علمتني الحياة أن "الصراحة لا تعني الوقاحة.. والمجاملة لا تعني النفاق.. والعفو ليس ضعفًا" . في العادة ما يحتاجه الشريكان من العلاقة الناجحة، هو اظهار المودة والعشق والحب، فمقتل أي علاقة بين الشريكين هو تجاهل أو إعتبار أن الأمر أصبح تحصيل حاصل بحكم العشرة والحياة المديدة بين الطرفين، ويمكن أن يكون نتيجة الثقة، والمبالغ فيها في بعض الأحيان، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى العزلة بين الطرفين، وموت الحب بينهما.
وتحاول نظرية المطابقة correspondence theory استخلاص معنى الصحة والخطأ، الصدق والكذب.واستقر أغلب المترجمين العرب على ترجمة (truth) و(falsity) كالتالي: صدق وكذب. فيقال إن الحكم (س) صادق، والحكم (ص) كاذب، وكان فلاسفة العرب القدماء يستعملون هاتين الكلمتين أيضًا. وهذا برأيي استعمال مربك؛ لأن الصدق والكذب مقولتان من مقولات الإعتقاد. فإذا كنتُ أعتقد أن السماء تمطر وقلتُ (إنها تمطر) فقولي صادق، وإذا قلت (إنها لا تمطر) رغم اعتقادي أنها تمطر فقولي كاذب.
نظرية المطابقة تنص على أن القول يكون صائبًا إذا تطابق مع الواقع (وليس مع الإعتقاد) ويكون خاطئًا إذا لم يتطابق مع الواقع. فعندما نقول (الكرسي أحمر) فإن قولنا يصحّ إذا كان الكرسي في الواقع أحمر، وإذا لم يكن أحمر فقولنا خاطئ. والأصل التاريخي لهذه النظرية يعود لأرسطو.
يقول أرسطو في الكتاب الرابع من (الميتافيزيقا) "أنت عندما تقول عما هو موجود إنه غير موجود، أو عما هو غير موجود إنه موجود، فذلك كذب؛ في حين أنك عندما تقول عما هو موجود إنه موجود، وعما هو غير موجود إنه غير موجود، فذلك صدق" (أرسطو، الميتافيزيقا، ص342). لكننا نلاحظ في هذه العبارة أن أرسطو لم يستعمل كلمة (مطابقة) أو (موافقة). فهذه الكلمة كما أشرنا ظهرت مع الصياغة التوماوية (نسبة لتوما الأكويني). وتوما الأكويني نفسه يعزو العبارة لابن سينا وهو بدوره أخذها من إسحاق الإسرائيلي في كتابه التعريفات (اسمه العربي: الحدود والرسوم) (ذكر ذلك هايدجر، ص 257).
من الواضح بعد هذا العرض السريع أن نظرية المطابقة بين ما في الأذهان لما في الأعيان كانت مألوفة في الفكر العربي-الإسلامي القديم .كما أثبت أرسطو في كتاب المقولات "إنه بناء على كون الشيء أو لا كونه تكون أفكارنا صادقة أو كاذبة".
يقول أحمد شوقي:"والمرءُ ليس بصادقٍ في قولهِ حتى يؤيّدَ قولَهُ بفعالهِ". كلمة «الصدق» لها آثار عظيمة في حياة الفرد، بل في حياة الأمم، والشعوب. وكيف يكون لمجتمع ما، كيان متماسك وأفراده لا يتعاملون فيما بينهم بالصدق، بل كيف يكون لمثل هذا المجتمع رصيد من ثقافة، أو تاريخ، أو حضارة؟
فالصدق دعامة الفضائل، وعنوان الرقي، ودليل الكمال، ومظهر من مظاهر السلوك النظيف، وهو الذي يضمن رد الحقوق، ويوطد الثقة بين الأفراد والجماعات.
وحسبنا دليلاً على أهمية الصدق أنه من صفات الله عز وجل،«اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً». يقول صلى الله عليه وسلم: «إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صدّيقاً». والصدق من أهم الأسس لبناء علاقات إنسانية يتخللها المحبة والثقة والأمان. ومن صدق في ترك شهوة أذهبها الله من قلبه ، والله أكرم من أن يعذب قلباً بشهوة تركت من أجله.
وقديما قالوا تعلموا الصدق قبل العشق لأن العبث بالمشاعر أبشع جريمه ،فالحقيقة هي وصف موضوعي للواقع ، دون أي نغمات عاطفية أو زخرفة.
