لِيبِيا وصراع عَلَى أَمْوَالِ النَّفْط
اقتصاد يعتمد بشكل كبير من تمويل أموال وإيرادات النفط والغاز، واستمرار قفل الحقول والموانئ يعرض البلاد إلى تراجع من نقص العملة الصعبة التي تعتمد عليها المؤسسات الليبية ومنها المصارف التجارية والمؤسسات العامة في تأمين معاملتها ونشاطاتها الاقتصادية.
هكذا نرى ليبيا اليوم وبالأمس خطر الاقتصاد وأزماته المتتالية في السيولة المالية، وتعطيل مخصصات أرباب الأسر الليبية والرواتب المتراكمة الأجل والانقطاع في الكهرباء وتكدس القمامة في الشوارع العامة، ذلك وسط تراجع الأموال والإرادات العامة لدولة الليبية.
أما ارتفاع إنتاج النفط الخام إلى ما يقارب من 1.25 مليون برميل يوميا في شهر سبتمبر الماضي، لا يعني أوضاع ليبيا سوف تتحسن مع تحسن إنتاج النفط الليبي، والخطر يرجع في الأساس على الاقتتال المؤسسي والذي يشكل خطر أخر على الاقتصاد الليبي.
الصراع على أموال النفط الليبي اليوم يشكل اكبر خطر، وخطره اكبر من تقاسم الأموال بين المنطقة الغربية والمنطقة الشرقية والمنطقة الجنوبية الليبية بتساوي تعدد السكان، وحتى إلى أن تصل جميع الأطراف المتناحرة والمتنافسة في حرب أهلية دامت سنوات بعد الثورة الليبية الشعبية على السلام الشامل والكامل.
اتفاق سياسي يعمل على أقاف وإهدار ثروات البلاد النفطية الموضوع كودائع في مصرف الليبي الخارجي، عوائد النفط لمنع مصرف ليبيا المركيز بالمساس بهذه الأموال بسبب اتهام المؤسسة الوطنية للنفط بإصدار بيانات غير دقيقة عن عائدات النفط الليبي.
وهذا الخلافات البيروقراطية بين مؤسسات الدولة الليبية يعمل على زيادة انهيار وانقصام المؤسسات الوطنية الليبية في تيسير اقتصاد ليبيا، ومن المحتمل يشير هذه الخلافات البيروقراطية على ما يبدوا إلى نزاع أعمق على أموال ليبيا النفطية.
ونحن نقول طالما استمر التقدم السياسي والتفاهم السياسي على سياسات الدولة الليبية الجديدة، سيضل الإنتاج الليبي في السوق مستمر ليحسن من تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي بالاقتصاد الليبي ويحسن من استقرار الأسعار في الأسواق الليبية ويعمل على كبح مزيد في معدل البطالة الليبية.
نحن لا نشك في وجود عجز في الميزانية العامة وعجز في ميزان المدفوعات العامة على الرغم من أن ليبيا تمتلك اكبر احتياطات للنفط التي تديرها الدولة الليبية، وبإصلاحات اقتصادية صحيحة وليس بمناورات اقتصادية من حين إلى أخر وبفرض ضرائب على سعر الصرف الدينار الليبي مقابل العملة الصعبة في المصارف الليبية.
إصلاحات اقتصادية في حقول النفط ومحطات الضخ وغيرها من المرافق التي كان العديد منها معطل لسنوات كثيرة والاتجاه الكامل إلى صيانة عامة والروتينية للصواميل والمسامير التي تأكل خطوط الأنابيب وصهاريج التخزين النفط الليبي.
نحن مقبلين إلى إصلاحات الآبار الليبية والتي تكلف مبالغ مالية طائلة لاسترجاع ضخ النفط الليبية كما كان عليه في السابق والتكاليف مكلفة الثمن، وهذا لا يتم إلا بعد ارتفاع إنتاج النفط الخام إلى كميات كبيرة جدا لتغطية المصاريف وسد حاجات الدولة الليبية في الموازنة المالية العامة.
وتواجه ليبيا اليوم أزمة مالية بسبب تفاقم عجز الموازنة وتلاشي إيرادات النفط التي إذا استمر غيابها فقد يؤدي ذلك إلى استنزاف احتياطي النقد الأجنبي، خصوصا مع عدم قدرة الحكومات الانتقالية على تحصيل الرسوم السيادية، كالضرائب على الأنشطة الاقتصادية المختلفة والبضائع المستوردة.
لقد جئت سرعة التعافي أسواق النفط ليسبب في ذلك قلق منطقة البلدان المصدرة للنفط الخام (أوبك) وحلفاء مثل روسيا حيث يقدرن الإنتاج العالمي لدعم أسعار الخام، أما ليبيا معفاة من التخفيضات وتورد حاليا نفطا أكثر من عدد نظيراتها في منظمة أوبك النفطية.
ولكن مع هذه الإعفاءات من منظمة ابك لدولة الليبية مازال اقتصاد الدولة الليبية في تراجع وانكماش حقيقي المحلي الإجمالي بنسبة 66.6 في المائة وارتفاع في الدين العام بنسبة 150 في المائة من الناتج المحلي وبلغ العجز في ميزان المدفوعات خلال النصف الأول من عام 2020 5.7 مليارات الدولار.
لقد دخلت ليبيا مرة أخرى في دوامة العجز المالي في ضل الحرب الأهلية والقتال والفوضى التي أحاطت البلاد من كل زاوية فضر الصراع المسلح ليبيا وتدهور معها الاقتصاد بسبب ذلك الصراع المستدام على السلطة السياسية في البلاد.
ليبيا تغذها الصراعات الإقليمية والتي بتالي تغذي الصراع المحلي، صراع على أموال ليبيا في الداخل والخارج منها الأموال المجمدة في المصارف العالمية والاستثمارات الخارجية والأموال من عائدات النفط الليبي في مصرف الليبي الخارجي.
فمن المستفيد من هذا الصراع على أموال النفط الليبي ؟ هل هي ايطاليا و تركيا وقطر التي تدعم حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراح ومقرها طرابلس العاصمة الليبية أم مصر و الإمارات العربية المتحدة وروسيا المشير القائد العام العسكري خليفة حفتر أما هي فرنسا التي لازالت تنظر بعين الاعتبار على منطقة الجنوب الليبي.
ليس الاختلاف من توزيع الثروة النفطية الليبية بين الأقاليم الليبية بل الاختلاف مع من الذي سوف يسيطر على أموال ليبيا النفطية بعد الاستقرار السياسي وإنهاء الحرب الأهلية التي اشتعلتا الفتنة الخارجية على أبناء الوطن الواحد.
وحتى يكتب علينا الأمل الجديد برعاية الأمم المتحدة في خارطة طريق والمسار الديمقراطي السياسي لحل الأزمة السياسية بتوحيد المؤسسات الوطنية الليبية دستوريا، يضل الطريق طويل إذا تركت ليبيا إلى الصراعات الداخلية ومطامع الدول الخارجية، فقد سوف تستمر ليبيا في زعزعة وغياب الهدوء إلى أمد بعيد....
بقلم / رمزي حليم مفراكس
رجل أعمال – كاتب ومحلل سياسي واقتصادي ليبي
مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية