هذا الفصل بعنوان:

بداية المعركة 

-"آيس ؟ أنت لم تخبرني بعد عن جوابك بخصوص المهرجان، قال دانيال عبر جهاز الهايلو، إنّه سيقام في الغد و لقد أخبرني البقيّة مسبقا بأنّهم سيأتون لذا عليّ سماع جوابك الآن دون لفّ أو دوران"

-"أنا سآتي بالتّأكيد"

-"هذا رائع ! أراك في محطّة سيدوس في الغد" ثمّ أقفل الخطّ.

أعاد أحمد جهازه إلى الخزانة محدّقا في قدّاحة فضيّة موضوعة هناك ثمّ دخلت آغنيس قائلة:

-"صباح الخير هل أنت مستعدّ للاختبار ؟"

-"نعم !"، ردّ الفتى و القدّاحة في قبضته اليمنى بنبرة يملؤها الحماس ثمّ  فتح قبضته و نظر إلى القدّاحة قائلا في نفسه : "لقد مررت بالكثير..يمكنني فعلها !"

***

مرّ أسبوعان على اللّيلة التي طرحت فيها آغنيس شرطها على الفتى. كان أحمد و آغنيس جالسين في غرفة اختبار العناصر في المعبد حيث كان الفتى يقوم بتحرير هالته التي كانت هادئة و متوازنة بشكل متقن لكنّ ملامح التّعب كانت بادية على وجهه الذي كان بتصبب عرقا مخلّفا بركة صغيرة على الأرض بينما كانت المرأة بعيدة عنه حاملة كتابا بين يديها، واضعة بجانبها ساعة جيب.

بعد مدّة أخفضت آغنيس الكتاب ثمّ حملت السّاعة قائلة :

- "يمكنك أن تتوقّف الآن ..أحسنت لقد مرّت ثلاث ساعات."

 اختفت الهالة و سقط الفتى ممدّدا على الأرض لاهثا ثمّ قال:

-"لقد أكملت شرطك الأوّل..الآن أخبريني عن المرحلة الثّانية هذه"

-"هذه المرحلة تسمّى ب"مرحلة المحاكاة"، إنّها تختلف من عنصر إلى آخر فبالنّسبة لعنصرك عليك تحويل هالتك إلى نار بمساعدة المعرفة التي لديك عن هذا العنصر لكن المعرفة التي تمتلكها الآن ليست كافية"

-"ليست كافية ؟"

أخرجت المرأة قدّاحة من جيبها و رمتها نحوه قائلة:

-"أنت الآن تحتاج معرفة من نوع آخر، عليك أن تنظر إلى شعلة تلك القدّاحة، المسها و أحسّ بالنّار بكلّ حاسّة لديك ثمّ حاول تقليدها..تلك هي مرحلة المحاكاة"

  منذ ذلك الوقت ظلّ أحمد يتأمّل شعلة القدّاحة كلّ يوم محاولا تحويل هالته إلى نار..في كلّ مرّة كانت هالته تهيج و تنفجر في وجهه محدثة بعض الفوضى لكنّه لم يتوقّف عن المحاولة إلى أن حدثت في يوم ما عندما فرقع إصبعيه شعلة صغيرة في يده. أحسّ الفتى بفرحة لا يمكن وصفها، فرحة حفّزته على فعل المزيد و المزيد.

بعد عدّة أيّام صعد الفتى البناية العالية التي تشاهد منها آغنيس الغروب و وقف عند الحافّة قائلا بينما الرّياح تلامس وجهه : " ما الذي أفعله ؟ هذا جنون..لا لا..عليّ أن أقوم بهذا..أنا أستطيع فعلها..عليّ أن أؤمن بنفسي"

تقدّم ببطء مغلّفا جسده بهالته ثمّ قفز صارخا، متّجها نحو الأرض الرّمليّة بسرعة هائلة بينما الرّياح تصفع وجهه و قبل أن يصل إلى الأرض بعدّة أقدام أطلق زوبعة ناريّة من قبضتيه محوّلا الرّمال إلى زجاج منصهر و غيّر اتجاهه محلّقا في الفضاء و أطلق ألسنة اللّهب من باطن قدميه و يديه مرتفعا في الهواء حتّى اخترق السّحاب صارخا: "لقد فعلتها !"

