر دعم طوال حياتك..أنت تستطيعين فعل الكثير بتلك الخيوط."

وقف (سولو) ثمّ صرخ بأعلى صوته مثل حيوان برّي و تحوّل خنجره إلى مطرقة و انطلق نحوها رافعا سلاحه و هو يصرخ فانطلقت الخيوط المغلّفة بهالتها و تشابكت مع بعضها مشكّلة  درعا استطاع حمايتها من ضربة المطرقة الدّامية لكنّ القزم الغاضب لم يتوقّف عن ضرب الدّرع مسدّدا ضربة تلو الأخرى جعلت الشّرر يتطاير في الهواء و هو يصرخ بجنون.

"لطالما كان هناك من يحميني منهم"، قالت (إميلي) في نفسها متذكّرة نفسها قبل عدّة سنوات عندما كانت طفلة صغيرة بدار الأيتام...

"النّاس و كلامهم الذي لا يتوقّف عن جرح كلّ جزء من روحي...كنت أقف وحيدة في ساحة الميتم غير متوقفة عن البكاء بعد أن سمعت العديد من الفتيات يتهامسن عنّي، عن عينيّ اللّتان تبرقان باللّون الأصفر، كيف أنّهما تخيفهنّ و كيف أنّي لا أشبه بقيّة فتيات الميتم. لم يكن تزعجني سخريّتهنّ منّي بقدر ما أزعجتني الوحدة الباردة و القاسية التي كنت أشعر بها...في إحدى المرّات دفعتني إحداهنّ و أسقطتني أرضا قائلة: "ارحلي من هنا أيّتها...أنت تخيفيننا...أنت مسخ." كلّ ما أردته وقتها هو شخص يخبرني بأنّ كلّ شيء سيكون بخير...

" أوي ! توقّفن عن فعل ذلك، صرخت فتاة ذات أعين زرقاء كزرقة السّماء و شعر رماديّ قصير جدّا دافعة إحدى الفتيات، هيّا ابتعدن من هنا حالا ! فلتتركنها وشأنها" فصرخن هاربات.اقتربت منّي تلك الفتاة مادّة لي يدها و ساعدتني على الوقوف.

"هل أنت بخير ؟" قالت الفتاة لي، كان صوتها دافئا جدّا، فأجبتها عبر الإيماء برأسي إلى الأعلى و الأسفل.

"أنا أدعى (روبين) ما أسمك ؟"، قالت تلك الفتاة بنبرة قويّة وحازمة.

لم أستطع أن أجيبها في ذلك الوقت لكنّها لم تستسلم و ظلّت تتحدّث و تتحدّث دون توقّف عن كلّ شيء و لا شيء...منذ ذلك الوقت أصبحت روبين -ذلك الشّخص الّذي لطالما بحثت عنه- صديقتي الجديدة. وجدت في ثرثرتها و ابتسامتها دفئا أنساني وحدتي الباردة و صرنا لا نستطيع فراق بعضنا كما أنّني استطعت بطريقة ما أن أشاركها الحديث و لو بعدّة كلمات فقط لكن بعد عامين حدث أمر ما..مرضت روبين مرضا شديدا، ظللت بقربها طوال الوقت و بينما كانت هي صامتة تتأوّه من الألم من حين لآخر حاولت بكلّ ما لديّ أن أتحدّث كما لم أتحدّث من قبل محاولة أن أجعلها تبتسم ابتسامة واحدة فقط. ماتت )روبين( بعد عدّة أشهر و عُدت وحيدة مجدّدا. بكيت في ذلك اليوم كثيرا ثمّ صرت أجلس وحيدة واضعة صفحات الكتب أمام وجهي كي لا أنظر إلى وجوههنّ المقزّزة.

بعد عدّة سنوات أتت لميتمنا ساحرة ما و قامت بخدعة "الثّلاث ورقات" لكن لم يستطع أحد أن يحدّد مكان ورقة الملكة. لم أكن مهتمّة وقتها لكنّني شعرت بأنّ عليّ التقدّم لأرى جيّدا ففي ذلك الوقت بدأت تظهر لي أعراض قصر النّظر و بدأت بمراقبة نمط حركات يديها ثمّ حدث أمر غريب لي..صرت أرى ما يحدث بصورة بطيئة جدّا.

