بسم الله الرحمن الرحيم


تزداد الجدرانُ حولَنا ارتفاعاً ، الجو يصبح خانقاً أكثر ، العقباتُ تزداد ، و المشاكلُ تتعقد ...

يميل المرءُ للاستسلام ، لأن يأد طموحاته و أحلامه ، انه أمر سهلٌ أن نستسلم ؛ المقاومةُ صعبة ؛ أن تقفَ قلةٌ أمام تيارٍ جارفٍ ، أمرٌ يحتاج الى شجاعةٍ و صَبْر .

 لكن الاستسلامَ ، في عرفي ، مرفوض ، قليلاً ما سلكتُ طريقاً معبدا ، نادراً ما نـُـثـِرت الأزهارُ أمامي ، لقد اعتدتُ على المشيِ على الأشواك .

قلتُ دائماً لنفسي : لا تـقـتـل أحلامكَ ان تعذرَ تحقيقها ، أسكتها الى حين ، انحني للعاصفةِ حتى تمر ، ثم أيقظها ثانية . لكن أحلاميَ لم تسكت نهائياً ؛ من حينٍ لآخر كانت تصدرُ عنها صرخةً ، و ربما تندُّ عنها شتيمة  :

(انت جبان ، قليلُ الحيلة ، أسلك طريقًا ثوريا ، الى متى سـتـظـلُ اصلاحيًا ، لا أملَ في الاصلاح ... )

اسكتي اسكتي ، لقد اتـعبتـني ، لقد ثارَ كثيرون فانهزموا سريعاً ، انكسروا فضاعوا و ضاعت أحلامُهم ، انا لا اريد لأحلامي أن تضيع . ثم من قال اني اصلاحي ،  أنا، فيما أظن ،  أقرب للثوريين ، ربما أكون ثورياً صبوراً ، فأنا أؤمن أن الثورةَ صيرورة ؛ تغيرٌ جذريٌّ يستغرقُ وقتاً طويلا ، ثم في لحظة تـنـتـفض القوى الجديدة على القوى القديمة المُـسْـتَهْـلـَكة ، هذه الانتفاضة تسمى ثورة ، هي بالأحرى تتويجٌ لتراكمات ثورية أحـدثـت تـغـيـيراً عـمـيقـاً و جذرياً .

(هذه و الله بدعة !  لم أسمع يوماً عن ثوريٍ صبور ، الثوارُ دائماً منفعلون ، غاضبون ، أصواتهم عالية ... )

قلت لكِ اسكتي ، اسكتي أيتها (الأحلام المتمردة) ، الا تفهمي ؟ ليس في الدنيا معيارٌ واحد نُـعَـيِّـرُ به الأشياء ، لكلِّ ظاهرةٍ بشريةٍ تعليلاتٍ و توصيفاتٍ مُتعددة ،

 أنا لا أحبُ العنفَ و لا الانفعال ،

نعم اخـتـنقُ أحياناً لدرجةِ الرغبةِ في الصراخ ، في تكسيرِ الأشياء من حولي ، ثم أكتمُ غالبا صرختي ، و أكظم غيظي ، فيخرجُ دموعاً ، هي ليست دموعُ المقهورينَ المُـسـتـسـلمين ، هي دموعُ الصابرين ،

أنا  لا احبُ العنف ، لا احبُ الانفعال ، لا أحب الاستعجال ... لكني، برغم ذلك ، ثوري ، أو شبه ثوري !

تستغربين ، لقد قلت لك : ان معظم الظواهر ، و الأفعال ، و الأفكار البشرية ، حتى أكثرها تداولا و انتشارا - كالديمقراطية و الحرب و الثورة – كل هذه ، و غيرها ، لها تعريفاتٌ و تعليلاتٌ عديدة . الثورة : من قال أن الثورةَ عنفٌ و دماء ، من قال أنها ذبحٌ و سلخ ، أنا أتطلع الى ثورةٍ تطور العقولَ ، و تطهر القلوبَ ، ثورةٌ في الفكرِ و الثقافةِ و السلوك ، و هذه الثورة المأمولة عملٌ تاريخي بطيء ...