***

وقف أحمد و آغنيس قبالة بعضهما على أرض ساحة المعبد.

-"دعنا نبدأ الاختبار، قالت المرأة نازعة الصّندل من قدميها،عليك أن تثبت لي الآن أنّك تستطيع التحكّم بالنّار لذا تقدّم نحوي و أرني ما تستطيع فعله"

 ابتسم الفتى ثمّ فرقع إصبعيه محدثا شعلة غلّفت قبضة يده اليمنى قائلا:

-"لكي ذلك"

 تقدّم نحوها بسرعة هائلة معزّزا قدميه بهالته، هامّا بتسديد لكمة نحوها فقامت بضرب الأرض بقدمها ليرتفع حائط صخري صادّا لكمة الفتى لكنّ أحمد استطاع كسر الجدار بسهولة عبر تسديد لكمات ناريّة متتالية نحوه لكنّه وجد أنّ آغنيس قد اختفت من هناك فدفع بنفسه إلى الأمام ليتدحرج على الأرض ثم التفت وراءه ليجدها هامّة بتسديد لكمة بقبضة يدها اليمنى التي غُلّفت بالصّخور فقام بتغليف كلا ساقيه بالنّار ثمّ وقف على يديه و بدأ بالدّوران محدثا إعصارا ناريّا طويلا جدّا حول نفسه فقامت بإخراج عدّة جدران من الأرض على شكل مثلّثات حول الإعصار لتلتقي معا مشكلّة هرما فوق الفتى.

أعادت آغنيس الجدران إلى الأسفل لكنّها لم تجد أحدا هناك.

-"أوي ! أنا هنا"، قال الفتى الذي كان يطير في الهواء فوقها مغلّفا كلا قدميه و يديه باللّهب ثمّ أضاف قائلا:

-" رغم كلّ هذه القدرات الغريبة و المهيبة نحن نبقى سحرة في النّهاية لذلك فإنّ الإلهاء هو أهمّ سلاح لدينا..أليس كذلك ؟"

 فابتسمت المرأة قائلة :

-" معك حق" ثمّ ضربت الأرض بقدميها لتخرج عدّة صخور حولها و حرّكت قبضتيها إلى الأمام لتتحوّل الصّخور إلى أشلاء صغيرة و حادّة و أطلقتها نحوه فانتقل الفتى في الهواء بعيدا عن مجرى السّكاكين الصّخريّة لكنّ المرأة بدأت بالضّحك قائلة:

-"لم أنتهي بعد" فبدأ المجرى بتغيير مساره لاحقا بالفتى الذي صرخ قائلا:

-" ما هذا ؟" ثمّ أضاف في نفسه:" إنّ الصّخور تتبعني ! " و زاد من سرعته عبر قذف النّيران من أسفل قدميه و بعد أن ابتعد لمسافة كافية التفت مقابلا مجرى الصّخور ثمّ أطلق زوبعة ناريّة من كلتا يديه محرقا كلّ الصّخور ما عدا بعضها التي جرحت ذراع أحمد اليمنى فسقط على الأرض صارخا من شدّة الألم.

 نظرت آغنيس إليه بعطف للحظات ثمّ غيّرت ملامحها إلى الغضب قائلة:

-" هل هذا كلّ ما لديك ؟"

عاد أحمد إلى الوقوف ببطء محاولا التّوازن ثم قال بينما الدّماء تسيل من أعلى حاجبه الأيمن و ذراعيه و عيناه تلمعان باللّون الأصفر:

-" أنا لم أستسلم بعد" ثمّ فرقع إصبعيه لتنفجر دائرة ناريّة حول المرأة محدثة انفجارا كبيرا

"أوه تبّا ! لقد تحمّست كثيرا..إنّ الانفجار كان أكبر من المتوقّع"، قال الفتى في نفسه ثمّ جرى نحو الحريق محرّكا ذراعيه لتختفي النّيران عن المكان بلمح البصر لكنّه لم يجدها.