"أنت هناك"، قالت السّاحرة لي، هل يمكنك تحديد مكان الملكة."

 فأجبتها بطريقة غير مبالية بأنّها في الوسط عندها تفاجأت المرأة بإجابتي ثمّ قلبت الورقة و كانت الورقة صحيحة بالفعل و بعد عدّة أشهر أتتني دعوة من هوكوشين و قرّرت الذّهاب فلم يعاد هناك شيء يربطني بذلك المكان. عندها التقيت ب رايلين و الآخرين، أشخاص يشبهون روبين، أشخاص لا يأبهون بمظهري أو عيوبي بل يتقبّلون ما أنا عليه لذا...و الآن سأحميهم بخيوطي ! "  

بعد عدّة ضربات من مطرقة سولو بدأ درع الخيوط بالتّمزّق.

"عليّ أن أتوقّف عن الدّفاع، قالت إميلي في نفسها، لقد حان وقت الهجوم." ثمّ أخرجت كرة صغيرة من جيبها و رمتها نحو وجه القزم الغاضب بينما كان هامّا بالهجوم  لتنفجر مخرجة مادّة بيضاء لزجة التصقت بوجهه بالكامل.

حاول القزم نزع تلك المادّة عن وجهه دون جدوى و أطلقت إميلي نحوه خيوطها صانعة شرنقة محتجزة إيّاه.

"عليّ أن أشكر صديقتي راي لاحقا على هذه الكرات الرّائعة "، قالت إميلي في نفسها.

***

كان أحمد و رايلين يجريان عابرين العربات ثمّ بدآ بسماع صوت ضرب قويّ يصدر من السّقف.

-"يبدو أنّ إميلي لا تزال تقاتل سولو"، قال أحمد.

-"نعم"، أجابته رايلين.

-" ترى هل هي بخير هناك ؟"

-"لا تقلق"

-" ماذا تقصدين ؟"

عندها توقّفت محدّقة في عينيّ الفتى قائلة:

-" عليك أن تعلم أنّ تلك الخيوط حادّة جدّا لدرجة أنّها قادرة على قطع اللّحم مثل قطع سكّين ساخن للزّبدة لذا فانّ (إم) قادرة على القضاء على سولو بسهولة لو أرادت ذلك لكنّها تحاول أن تجد طريقة لإيقافه دون أن تؤذيه."

-"أعلم كلّ ذلك، كلّ ما أردت قوله هو أنّ من تواجهه ليس مجرّد مستعمل )فيتاي( عاديّ، عليها توخّي الحذر جيّدا"

لم تجبه رايلين و أكملا طريقهما صامتين نحو قمرة القيادة المحطّمة.

فور وصولهما إلى العربة التي قبل قمرة القيادة توقّفا ثمّ أخرج الفتى (الجناح الفضّي) بينما أخرجت هي  بطاقتين ثمّ بدآ بالإطلاق على حائط العربة المقابل فانفجر تاركا ثقبا عملاقا يشاهدان منه قمرة القيادة تنفصل مبتعدة عنهم ثمّ تنقلب غارقة في البحر.

-"جيّد أصبحنا نرى كلّ شيء بوضوح، قال (أحمد)، ماذا سنفعل الآن ؟ كيف سنبطئ القطار ؟"

-"جرّب كلّ ما لديك"، أجابته رايلين.

-"ماذا ؟ أتقولين أنّك لا تمتلكين خطّة ؟"

-"و هل تراني آلة لصنع الخطط يا هذا !"

-"رائع..الآن سنرمي بكلّ ما لدينا و سنتمنّى أن ننجح في إبطاء القطار بطريقة ما"

-" ما رأيك لو صنعنا جبالا جليديّة ؟ هذا سيبطئ القطار و لو لبعض الوقت"

-"حسنا ، هذا أفضل من لاشيء على أيّة حال." ثمّ أضاف قائلا في نفسه: "إن فشلنا عليّ أن أستعمل نيراني أمامها..لا بأس ستعلم هي و الآخرون عن قدرتي عاجلا أم آجلا."

