مرَرْتُ من جوار المقبرة - أطال اللهٌ في أعماركم - و سمعت قارئاً يقرأُ قولَه تعالى :
" لمن الملكُ اليوم ؟ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ "
هذه الآيةُ تخلعٌ القلوب ؛ فكل ملوك الأرض ، كلُّ الرؤساءِ و الزعماءِ و المسؤولين الفاسدين ، المُسْتَكْبرين، الظالمين ... كلهم ، بِكُلِ ما يملكون من سلطةٍ و جاهّ و مال ، كلهم بكل ما يتحكمون به في رقاب الناس و يمنحهم الشعور بالعظمةِ و الأفضلية على خلقِ الله ، سينتهي بلمحة عين ، و سيقفون أمام الله ، أمام مالك الملك و الملوك ، و لا شك أن الآية الرهيبة ستخطر ببالهم :
لمن الملكٌ اليوم ؟ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ
و لا شك أنهم سيبكون و يتوسلون كالأطفال ، كما أبكى هؤلاء المتكبرون الظلمةُ أطفالاُ و نساءً و رجالاً سيبكون ، بل و سيبكون أكثر ، و سيُعَذَّبون عذاباً أليما ... و هنا ، نشعر بأنَّ هذه الآية أصبحت برداُ و سلاماً على قلوب المظلومين و المُسْتَضْعَفِين في الأرض، فهاهم الجبابرة يُذَلُّون و يهانون و ترهقهم ذِلَّة ، هاهم المفسدون في أرضِ اللهِ رؤوسهم مُنَكَّسَةٌ في حضرة الله .
لمن الملك اليوم ، لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ
فافرحوا أيها المنكوبون ، فاللهُ لا تضيعُ عنده المظالِم ، و ستفرحون بعدالة السماء ....
و لكن بشرط :
أن لا تخضعوا في الدنيا ، و لا تتبعوا خطوات هؤلاء الظالمين ، بل ، من الواجب أن نقف في وجه الفساد و الظلم، و إلا فإننا قد نذوقٌ عذابَ اللهِ ..
إياكم أن تسكتوا و تعتذروا بأقوالٍ يرددها الجبناء و السلبيون :
" لكل ظالم يوم" ، و "ربنا راح يحاسبهم" ، " امشي جنب الحيط و قول يا رب الستيرة" ... إياكم ، فالإنسان مُكَلَّفٌ بالاحتجاج و الرفض و التغيير.
طبعاً كلٌّ بحسبِ طاقتِه ، فاللهُ لا يكَلِّف نفسا إلا وسعها ، "و اتقوا الله ما استطعتم " ...
لكن على الأقل ، علينا أن ننكر بقلوبنا ، لتظلَّ جذوةُ الرفضِ مشتعلةٌ في قلوبنا ، لكي لا تصبح قلوبُنا سوداءَ مُظْلِمةٌ ظالِمة ، لكي لا تكون قلوبٌنا راضيةُ بسواد هؤلاء و ظلمهم و تجَبٌّرِهِم ..
علينا أن نحاسب أنفسنا و نراجع مواقفنا و أفكارنا باستمرار .. كلّ يوم شكِّك إيها الإنسان بنفْسِك ، ضع نفسك في مكان خصمك أو من يخالفك الرأي ، و فكر من موقِعِه ، لعلك ترى الأمرَ أو القضيةَ أو الموقفَ من زاويةٍ أخرى تعدِّل بناءً عليها سلوكَكَ أو نَهْجَك ، أو ، تزيد اقتناعاً بموقفِك ... في الحالتين- اذا غيرت رأيك او زادت قناعتك برأيك - لن تخسر ، لأن المطلوب منا كبشرّ أن نتحرى الصواب ، و ليس المطلوب أن ننتصر لأنفسنا ... و تذكر دائما الموقف الرهيب :
لمن الملك اليوم لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ.
أنا شخصياً لا أملٌ من تكرار قناعتي : أنَّ الحقيقةَ نسبيةٌ الى حدٍّ كبير ، و لذلك كلُّ واحدٍ منا يملك جزءً من الحقيقة، أما مُطْلَق الحقيقةِ ، أما كلُّ الحقيقة، فلا يعلمها الا الله ..
إذن فلنتواضع جميعا ، و لنستمع لبعضنا ، و لنحاول أن نصل ( معاً ) إلى أفكارٍ و حلول ترضينا جميعا ... فليس أخطر على الإنسان من الإصرار على رأيه انتصارا لنفسه ، هذا نهج الجبابرة المغرورين لدرجة المرض ، نهج هتلر و موسوليني و فرعون، اللذين عذبوا البشرية لفرض تصوراتهم عليها، هؤلاء و أمثالهم و أتباعهم سيقفون يوما بين يدي مالك الملك و الملوك ، و ستمر بخاطرهم الآية الرهيبة :
لمن الملكُ اليوم ؟ للهِ الواحدِ القهَّار ..
#خواطري_علاء_هلال