فجأة انشقت الأرض لتظهر حفرة جلست فيها المرأة ثمّ قفزت منها مبتسمة و قالت مصفّقة و قد تشقّقت عدسات نظّاراتها:

-"أنظروا من درس جيّدا و استطاع أن يقوم بعمل أفخاخ حولي دون أن ألاحظ، لقد أعجبتني هذه الحركة حقّا  !لقد رسمت بنيرانك تلك الفخاخ على الأرض عندما صنعت ذلك الإعصار بواسطة قدميك المشتعلتين."

مهارة الفخاخ : مهارة ذات مستوى متقدّم حيث يستطيع الأصيل عمل فخّ عبر رسم رمز عنصره على أيّ شيء لا يكون مضادّا لطبيعة العنصر فيتحوّل إلى عنصر المستعمل فور تفعيله أي أنّه ينفجر في حالة عنصر النّار و ذلك ضمن مدّة لا تتجاوز قدرة تحمّله و قطر معيّن كذلك.

لم تكمل المرأة كلامها حتّى سقطت نظّاراتها ليفاجأ الفتى بعينيها الشّاحبتين فصرخ قائلا:

-"أ..أغنيس..أ-أن-أنت ..؟"

 -"عمياء...و ماذا في ذلك ؟ هااا ؟!"، ردّت آغنيس ممتقعة الوجه.

 لم يجد الفتى جوابا سوى النّظر لها فاتحا فاه  فتجاوزته المرأة قائلة:

-" لقد كنت كذلك منذ ولادتي و تأقلمت مع مرور الوقت عبر استعمال بقيّة حواسّي و هالتي التي أمكنتني من رؤية هالات الآخرين"

التفت أحمد إليها قائلا:

-"لكنّك تستطيعين فعل كلّ شيء مثل الأشخاص العاديّين و ربّما أفضل منهم حتّى"

-"صدّقني الفرق الوحيد بين أمثالي و البشر العاديّين هو الإرادة للوقوف في وجه الحياة..ما يؤلم حقّا شعور الشّفقة الذي تشعرون به نحونا كأنّكم تشعروننا بأنّنا لا نرقى لأن نكون في مستواكم لذلك أرتدي هذه النظّارات متحرّرة بذلك من كلّ هذا الهراء..لقد نجحت يا أحمد يمكنك الذّهاب إلى أصدقائك" ثمّ همّت بالرّحيل في صمت.

-"علمي بأنّك لا تستطيعين الرّؤية لن يغيّر أبدا نظرتي إليك"

فتوقّفت المرأة للحظات و ابتسمت ثمّ أكملت طريقها.

***

بعد أن ارتدى بذلته و معطفه و قفّازه الأيسر في يده اليمنى بما أنّ قفّاز اليد اليمنى قد احترق في تلك الحادثة ليخفي رمز عنصره، ذهب أحمد إلى الخزانة ليخرج الجناح الفضّي ثمّ وضعه بالحامل قائلا بنبرة ساخرة : "لا تقلق أيّها الفضّي أنا لم أنسك بعد." وقبل أن يغلق باب الخزانة رأى القدّاحة فأخذها واضعا إيّاها في جيبه.

خرج الفتى من المنزل قائلا في نفسه : "أين ذهبت آغني( ؟..أوه..ربّما هي فوق سطح أحد المباني لمراقبة غروب الشّمس كعادتها "

صعد الفتى الدّرج ليجدها جالسة هناك و إذ به يلمح دمعة لامعة على خدّ )آغنيس( لكن فور سماعها لخطواته قامت بمسح دموعها ثمّ قالت بنبرة حازمة كعادتها:

-"هل أنت ذاهب الآن ؟"

-"نعم،أجابها الفتى هامّا بالجلوس بقربها، حسب جهاز الهايلو فانّ موعد قدوم القطار إلى محطّة المنطقة رقم 21 بعد ساعتين من الآن لكنّني سأراقب غروب الشّمس قبل أن أذهب"