وقف أحمد و رايلين على حافّة العربة. بعد أن أعطته بطاقاتها المتفجّرة وضعها الفتى في مخزن الجناح الفضّي ثمّ بدأ بإطلاق البطاقات نحو البحر فانفجرت و تصاعدت المياه إلى الأعلى بينما أطلقت هي بطاقات انفجرت في سيل المياه المتصاعدة فتحوّلت إلى جبال جليديّة عملاقة و اصطدم بها القطار محدثا رجّة كبيرة جعلت رايلين تفقد توازنها و تسقط في البحر بعد أن ضُرب رأسها بقطعة جليديّة...

***

فور حدوث رجّة نتيجة اصطدام القطار بالجبال الجليديّة أطلقت إميلي خيوطا نحو السّطح مثبّتتا نفسها بينما سقط )سولو( من على القطار لكنّها أطلق خيطا و أمسكت به قبل أن يلمس رأسه سطح الماء ثمّ سحبته لتجد أنّ المادّة اللّاصقة قد زالت عن وجهه.

"تبّا ! لقد تأثّرت المادّة بملوحة ماء البحر"، قالت في نفسها ثمّ أطلقت خيوطها صانعة حوله قفصا لكنّه صرخ بأعلى ما لديه مشكّلا فأسا في يده اليمنى و قطع بها الشرنقة ثمّ انهال على القفص بكلّ ما لديه من قوّة.

"جيّد، إنّه في المرمى تماما،قالت في نفسها، إنّ كلّ تركيزه منصبّ على تحطيم القفص" ثمّ أطلقت عدّة خيوط قصيرة شبيهة بالإبر أصابته في قدميه و ذراعيه جاعلة القزم الغاضب يسقط صارخا و هو يتلوّى من الألم.

 " أنا آسفة، قالت إميلي مقتربة منه و هي تلهث، أنت لم تترك لي خيارا آخر"

رصاص الخيوط: مهارة تابعة لشعبة العناكب حيث يُعدّل المستعمل قفّازه لإطلاق خيوط قصيرة الطّول يتمّ تعزيزها بواسطة هالته لتصبح قادرة على اختراق أيّ هدف مهما بلغ سُمكه. 

***

في تلك الأثناء...تحوّلت هوكوشين إلى ما يشبه قلعة مسكونة بالأشباح، قلعة يعمّها الصّمت و يسبح في هوائها ضباب أسود.

أُحتجز طلّاب السّنوات الجدد رفقة عدّة أساتذة و موظّفين آخرين في قاعة الطّعام بواسطة عدّة مساعدين ل دايموند حيث كانوا فاقدين لوعيهم تماما.

في مكتب نائبة المدير...كان دايموند جالسا على كرسيّ خلف المكتب واضعا قدميه فوق سطحه ، حاملا بيده جهازا أسود شبيها بالهايلو بينما كانت السيّدة ريد جالسة قبالته مطأطئة رأسها في صمت حيث أصبحت عيناها تضيئان باللّون الأحمر.

-"أجبني، قال دايموند عبر الجهاز، ألم تجدوا هذا الحجر اللّعين بعد ؟"

-"لا سيّدي نحن لم نجده بعد"، أجابه أحد مساعديه

-"تبّا ! لا توجد فائدة منكم أيّها ال(هومونكلوس) اللّعينون"، ردّ دايموند لاكما سطح المكتب، أسرعوا في إيجاده حالا !" ثمّ تنهّد معيدا الجهاز إلى جيبه و تقدّم من ريد ملامسا ذقنها و رفع رأسها ثم قال :

-" أنا آسف يا عزيزتي ريد، كما ترين أنا مشغول بالبحث عن حجر الرّوح لذا لم أجد وقتا للحديث معك فما رأيك لو تخبرينني الآن عن مكانه ؟ بذلك سنربح الكثير من الوقت و سنتحدّث قدر ما نشاء، ما رأيك ها ؟"

نظرت السّيدة ريد إليه بملامح حاقدة ثم بصقت في وجهه.

ابتسم دايموند ماسحا اللّعاب عن وجهه بمنديل ثمّ صفعها تاركا الدّماء تسيل من أنفها و أخذ كرسيّا ليجلس قبالتها ضاحكا :

-"كما هو متوقّع من أستاذتي السّابقة ، لازلت تقاومين قدرتي على التّنويم، هذا حقّا مثير للإعجاب، لاشكّ أنّك تستحقّين لقب أقوى منوّمة في هوكوشين ، لقد استطعت بطريقة ما الحفاظ على وعيك لكنّك مع ذلك مازلت لا تستطيعين الحراك."

