قسوة القلوب... Cruelty of hearts

By The Egyptian Writer

Dr. Tarek Radwan Gomaa

 

يقول تعالى {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً } وأبعد القلوب من الله القلب القاسي . ويقول عمر بن الخطاب:"ولكنها القلوب يا عليّ، إذا صَفَت رأَت. هناك مَن بمُعاشرته يمنحك مِن عبق فِكره ما يُلوِّن الحياة بعينك ويزيدك رقيًّا، وهناك مَن يستدعي بسوداويّة نظرته وحديثه دفائن هُمومك، ويُثبِّط أحلامك الرّفيعة، فأَحسِن مخالطة الناس، واجعل دَيدنك الخِفّة أنّى حَللتَ.

" كم من أصدقاء نعيش معهم معظم أوقاتنا، كم من قلوب قاسيه تعيش معنا! قلوب تنبض بقسوه وبحقد وكراهيه. فقسوة الوالدين أو أحدهما على الأبناء مرفوضة وتدمر الأبناء، فأحيانا يَقْسو الأب علي أولاده, بحجة الحزم في تربيتهم, وهكذا يفقدهم الحنان الذي يحتاجون إليه منه كمصدر طبيعي للحنان. وقسوة الأبناء على الأباء سيغبق باب الرزق والنجاح في وجههم.فقسوةوة القلب تفقدك الرفيق والصديق والعضد من أخيك وأبيك.

 

 

وعندما تزول القلوب القاسيه فلن يكون هناك حالات إجراميه ولا حالات إغتصاب ولا حالات تشهير في الأعراض ولا حالات طلاق،سيكون عالم آخر سمائه زرقه وأرضه خضراء. 

 

قد يقسو الزوج أيضا علي زوجته وبسبب غيرته الخاطئة ينتهي الأمر في هذه العلاقة الزوجية إلي الطلاق أو الخُلع أو القتل. والقسوة تبدأ أولا في القلب, وقد تتطور إلي قسوة في اللسان من جهة الكلمة القاسية أو النظرة القاسية. وقد قال سليمان الحكيم في ذلك: الجواب اللين يصرف الغضب, والكلام الموجع يهيج السخط.

 

والعجيب أن الإنسان القاسي يجمع بين أمرين متناقضين: فيكون حساسًا جدًا من جهة المعاملة التي يعامله بها الناس, ولا إحساس له من جهة وقع معاملته القاسية علي الآخرين.

 

 

 

وقديما كان السود يعانون من قسوة قلب البيض لهم واستعباد البيض لهم حيث كان العبد يحرم من كل حقوقه البشرية أحيانًا إلي جوار ضربه وجَلده.وقد تعرض لبعض هذه المعاملة المهاتما غاندي:

 

لا تشتر العبد إلا والعصا معه إن العبيد لأنجاس مناكيد

 

 

 

القلب الطيب عكس القلب القاسي الذي قال عنه ابن القيم: خلقت النار لإذابة القلوب القاسية . القلب الطيب عكس القلب القاسي الذي وصفه ابن القيم بقوله: ما ضُرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب هو قلب وصفه ابن القيم بكلمات كالدُّرر: القلوب آنية الله في أرضه، فأحبُّها إليه سبحانه: أرقُّها وأصَلَبُها وأصفاها..فالقلب الطيب معطاء رغم قلَّة ما قد يكون لدى صاحبه من زادٍ. فهو قلبٌ يحسُّ بألمٍ وأنين وأحزان غيره من القلوب، ويُؤلمه أن يرى أحبابه يتوجَّعُون. وهو قلب لا يحمل سوى نسماتٍ رقيقةٍ مع شريط ذكريات سعيدة، يأبى أن يَمحوَها؛ وفاءً لعِشْرةٍ أو حديث سابق بينه وبين قلب مثله.  قلب لا يملِك صفحات سوداء، ولا يُمكن تلويثُه رغم كل ما يُعانيه من ملوِّثات الطقوس حوله. فلا يعتريه جليدُ المواقف، ولا ألَمُ الأيام، ولا جفاء المعاملة. ربما تكون ثقافته ضعيفة، إلا أن له من الذوقيَّات والتعامُلات الراقية ما لا تجده في القلوب من حوله. القلب الطيب قلبٌ يُؤثِّر فيك بروحه تارة وبرسائله تارة، فتستشعر تمامًا أنه قريب منك للغاية، معك ليس بغائب. وهو قلب ترى البسمة دائمًا على مُحيَّاه رغم كل ألم يعتريه. قلب قد يموت قبل أوانه؛ لكنه يبقى ذا أثرٍ يملأ الدنيا جمالًا حتى لو واراه التراب.

 

 

 

القلب الطيب هو في حقيقته وردةٌ جميلةٌ لا ينبعث منها إلا كلُّ رائحةٍ جميلة وبألوان أكثر جمالًا. هو روضةٌ صغيرةٌ من رياض الجنة تمنح للمؤمن. فهو ينتفع بالموعظة، رقيق لا يعرف القسوة، لا يتكبَّر.هو قلب يعتذر عن الخطأ، لا يتغطرس ولا يتعالى، هو سمح سموح مسامح.القلب الطيب هو مصدر عافية الجسد كله ومنبع السعادة، هو روح تسري فيمن حوله، فيحيا ويُحيي القلوب.

 

القلب الطيب به مُتَّسع كبير لبلايا الناس ومتاعبهم وظلمهم؛ لذا فهو مسكين إلى حد كبير بسبب رقَّته وكثرة معاناته.القلب الطيب قلبٌ يغوص في أحاسيس الآخرين، لا يعرف السطوح ولا التظاهُر بل يغوص في صميم الأعماق. القلب الطيب يحن ويفرح ويتذكَّر ويشتاق، عكس القلب القاسي، فهو محرومٌ لا حظَّ له من ذلك كله. القلب الطيب قلب نبيل حين يحب، فهو يحب من قبيل الارتياح وراحة البال وسلامة الروح.