الم يكن الاسلامُ ثوريا ؟ ان محمداً عليه السلام ثائرٌ كبيرٌ على ظروفِ زمانه :

حطَّم ديانةَ المشركين ، و استعاد ديانة الموحدين ، دكَّ الـبُـنى الاجتماعية القبلية ، و أقام بُـنىً اجتماعية متطورة ، بُنىً لا تُـلغي الروابط العائلية ، و لكنها تُعـقـلِنُها ، ثم تـتجاوزها لصالحِ المجموع ... أليـسـت هذه أعمالٌ ثورية ؟ هي ، في تقديري ، أعمال ثورية ضخمة و مهمة ، لكنها ، رغم ثوريتها ، تمت بهدوء ، دعينا من الذين يُنَظِّرُون لانتشارِ الاسلامِ بالقوة فلا أؤمن بهذا ، ان التغيرات التاريخيةِ الكبرى لا تتم الا على أرضيةٍ خصبةٍ تحتضنُ بذرتها ، و هكذا كانت مكة و محيطها ، و هكذا كان العالم ، الأرضُ كانت مهيئةً لاستقبال رسالةٍ جديدة  ، ثم ان هذا التغيير  يحتاج – بالإضافة الى الارضية المناسبة - الى داعيةٍ يسقي بذرته ، و هذا الداعيةُ كان محمدٌ عليه السلام ، سقى البذرةَ فــشـقَّت الارضَ و اخترقتها ، ثم امتدت منها جذورٌ ضاربةٌ في التربة ، و ساقٌ و فروعٌ عاليةٌ عانقت السماء ... 

(انت اصلاحيٌ متـنـكر ،  تريد أن تخدرني فقط ، سنوات و أنت تُـهـَدْهـِدُني كأني طفلٌ صغير ، لقد شخت ، أحلامك شاخت ، و لم تر النور بعد ، أنت اصلاحيٌ متـنـكر ) .

اوه ،  و بعدين ، ان الاصلاحي يقبل بالأمرِ الواقِع ،  و يحاول أن يحقق من خلاله ، باستغلال مؤسساته ، أي مؤسسات الواقع ،  انجازاتٍ معينة ، هي في الغالب انجازات محدودة ...

 أما أنا فأرفض كثيرا من المؤسسات و البنى و الأفكار ، و أريد غيرها ، مؤسساتُـنا السياسية ، بُنانا الاجتماعية ، أفكارُنا ، معظمها يحتاجُ الى تغييرات جذرية . اذن انا لستُ اصلاحيا ، لكن ربما يفيدنا الاصلاحيون من حيث لا يدرون ؛ فالإصلاح لن يصلحَ الحال لأن الخلل كبير ، لذلك سيدرك الناس ، مع الوقت ، أن الحلَّ هو في القطيعةِ مع الكثيرِ من معطياتِ واقِعهِم ، سيدركون أن البديل هو الثورة .

( انت انسانٌ حالم ، قل لي بالله عليك ، كيف ستحدث هذه الثورة أيها الصبور ؟!  يا حمامة السلام ، كيف ستحدث ؟!  ما تقوله أوهام ، انه أضغاثُ أحلام )

بنشرِ العلم،  وتطويرِ  الفكر ، و تغييرِ الثقافة ، و تنميةِ ملكةِ النقد ، بتربيةِ جيلٍ متميزٍ ايجابيّ يضخِ الحياةِ في المجتمعِ ا لمدني  ،و يمارس حـقـه في التعـبـيـر ، و يساهم في صنع القرار ، و يعمل من خلال المتاح – و هنا اتقاطع مع الاصلاحيين – على التغيير  ...

هذا بشكل عام ، والا فلا وصفات جاهزة للتغير ، لكل مجتمع ظروفه ، لكل زمان متغيراته ، لا وصفات جاهزة ...

هل نمتِ أيـتـها الأحـلام ؟

ترى هل نـجـحـت في اقـناعها فـنامت ثـانـية ؟ أم  تراها يـئـسـت مني فهجرتـني ؟