-"أنت، ردّت ريد ثمّ سعلت قائلة :

-" أنت لم تتغيّر بعد كلّ هذه السّنوات يا دينامو ،لا تزال مجرّد حثالة."

ضحك دايموند بطريقة هستيريّة معيدا رأسه إلى الخلف ثمّ وضع يده على شعره و وقف بسرعة و قد ازدادت عيناه احمرارا ثمّ قال :

-"لا ! لا!  لا ! سيّدتي أنت مخطئة تماما، أنت لا تزالين تدعينني بذلك الاسم كأنّني لازلت الشّخص الذي طردتموه قبل عشر سنوات."

قرّب وجهه من وجهها شادّا بيده على شعرها مكملا و قد زادت عيناه اتساعا:

-" لقد ولدت من جديد بفضل سيّدي و أصبحت دايموند الآن." ثمّ أطلق ضحكة هستيريّة حتّى كادت أنفاسه تنقطع.

-" أنت تعلم أنّني حاولت منع مجلس الإدارة من طردك فلقد كنت أفضل منوّم عرفته هذه المدرسة منذ أجيال، لكنّ تصرّفاتك تجاه زملائك و أساتذتك زادت عن حدّها"

-" ماذا كان ذنبي ؟ هيّا تكلّمي ! أخبريني"، ردّ متمشّيا في الغرفة.

-" لقد ظللت تصرخ في وجه زملائك قائلا أنّ كلّ ما يفعلونه خاطئ و أنّ عليهم العمل بجدّ أكثر و صرت تصرخ عليّ أنا و بقيّة زملائي قائلا بأنّ علينا بذل المزيد من الجهد بل لم تكتفي بذلك فصرت تتنمّر على كلّ من يعارضك من زملائك ، لقد تحوّلت إلى وحش يا ماكس ، حتّى أنّك رفضت الخضوع لجلسات العلاج النّفسي."

-" لقد رفضت لأنّني لم أكن مريضا، أنتم لم تتقبّلوني لأنّ الحقيقة هي أنّني كنت أفضل منكم جميعا..لقد أردت أن أبلغ الكمال."

-" السّاحر الحقيقي هو من يمتلك القدرة على السّيطرة على أفكاره و مشاعره كي يستطيع احتواء مشاعر الجمهور لذلك لم تكن لتصبح ساحرا أبدا"

-" لقد جعلتموني أظنّ أنّ سعيي للكمال خطيئة لا تُغتفر حتّى أنّني كدت أصدّق ذلك، كدت أصدّق أنّني المخطئ لكنّ سيّدي وجدني و أخبرني بأنّ السّعي إلى الكمال لم يكن خطيئة بل كان نعمة أردت نقلها لجميع من حولي لكنّكم رفضتم هذه النّعمة النّقيّة وحوّلتموها إلى خطيئة"

نظر دايموند من النّافذة نازعا قفّازيه و أكمل:

-" لقد جعلني سيّدي أدرك أنّ البشر كائنات سخيفة، كلّ فرد منكم يخفي خطيئة في أعماقه لكنّكم تدّعون أنّكم أشخاص أنقياء..تدّعون أنّكم مثاليّون دون أن تفصحوا عن ذلك و هذا كان الفرق الوحيد بيني و بينكم..أنا لم أخجل ممّا أنا عليه و كنت على طبيعتي"

فجأة التفت مطلقا نحوها دخانا أسود من يديه قائلا:

-"أمّا الآن سأجعلكم تدفعون الثّمن جميعا عبر منحي لخطاياكم القدرة على الظّهور"

قاومت السيّدة ريد بكلّ ما تبقّى لها من قوّة لكنّها توقّفت عن الحراك للحظات فضحك قائلا :

 -"أحسنت، هيّا يا سيّدتي فلتتوقّفي عن المقاومة و أظهري لي حقيقتك لي"

 بدأ الضّوء الأحمر الذي في عينيها يزداد قوّة و ظهرت عروق سوداء حولهما.