-"كيف ستصل إلى هناك ؟ هل ستستعمل قدرتك ؟"

-" أنا في الحقيقة...أريد منك أن تقومي بتوصيلي إلى حدود هذه المنطقة ثمّ سأكمل الطّريق لوحدي." ثمّ قال في نفسه: "أعلم أنّني أستطيع الطّيران إلى هناك باستعمال قدرتي لكنّني أريدها أن توصلني..أنا لا أريد تركها هكذا..أرجوك يا آغنيس هيّا وافقي"

-"حسنا"

-"حقّا ؟"

-"نعم، لا نريد لتلك الملابس أن تفسد بسبب نيرانك"

فابتسم أحمد شاكرا آغنيس قائلا في نفسه : " إنّها تعلم جيّدا أنّ نيراني لن تفسد ملابسي لكنّها فهمت ما أردته في الحقيقة..أن أودّعها."

***

بعد أن امتطائهما للبساط الصّخري ظلّ الاثنان صامتين طوال الطّريق حتّى وصلا إلى حدود المنطقة بعد أن غربت الشّمس تماما.

-"يمكنك أن تكمل طريقك من هنا لوحدك"، قالت آغنيس

-"نعم"

-"طر عاليا كي لا يستطيع النّاس رؤيتك، لا نريد أيّ شكاوي تصل إلى المنظّمة بشأن ولد مشتعل يطير في الهواء و ابق بعيدا عن المشاكل ، مفهوم ؟"

-"عُلِمَ و فُهِم" ثمّ أضاف محتضنا المرأة:

-"أراكِ قريبا..آغنيس".

فوجئت المرأة بذلك الحضن لكنّها لم تقاومه، ظلّت صامتة فقط و ابتسامة حنونة مرسومة على وجهها، ابتسامة كادت أن تحدث تشقّقا في ذلك الوجه الذي لم يعرف ابتسامة صادقة منذ زمن بعيد.

 أظهر أحمد هالته ثمّ حوّلها إلى نيران بفرقعة من إصبعيه و طار في الهواء مودّعا معلّمته. التفت الفتى وراءه لمرّة أخيرة قبل أن يخترق السّحاب فلاحظ دمعة لمعت في ضوء القمر و قد سقطت من خلف نظّاراتها.

***

أفاق أحمد في صباح اليوم التّالي على صوت صفارة القطار الذي وصل إلى محطّة سيدوس حيث كانت تعجّ بالسّحرة من مختلف المناطق. فور خروجه من العربة لمح صديقه دانيال رافعا يده من بعيد صائحا : "أووي ! آيس ! من هنا " ثمّ لاحظ وجود بقيّة أصدقائه هناك أيضا.

 كان دانيال يرتدي بذلة زرقاء اللّون مع ربطة عنق حمراء و معطف ذو لون أصفر فاتح، وقد ازداد شعره الأشقر طولا مغطّيا جبهته بالكامل.كانت رايلين تقف بقربه واضعة يديها في جيبي سترة جلديّة رماديّة اللّون مرتدية ثوبا أسود بسيط يصل إلى أسفل ركبتيها مع جزمة طويلة من الجلد البنّي، إضافة إلى قبّعة اسطوانية سوداء  فوق شعرها الأحمر الذي قامت بعمله على شكل ضفيرة تصل إلى منتصف ظهرها بينما كانت إميلي واقفة بجانبها، مرتدية ثوبا أزرق سماويّ شبيه بالذي ترتديه صديقتها حيث زُيّن ببعض النّقوش البيضاء عند الكتفين و جزمة طويلة سوداء مع رباط من نفس القماش فوق شعرها القصير و حقيبة نسائيّة صغيرة سوداء في يدها اليمنى و مادوكا واقف مستندا للحائط بقبّعته السّوداء المعتادة و سترة جلديّة ذات لون يمزج بين الأصفر و البنّي.

صعد الأصدقاء الخمسة إلى محلّ سيدوس ثمّ بدؤوا بالتّجوّل في كلّ أنحاء مدينة القمر الأزرق.

