يعتقد أن عبادي الجوهر  صديقه الخاص وهو الذي لم يلتقيه ولو لمرة ، يدافع عنه ويصيبه بعض الغضب أحياناً عندنا يذْكُره أحد بـ عبادي. 

 حينما يستمع إليه تلمع عيناه من فرط طربه وشعوره بما يسمع، يخترق صوته إلى أبعد نقطة في قلبه كوتد، مطرقته حزن حقيقي يضرب ولا يبالي. فيوصف الحزن الذي في أغنياته : لقد لبّس الحزن ثياب فاخرة وسرّح شعره وأهتم بمظهره حتى أحبته الفتيات قبل الشبان!

 ‏يشعر عنه ويشعر بشئ من العتب على زوجة عبادي "أم سارة" رحمها الله من بعد لقاء تلفزيوني سأل فيه المذيع الفنان الوقور ، ماذا كانت تحب أن تسمع منك أم سارة ؟ 

 ‏- كانت تحب أن تسمع مني " تدرين وأدري بنفترق" .

عتبي عليها هو خوفي على عبادي من أن يصيبه الحزن مرتين ، مرة عندما تطلب غناءها وهو الذي يحبها، ومرة عندما تتركه وترحل لمثواها الأخير. " تدرين قلبي بيحترق" وكأن قلب عبادي احترق، بالتالي اعرض عن الزواج مرة اخرى بعد أن ترمّل.

ينقبض قلبه كل مرة يسمع فيها فنانه : "الجرح ارحم من فراقك دقيقة / لو ترحلي أعيش من غير ما ادري". وهي الأغنية التي لحنها للفنان العظيم النزق محمد عبده ، لكنه استردها منه قبل تسجيلها وطلب منه أن يغنيها بنفسه بعد فقد أم سارة. ينقل عن عبادي : طلبت غنائها لأني شعرت حينها بأن الكلمات تعبر عني. وكأنه أراد التعبير عن فقدها بأغنية حتى يشاركه الناس حمل هذا الفقد الذي سقط على قلبه وعجز عن حمله لوحده.

يؤمن هذا الصديق بأن محمد عبده فنان متكامل، يقول لأصدقاءه بمبالغة محسوبة، رزق الله هذه الصحراء القاحلة النفط ومحمد عبده، لكن عبادي هو الإنسان الحقيقي وليس ضمن تصنيف الوسائل الفاعلة.

عندما يستيقض صباحاً يكون سمعه مشتاق لأحد أغنيات عبادي أو محمد عبده واحياناً كاظم الساهر، كان كل ذلك قبل أن يصيبه الملل وموت الشغف من كل شئ.

من المقهى الذي يحب زيارته كل يوم والقهوة المقطرة اللذيذة بمرارتها ، من الكتب التي يشعر بالنشوة والحزن عندما يقلب الصفحة الأخيرة ، عن العمل الذي يبادر فيه ويحمل فيه أطنان المهام، من النقاشات التي يعرض فيها أفكاره ويستمتع بالذود عنها كما يفعل محمد الدعيع عن مرماه ، عن متابعة الأخبار المتناقضة من مصدرين  والضحك منها لوحده كما لو كان مجنوناً. عن الحياة التي يراقب نفسه يذبل فيها وعروقه في الماء!

حتى أصبح يعجز عن التعريف بنفسه، يجد فيها " مجموعة إنسان" من كل ضد وضد تلقيني فيني،بالتساوي. وبدت شخصيته بلا لون أو طعم. يشعر بالخجل عندما يسألهم أحدهم عن لونه المفضل لأنه ببساطة لا يعرف، يرّد بالرمادي لأن خلط الألوان الأساسية تؤدي لذلك، ليس لأنه يحبه.

عيناه تميز الألوان والتقسيمات الفنية والنقشات المتقنة لكن كلها لها نفس الدرجة من "العادي". كلها سواء بلا تمييز ولو فقدت الحياة ألوانها لما ضجر ولا للحظة.

من طفولته أدرك بأن الألوان درجات، قاتمة وكذلك فرائحية زاهية. لكن ذاكرته لا تحفل بأي مناسبة سعيدة تخصه تكون مزدحمة بتلك الألوان الفاقع لونها تلطخ جدران ذكرياته. 

حياته رتيبة متكررة وتدور نفس أحداثها ، لو وضعته تحت جهاز تخطيط القلب لن ترى على الشاشة خط يرتفع للأعلى وينزل للأسفل كما هي العادة لمن لازال قلبه ينبض، سترى الخط على الصراط المستقيم وهو بكامل عافيته يسعى، جثة لازالت قادرة على مقاومة تعفنات الطبيعة.

تحمله الحياة على نهرٍ جاري حيثما انخفض السهل ليتذكر رائعة عبادي " عطشان، اسمع يا نهر" ينتظر حتى يقذف به في بحرٍ ما،  ليقول "واطفح في بحرك وانكسر، واغرق في عينك للأخير".

والحاضر "حبر و ورق ، صارت حياتي كلها حبر و ورق" عندما بدأ يفقد حتى الشغف بالسماع للدكتور عبدالله الجوهر!