ومن الملاحظ أن كلا من الرجال والنساء يصنعون الأعذار في العلاقات طوال الوقت. الأسباب لا حصر لها ، ولكن ما تخبرك به أعذارك هو هذا ؛ أنت لست مستعدًا لما حصلت عليه. على الرغم من أن الأعذار الخاصة بك قد تبدو مبررة لك ، فغالبًا ما يُنظر إليها على أنها أكاذيب ضعيفة لزوجتك أو شريكك. الأعذار بشكل عام ليست سوى وسيلة لتجنب المسؤولية. من المفارقات أن الأعذار ذاتها التي تصنع عادةً لحماية الناس ، وتؤذي أكثر من الحقيقة نفسها ، وتصبح النقطة المحورية للعديد من الانهيارات.
والإستماع هو مفتاح كل قضايا العلاقة. لذلك استمع إلى مشاعر الأخر. لماذا نلجأ دائما إلى الحفاظ على المشاعر؟المحافظة على المشاعر يضمن لنا الإستمرارية في التوازن الذي نحن عليه، لان تحريكها من مكانها عادة يؤدي إلى الألم و الحزن والخوف لذا نبقي على حالنا كما هي، هذه هي صعوبة التغيير في المشاعر لذا يلزمك بعض الشجاعة والقوة لتحريك عجلة المشاعر الخاصة بك الموجودة بالداخل. كذلك أوقات لا نقبل النزول في المشاعر و لا حتى صعودها لذا نبحث دائما عن الثبات لأن ذلك يضمن لنا نوعا من الطمأنينة و السكينة و الهدوء.
وأوضح الفيلسوف الألماني العظيم نيتشه أن المشكلة مع الكثير من الناس هي أنهم لا يريدون مواجهة الحقيقة ، وحتى تلك الحقائق الواضحة ، لا يريدون الاعتراف بها.وأجاب لاروشيفوكولدعن سؤال هل الحقيقة جذابه؟ أنه ليس من الجيد دائمًا أن يسمع الجميع الحقيقة عن أنفسهم:قلة قليلة من الناس الذين يرغبون في سماع الحقيقة كاملة عن أنفسهم. في الواقع ، الانفتاح المفرط يمكن أن يضر بالعلاقات مع الناس. هذا هو السبب في أنه من الضروري أن نفهم بالضبط أين تنتهي الحاجة إلى متابعة الحقيقة وتبدأ المداراة الأولية.
وهذه هي كلمات تيرينس:الحقيقة في بعض الأحيان تثير الكراهية.عندما يعرف الناس كل شيء عن بعضهم البعض تمامًا ، يصبح ظهور مشاعر غير سارة أمرًا لا مفر منه ، لأن كل شخص لديه جانب إيجابي وجانب سلبي. هذا لا يمكن تجنبه. عندما يكتشف شخص ما عن جاره وعيوبه كل شيء على الإطلاق ، فلا يوجد شيء يثير الدهشة في حقيقة أنه في لحظة معينة يمكن أن يعارضه.
وأضاف الكاتب الروسي العظيم أنتون بافلوفيتش تشيخوف أن الشخص الصادق هو الصحيح.عندما يكون الشخص مفتوحًا أمام الآخرين ، وليس لديه ما يخفيه ، فهذا يجعله على صواب تلقائيًا. إذا حاول شخص أن يخفي حقيقة أنه هو نفسه محرج ، فإن هذا ، على العكس من ذلك ، يحرمه من الحقيقة. هذا هو السبب في العلاقات مع الناس ، وخاصة مع أحبائهم ، من الضروري إظهار الصدق. ليس من الضروري البحث عن الصواب ، لأنه نتيجة مباشرة لانفتاح الشخص.
الحقيقة دائما لها قيمتها ، ولكن في لحظات صعبة من تاريخ البشرية ، كانت دائما مخفية عن الناس العاديين. لم تتح لممثلي الناس الفرصة لمعرفة كيف هي الأمور بالفعل. الشيء هو أن حكام الدول المتعارضة يسعون دائمًا إلى تحقيق أهدافهم ، ووفقًا لمصالح الدولة ، يتلقى الأشخاص العاديون هذه المعلومات أو تلك المعلومات.
العلاقة المجازية أشبه بالفاكهة المقشّرة، تأخذ لبّ حلاوتها هنيئاً مريئاً، دون تكبّد جهد تقشيرها ونزع بذورها وتهذيبها، أما الحقيقية فتعني: التزامات عِشرَة وقدر مسؤوليات ودرجات بذل ومجاهدة في صونها وعدالتهـا، والنهج السائد في عصرنا الراهن هو عشق الجاهز والمقشور بأعلى درجاتهما، وبغض المسؤولية والجهد بأدنى درجاتهما، فلا عجب إذن أن يكون المجاز أحقّ وقعاً من الحقيقة؛ لأنه قائم على الهوى في المقام الأول.