-"إذا يا جماعة ماذا فعلتم خلال الفترة الماضية ؟"،سأل دانيال

-"التّدريب المعتاد على استعمال الفيتاي و العمل كمساعدة في عروض بسيطة هنا و هناك لجمع بعض النّقاط."،أجابته رايلين.

-"أنا أيضا..شاركت بعمل بعض الأعمال لدى نقابة لها فرع في مدينتي ساغيف تدعى النّاب الأ..."، أضاف دانيال.

-"انخرطت في نقابة ! هذا رائع"، تدخّل أحمد بحماس.

-"ألم تنخرط في أيّ نقابة بعد ؟"، سأله دانيال.

-"أ-..لا لم أفعل ذلك بعد..أنا"، أجابه أحمد بنبرة متردّدة.

-"أ-أنا لم أفعل ذلك أيضا"، قالت إميلي بنبرة متردّدة و خجولة.

-"يا جماعة كفانا حديثا عن هذه الأمور المملّة، تدخّل مادوكا، نحن هنا لنستمتع أليس كذلك ؟"

عندها وصل الفتى و أصدقاءه إلى قلب المدينة حيث امتدّ سوق مكتظ بالباعة من كلّ أنحاء المنطقة على كلا جانبي الشّارع الواسع: باعة حلويّات من مختلف الأشكال و الألوان، باعة تذكارات و ألعاب، باعة وجبات خفيفة إضافة  إلى خيم خاصّة  بالمسابقات و غيرهم الكثير. كان المكان يعجّ بالعديد من النّاس من مختلف الطّبقات الاجتماعية.

-"أووه ! هذا..هذا جميل !"، قالت إميلي.

-"أجل إنّه كذلك"، قال أحمد ثمّ أضاف قائلا في نفسه: "ترى هل سيأتي السيّد (لي) إلى هنا ؟ إنّ هوكوشين قريبة من هنا، ربّما عليّ أن أتّصل به"

***

في تلك الأثناء بساحة هوكوشين حيث كان الجميع بقاعات الدّرس...ظهرت بوّابة سوداء عملاقة خرج منها (تينيبريس) و (دايموند) رفقة عدّة مساعدين له يرتدون عباءات سوداء.

-"شكرا على التّوصيلة يا عزيزي"، قال دايموند ل(الشّيء الأسود) بنبرته الغريبة لكنّ هذا الأخير لم يجبه ثمّ عاد إلى البوّابة و اختفى معها.

-"oh la la !، قال دايموند مطلقا العنان لضحكته المخيفة، من كان ليصدّق أنّني سأعود إلى هذا المكان المقزّز بعد كلّ هذه السّنوات."

أمر الرّجل المجنون مساعديه قائلا: " تفرّقوا و ابحثوا عن حجر الرّوح و إن واجهتم أيّ أحد ف.." ثمّ أضاف و قد لمع ضوء أحمر من ظلام عينيه: "أقتلوهم جميعا !" و أطلق ضحكته بطريقة أكثر جنونا.

***

في مبنى الإدارة عند مكتب نائب المدير السيّدة ريد...

كان نايثان سيغارد جالسا مخفضا رأسه بينما نائبة المدير تقوم بتوبيخه قائلة :

-"ما فعلته في نقابتك يعدّ تصرّفا غير ناضج..لقد وصلتني رسالة من رئيسها يقول فيها بأنّك افتعلت شجارا هناك "

-"أنا..أنا آسف لقد سخروا من كوني أعمل في نقابة ليست تابعة لعائلتي."

-"و أنت رددت عليهم بالعنف"

-" كلّ..، أجابها بنبرة صوت ضعيفة، كلّ ما أردته هو الخروج من ظلّ والدي و..."

-"كان عليك أن تتحكّم بنفسك أكثر فأنت لا تزال ضمن مسؤوليّتنا و أفعالك تعكس صورة هذه المدرسة"

فجأة انفجر الباب و ظهر من الدّخّان دايموند ضاحكا ثمّ تقدّم إلى مكتب السيّدة ريد قائلا:

-"مساء الخير سيّدتي..هل مازلت تذكرينني ؟"

-" ما-ماكس دينامو ؟"، صرخت السيّدة ريد.

