رأيته يرطب وجهه بعطر الحلاقة ويمضى مستعجلاً إلى موعده ، سألته :
_ إلى أين ؟
_ عندى ميعاد
_ خذنى معك الى بيت اهلى وأ…
قاطعنى
_ سأتزوج
باغتنى الخبر الذى خدش روحى ، وألم كتيم الصوت يتدفق من قلبى ، وأنا انظر إليه مرتابة مفعمة بخيبة مرة ،وكأننى أراه للمرة الأولي وأتذكر ضغطه الهائل ، والحاحه الدائم للتقرب منى ، فلم يكن زواجنا يسيرا ، فهو ظل ما يزيد على ثلاث سنوات ، يلاحقني عن طريق إحدى صديقاتي ،فسعى بكل مايملك لمقاومتي حتى نزع مكابرتي وعنادي ، وأنا استسلمت لفكرة أن القدرخصنى بحبه لي ، ومع وعد قطعه على نفسه بالحب والحلم والأمل صرنا معا مما جعلنى أصرخ بلا صوت :
_ ثم ماذا ؟!
يكمل كلامه دون أن يلتفت إلي :
_ منذ اسبوعين عرض على سامح الزواج من اخته ووافقت
يعاودنى الألم المتدفق من قلبى :
_ اود أن أعرف السبب وهى رغبة محقة
_ أريد أن أنجب
_ كلانا يريد وأنا لم أحرمك من ذلك
_ وما أدرانى ، الأصح فى حالتك أن أتزوج
وقع كلامه على كالصاعقة ، وعقدت الصدمة لسانى فلزمت الصمت ، بل شعرت أن حواسي تعطلت ، وقلبي أوشك أن يتوقف و خيبة الخذلان تمزقنى
ومع الذهول الذى حاصرنى واجهته :
_ ليست حالتى بالطبع ،بل حالتك
التفت إليه مبشراً :
_لا تقلقى ستظلى زوجتى
_لا.. الله الغنى
_ هذا حقي
قلت بتعجب :
_مادام حقك !! لما لا تستطيع حتى أن تنظر فى عيني
_ لتجنب مشاجرة ليس إلا
_ هل تنصت إلي
_ أنا منُصت
_ وصلنا معاً إلي كل الحلول المتاحة، ولكنها أرادة الله ، لما لا ترض عن حالك
يهز رأسه معترضاً :
_مادخلى بالأمر
_ حبيبى بلا أساءة المشكلة عندك
_ لست أنا بكل تأكيد
_ كيف
_ أنا رجل
قلت مهونة الأمر:
_قضاء الله ليس عيباً
وبين ارتباكه ورغبتىه فى ارضاء نفسىه قال بلعثمة غريبة :
_هذه مشاكل تخص النساء
داخلنى شعور مختلط ،واحد ذاهل ، وواحد مزعج
_ أنت لا تصدق كلام الاطباء القائمين على علاجك
_ لم أصدقهم ولو دقيقة واحدة
_ لقد ذهبنا إلي اطباء من أختيارك مرات لاتُعد وسافرنا اخر البلاد وأخبروك بأنه لاموانع عندى من الأنجاب ،و طلبوا منك الخضوع للتحاليل والمتابعة وبعد التحليل الأول والنهائى والمتابعة الشاملة لك وجدوأنها مشكلتك وقد ولدتُ بها
تجمدت ملامحه، وانكسرت نظرته :
_ لا أريد الخوض فى ذلك
_ لابأس فى أن تستاء قليلاً ذلك هو المتوقع على كل حال
_ أقولها من جديد ،لا، لاعيب عندى ولوقالها جميع أطباء العالم ولن أمنحكِ هذا الرضا لذلك
قلت بثقة العارف :
_ عموماً يمكنك الزواج مرات لاتُعد، لن تُنجب ابداً
نفث دخان سيجاره بغيظ وهو يقول :
_ سأتزوج بحيث لايمكن لكل من هب ودب أن يشفق أويدين
فقدت أعصابى وصبرى ونفرت من عناده ، والتفت إليه مستغربة وقد هم يقول شئ ، لكن صوتى سبقه :
_ اسمع ، لم أطلب منك أن تشكرنى يوماً لأنى تحملتك وأنت متحجر بارد القلب، تنتقدنى وتوبخنى بين الحين والأخر وكأنك بل أخطاء وصبرت،
ولكن أن يأخذ ك الغرور الأعمى وتحاسبنى على مشكلة لديك فقد طفح كيلى حقاً
_ أعرف أن مزاجك متعكر
_ المسألة خلصت وأنتهت الآن
يلتفت إلى ساخراً :
_ أنتهت، دون علمى !
_ لا أريد منك أذن
_ نؤجل الكلام ،عندى الان ميعاد
قلت وقد ضاقت المسافة بينى وبينه :
_ لأول مرة اشعر بالأسف لأ ننى منحتك فرص مرات ومرات وضحيت بأمومتى من أجلك لفترة أطول من اللازم ، بعد عشرة أعوام أنا فى منتهى الندم لأننى لم أستخدم حقى وقد واتتنى الفرصة للطلاق بمنتهى السهولة لكنى رفضت خسارتك ، كان علي أن أعرف أن كل الأوقات الصعبة والسيئة التى صبرت فيها عليك ستسبب لي حسرة ماكنت أستحقها، تريد الزواج ، أنت حر ، لكن طلقنى قبل أن تخرج من هنا
_ أنا الرجل الأمر بيدى
قلت بتحدى :
_ القرار لى أنا
قال بعصبية :
_ اى قرار،
لم أرد عليه
أستطرد :
_استعيذى بالله ودعينا نتحدث
قلت بصدق :
_ لن تقول سوى كلمة واحدة بعدها ستخسر كل شئ وسترجع إلي حيث أنت الآن ، ولن تجدنى إن أردت المساعدة ،
_ افعل ذلك لصالحك حتى اقطع الشك باليقين
كان ذلك فوق احتمالي فصرخت فى وجهه:
_ انظر، دعك من تأليف الاكاذيب ،فهذا لايهمنى فى شئ ، كنت أعرف أنك من أسوأ الرجال ، وتغاضيت عن علاقاتك بالنساء التى تشبه الأنتقال من بركة إلى مستنقع ، وكنت اغافل الحيل التى كنت تأتينى بها بالصمت منعاً لقطع الخيط المتبقى بين اسنان الخيانة والانانية ،وكنت أخبر نفسى بأنك ستتغير ذات يوم ، والأن تيقنت من أنك لن تتوقف ، ولم يعد بيننا سوى أن تخرج وتغلق الباب بشدة
التفت نحوى متفاجئاً ومضطرباً ،ولكنه لم يتجاسر على الرد ،تسمر فى مكانه وظل واقفا أمام الباب الذى بقى مفتوحاً ، بينما راح صدى صوتى يعلو ، وأنا أسير في الردهة متجهة إلي الغرفة كى أحزم حقائبى :
_ طلقنى حالاً !