يشكل الاستيطان حجر الزاوية في الفكر الصهيوني والقاعدة التي قام عليها الكيان الغاصب للحق و للأرض، وهو الأساس الذي يعتمده لفرض الأمر الواقع الاحتلالي على توسعاته العسكرية المتتالية.

ويختلف الاستيطان الإسرائيلي عن أشكال الاستيطان الاستعماري التي عرفها العالم في العصر الحديث لأنه يستند في تسويغ وجوده على فلسفة ذرائعية وادعاء ديني˛ ويعتمد سياسة الأمر الواقع التي تساندها القوة العسكرية.

وتشمل المستوطنات الإسرائيلية جميع البنى والعمليات المادية وغير المادية التي تشكل وتدعم العملية الرامية إلى توطين تجمعات سكنية إسرائيلية فيما وراء الخط الأخضر لعام 1949 في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولا يقتصر الاستيطان على عملية البناء بل يتلازم مع عمليات هدم المنازل و المجتمع العربي القائم بصفة عامة وفقا لمرسوم يجري تطبيقه على مراحل من خلال تجاهل الحقوق الأساسية للسكان الأصليين من الفلسطينيين. 

   فمنذ احتلالها للأراضي الفلسطينية في 1967، قادت الحكومات الإسرائيلية عمليات التخطيط للمستوطنات و تشييدها و تطويرها، وتشارك في ذلك بصورة مباشرة عبر إدراج أحكام صريحة في وثيقة السياسة العامة الأساسية تتضمن إنشاء هياكل حكومية تتولى تشييد البنية التحتية وتشجيع المهاجرين اليهود إلى "إسرائيل" على الانتقال إلى المستوطنات ودعمها عن طريق تقديم خدمات عامة والقيام بمشاريع تنمية.

أي أننا إزاء سياسة استيطانية تتعارض بشكل واضح وصريح مع القانون الدولي الإنساني الذي يمنع الدولة المحتلة من نقل مواطنيها إلى المناطق التي قامت باحتلالها أو إجراء تغييرات دائمة في الأراضي المحتلة باستثناء تغييرات ضرورية لحاجات عسكرية أو لصالح السكان المحليين. وهو ما نجده تحديدا في المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب في فقرتها 6 التي تنص على انه "لا يجوز لدولة الاحتلال أن ترحل أو تنقل جزءا من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها. "هذا إضافة إلى أن دولة الاحتلال تعتبر فقط الجهة التي تتولى إدارة المؤسسات والمباني العمومية والغابات و الأراضي الزراعية وتنتفع منها، مما يجعل من النشاط الاستيطاني الإسرائيلي المستمر في الأراضي الفلسطينية و المخطط التفتيتي للضفة الغربية الذي يستعر وتشتد وتائره، في ظل غياب سياسة مواجهة عربية واضحة و قوية، انتهاكا صارخا للعديد من أحكام القانون الدولي عموماو القانون الدولي الإنساني على وجه الخصوص.

   وتجدر الإشارة إلى أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة كانت ولازالت تعتبر المستوطنات مجالات "ذات أولوية وطنية" تستفيد من إعانات في مجالي الإسكان والتعليم، حيث أقيم نظام حكومي لتقديم الإعانات والحوافز لتشجيع المهاجرين اليهود إلى "إسرائيل" على الانتقال إلى المستوطنات ودعم تنميتها الاقتصادية عبر استثمارات حكومية لا تذكر صراحة في الميزانية العامة لكنها تخصص خفية في عملية يصفها الرئيس السابق للجنة الخدمة المدنية الإسرائيلية "إسحاق غالنور" سنة 2007 بأنها "سرية جزئيا" ، و في سنة 2011 بأنها "أداة سياسية".

و على سبيل الذكر لا الحصر˛أسهمت الحكومة القائمة منذ افريل 2009 في تدعيم المستوطنات والتوسع فيها. وكان الإنفاق الحكومي على المستوطنات سنة 2011 أعلى منه في سنة 2010 بنسبة 38 %. وكان وزير المالية "يوفال ستاينيتش" قد أعلن في 14 نوفمبر 2012 انه تمت مضاعفة ميزانية مستوطنتي "يهودا والسامرة" في الضفة الغربية˛ وتم ذلك بطريقة لا تلفت الأنظار كي لا تقوم الأطراف في "إسرائيل" أو خارجها بعرقلة هذه الخطوة.

   هذا ولا يمكن الحديث عن السياسة الاستيطانية الإسرائيلية المنافية للقانون الدولي الإنساني دون الإشارة إلى هدم و تدمير المنازل ومصادرة أكبر مساحة ممكنة من الأراضي كآليات تعتمدها سلطات الاحتلال لإقامة المستوطنات أو توسيعها وتقييد التنمية العمرانية وحصرها في رقعة تسهل السيطرة عليها.فطالما كان الإعلان عن الأراضي كأراضي دولة وتسجيلها على هذا الأساس هي الآلية المركزية للاستيلاء على الأراضي˛ وهو إجراء بدأت قوات الاحتلال في إتباعه منذ 1979 واستند على تطبيق قانون الأراضي العثماني من سنة 1858 الذي كان ساري المفعول مع بداية الاحتلال.

يضاف إلى ذلك العديد من الآليات الأخرى التي تنتهجها "إسرائيل" للاستيلاء على الأراضي بطرق مخالفة للقوانين الأساسية، حيث أنه في كثير من الأحيان لا يعرف الفلسطينيون بأن أراضيهم قد تم تسجيلها على اسم الدولة بدعوى أنها سلمت للمستوطنة ب"حسن نية".

وكل هذه الطرق تصب في هدف واحد وهو بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة في تجاهل واضح للحظر المفروض على الاستيطان في الأراضي المحتلة من قبل اتفاقية جنيف الرابعة وغيرها من أحكام القانون الدولي الإنساني المنطبقة على الأراضي الفلسطينية المحتلة˛ وفي ظل تعاون محكمة العدل العليا الإسرائيلية مع آليات مصادرة الأراضي والاستيلاء عليها مما ساعد على خلق رداء قانوني لإجراءات غير قانونية.

 و رغم ادعاء "إسرائيل" التي بدأت في بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة بعد مضي وقت قصير على انتهاء حرب 1967  أن المستوطنات بنيت لتعزيز الأمن الإسرائيلي، إلا أن الهدف الحقيقي هو تدعيم سيطرتها على الأراضي الفلسطينية المحتلة وضمان قدرتها على توسيع حدودها في أي اتفاق دائم، شأنها في ذلك شأن مستوطنات القدس الشرقية بما فيها تلك التي وضعت داخل الحدود البلدية للقدس، فهدفها دعم مطالبة "إسرائيل" غير القانونية بجعل القدس المحتلة جزءا من عاصمتها وتعديل التركيبة الديمغرافية للمدينة لضمان أن يشكل الإسرائيليون غالبية فيها. وبالتالي السعي إلى أن تكون الدولة الفلسطينية غير قادرة على النمو والتطور بجعل أراضيها مقسمة بالمستوطنات.