-" ذلك لم يعد اسمي يا سيّدتي" ثمّ أضاف نازعا قفازيه: "أنا الآن أدعى دايموند !" و انطلق دخّان أسود مخيف من يده نحوها.

عمّت هوكوشين سحابة ضخمة من الدّخّان الأسود جعلتها شبيهة بقلعة أشباح.


***

حلّ الظّلام على مدينة القمر الأزرق و بدأت الاحتفالات في قلب المدينة حيث أُقيم مسرح ضخم عُرضت به العديد من العروض الغنائيّة منها و المسرحيّة و حتّى السّحريّة كذلك.

كان الأصدقاء الخمسة واقفين مع الجماهير الغفيرة حيث بدأ العرض السّحري لساحر بدين و مساعدته النّحيفة كان قد وضعها داخل صندوق ثمّ أخذ منشارا و بدأ يقطعه لنصفين و المتفرّجون يصرخون عاليا.

-"أوه يا الهي إنّني أكاد أتقيّأ من هذا العرض الغبيّ، قال دانيال ، ألا يمكنهم أن يأتوا بساحر حقيقيّ ؟"

-" لا تنسى أنّ هؤلاء العامّة لا يعلمون بأمر وجود مجتمع السّحرة، أجابه أحمد، لذلك لن يستطيع منظّمو المهرجان التّفريق بين الحقيقيّين و المدّعين أمثاله إلّا عبر الرّخصة و التي على الأرجح قد تمّ تزويرها أيضا."

قانون مجتمع السّحرة، الفقرة أ من البند الأوّل: يجب على السّاحر عدم كشف وجود مجتمع السّحرة لعامّة شعب المملكة إلّا في حالات خاصّة. أيّ تجاوز لهذا القانون يودي بمرتكبه إلى المحاكمة و مصادرة رخصته.

-" أو ربّما منظّمو المهرجان يعلمون بأنّ رخصته مزيّفة ولا يهتمّون لأنّهم سيوفّرون الكثير من أموال الميزانيّة التي سيضعونها في جيوبهم"

-"معك حقّ"

حلّت العاشرة و انتهى معها العرض ثمّ أتى عمدة المدينة ليلقي خطابه. كان رجلا أصلع ، أسمر البشرة، طويلا نسبيّا مع معدة بارزة  و ملامح جادّة أبرزها شاربه الأسود و كان يرتدي بذلة زرقاء داكنة مع ربطة عنق حمراء.وقف على المنصّة بوضعيّة واثقة وسط تصفيق الجمهور ثمّ بدأ خطابه قائلا :

"أعزّائي سكّان مدينة القمر الأزرق و زوّارها الكرام من كلّ مكان،

نحن هنا لنحتفل بحدث مهمّ جدّا لهذه المدينة و سكّانها و ربّما كلّ أرجاء هذه المنطقة، حدث يصير كلّ مائة سنة حيث يتحوّل القمر في منتصف اللّيل من لونه الأبيض الفضّي إلى لون أزرق جميل ففي مثل هذه اللّيلة و منذ زمن بعيد جدّا، عندما كانت مدينتنا الجميلة مجرّد قرية بسيطة لمع نجم ما ثمّ سقط من السّماء نحو البحر ثمّ تحوّل القمر إلى لون يحبس الأنفاس و بقي كذلك طوال اللّيل ثمّ عاد إلى طبيعته من جديد لكنّ بَرَكَتَهُ لم تزل عن هذا المكان بل جعلت هذه المدينة أفضل من أيّ وقت مضى و بذلك أصبح هذا المكان المبارك يدعى بمدينة القمر الأزرق !"

عندها ارتفع الصيّاح و التًّصفيق ثمّ هدأ مرّة أخرى و أكمل العمدة :

-"و الآن كفانا حديثا عن التّاريخ و دعوا الحاضر يتكلّم لذا هيّا لنحتفل بهذه اللّيلة العظيمة و لنترقّب تحوّل القمر !"