***

أفاقت رايلين و هي تتقيّأ ماء البحر بعد أن سمعت أحمد يصرخ باسمها عشرات المرّات فوجدت نفسها ممدّدة على أرضيّة العربة و هي مبلّلة بالكامل ثمّ وجدت الفتى ينظر إليها بعينين مرعوبتين و تنهّد فور بدئها بالتّنفّس قائلا :

-" أوه..الحمد لله لقد كان ذلك وشيكا"

 جلست قائلة بصوت ضعيف:

-"م-ماذا حدث ؟"

-"ما الذي تقولينه ؟ لقد ضربت رأسك و سقطت في الماء فلحقت بك و سحبتك إلى هنا"، أجابها الفتى ثمّ قال في نفسه: "جيّد، يبدو أنّها لا تذكر أنّني استعملت نيراني و أنقذتها."

نظرت إلى الأمام فلم تجد الجبال الجليديّة فقالت:

-"أين ذهب الجليد ؟"

-" أظنّها غرقت" ثمّ أضاف قائلا في نفسه : "أوه..تبّا ماذا عليّ أن أقول لها ؟ لقد قمت بتذويبهم كي أستطيع رؤيتها."

-"هذا غير ممكن" ثمّ وقفت مكملة:

-"لكن لا يهمّ علينا صنع المزيد"

وقف أحمد و رايلين مجدّدا و عادا لصنع المزيد من الكتل الجليديّة.

***

في قمرة القيادة...

-"جيّد..لقد بدأت سرعة القطار تضعف، يبدو أنّهما فعلاها"، قال مادوكا مطلّا برأسه من النّافذة ثمّ التفت إلى )دانيال( الذي لا يزال نصف جسده محشورا بين الأسلاك و قطع الغيار قائلا :

-"(دان)، ما الذي توصّلت إليه هناك ؟"

-"(ماد)، اخرس و أعطني مفكّ البراغي"، أجابه مادّا يده.

أخذ مادوكا المفكّ من علبة المعدّات قرب دانيال ثمّ قدّمه له قائلا :

-"أنت لم تجبني بعد"

-" انتظر..ثوان و سأنتهي" ثمّ أخرج نفسه للحظات و نزع المنديل عن حجر السّرعة عائدا مرّة أخرى ثمّ و وضع الحجر في مكانه و خرج قائلا:

-" الآن انتهيت..اسحب الرّافعة التي أمامك يا (ماد)."

-"  آي آي كابتن !"، ردّ مادوكا دافعا الرّافعة إلى الخلف فبدأ القطار يصدر صوت صرير قويّ ثمّ توقّف تماما.

-"جيّد، تنهّد دانيال ماسحا قطرات العرق من جبينه، الآن ادفع مجدّدا إلى الأمام لكن ببطء هذه المرّة."

دفع مادوكا الرّافعة إلى الأمام تدريجيّا و خلال ثوان بدأ القطار بالتّحرّك إلى الأمام فابتسم قائلا:

-"هذا ما أسميّه رائعا !"

بعد عدّة دقائق أتت إميلي جارّة سولو في شرنقته و هو فاقد لوعيه ثمّ وضعته داخل الخزانة الحديديّة و أغلقتها بإحكام.

-" هذا مذهل !..(إم) لقد أحسنت عملا"، قال مادوكا.

-"شكرا، أ-أين أحمد و (راي) ؟"، قالت إميلي.

-"لا تقلقي إنّهما سيأتيان بعد قليل"، أجابها دانيال.

"جيّد، لقد هزمنا خطيئة واحدة و بقي ستّة آخرون إضافة إلى ذلك المنوّم"، قال مادوكا في نفسه.

***

إنّها السّاعة الحادية عشرة ليلا..لا تزال ساعة واحدة قبل حلول منتصف اللّيل، منتصف اللّيل الذي سيتحوّل فيه لون القمر إلى الأزرق لأوّل مرّة منذ مائة عام. بدأ سحرتنا الخمسة بالاقتراب من هوكوشين بينما لا يزال أتباع دايموند يبحثون هناك عن حجر الرّوح.


جميع الحقوق محفوظة

لا يجوز نشر أي جزء من هذه الرّواية أو تخزينها او نقلها على أي نحو أو بأي طريقة او خلاف ذلك الا بموافقة خطية من المؤلف مقدّماً.


الفصل السّابق

الفصل التّالي