عاد الصيّاح و التّصفيق من جديد و همّ العمدة بالنّزول. فجأة حلّ انفجار كبير من مكان بعيد بالشّمال مصدرا ضوضاء كبيرة جعلت المكان يهتزّ ممّا جعل الجميع يصرخ.عمّ المكان ذعر لا يوصف ثمّ بدأ جميع الحاضرين بالهروب.

"ماذا ؟، قال الفتى في نفسه محدّقا في برج الدّخان المتصاعد، هل يعقل أن يكون هذا الانفجار صادرا من هوكوشين ؟"

-" أحمد ! ،صرخ دانيال ممسكا بمعصم الفتى، ما الذي تفعله ؟ هيّا بنا نهرب !"  ثمّ بدآ بالجري رفقة بقيّة الأصدقاء .

-"أظنّ أنّ هذا الانفجار صادر من هوكوشين"، قال أحمد.

-" معك حقّ، ردّ دانيال، من الواضح أنّ مصدر هذا الانفجار بعيد عن هذه المدينة "

-" ما الذي علينا فعله ؟،تدخّل مادوكا، هل علينا أن نذهب إلى هناك ؟"

-"هل أنت مجنون ؟، تدخّلت رايلين، أتريدنا أن نجرّ أنفسنا إلى الخطر بأقدامنا ؟"

-" لكن..لا يمكننا الهرب و ترك مدرستنا هكذا ! "، قال أحمد .

توقّف الجميع عن الجري على الفور ثمّ قالت (رايلين) للفتى :

-"ماذا تريد منّا ؟ أعلينا الذّهاب إلى هناك ؟ إلى قلب الخطر ؟ أتظنّ أنّ هذا ما كان ليريده أساتذتنا ؟ إنّهم سحرة محترفون و أقوى منّا بكثير لذا يمكنهم تولّي الأمر بكفاءة دون أن يحتاجوا إلى مبتدئين أمثالنا"

-" لكن هناك زملاء و أساتذة لنا بذلك المكان، المكان الذي كان في يوم ما موطنا لنا..هناك أشخاص يحتاجون مساعدتنا حتما، إنّهم عائلتنا و علينا مساعدتهم" ثمّ أضاف قائلا في نفسه: " لقد وعدت نفسي بأن لا أخسر شخصا آخر ممّن أحبّهم مرّة ثانية."

-" معك حقّ، قال دانيال واضعا يده على كتف أحمد، أنا معك."

-" أنا أيضا، قال مادوكا بنبرة متحمّسة، أنا لن أترك المرح كلّه لكما"

-"أ-أنا أيضا"، ردّت إميلي

نظرت رايلين إلى الجميع ثمّ قالت بحزم:

-"يا إلهي ! أنتم الثّلاثة تجرّونني أنا و إميلي دائما إلى المصائب..حسنا، أنا أيضا معكم.على أحد ما أن يراقب أشخاصا مثلكم."

-" إذا هيّا بنا إلى محطّة سيدوس،قال دانيال، لكن قبل ذلك هل الجميع يمتلكون معدّاتهم ؟"

أجابه البقيّة عبر إخراج معدّاتهم : قفّازات فيليب الخاصّة بإميلي، الجناح الفضّي الخاصّ بأحمد، حزام رايلين بحقيبتيه الجانبيّتين و ساعة جيب مادوكا.

فابتسم دانيال مخرجا كرات زجاجيّة رماديّة بين أصابعه ثمّ قال :"الآن نحن جاهزون لما هو قادم"

إنّها العاشرة و النّصف مساء..انطلق السّحرة الخمسة إلى محلّ سيدوس متّجهين إلى هوكوشين.


جميع الحقوق محفوظة

لا يجوز نشر أي جزء من هذه الرّواية أو تخزينها او نقلها على أي نحو أو بأي طريقة او خلاف ذلك الا بموافقة خطية من المؤلف مقدّماً.


الفصل السّابق

الفصل التّالي