من تأملاتي في نفسي وفي أحوال الناس ، ومن مطالعاتي في علم النفس وفلسفة النفس عند الفلاسفة وايضًا عند المتصوفة يبدو لي أن للانسان شخصيتين ؛ احداهما ((شخصية ظاهرة)) يعلمها الانسان وتظهر لمن حوله ، أما ((الشخصية الخفية)) فهي ما تغيب عنه وتخفى عنه هو نفسه !!، وهي ما يطلق عليها بعض علماء النفس اسم ((منطقة اللاوعي)) أو ((اللاشعور)) ، والشيطان يركز جهده على هذه المنطقة الخفية، هي ملعبه الاساسي!!، ليسكب فيها سم الكبر والغرور والكفر وكل المشاعر العدائية، لكن الشيطان لا يعلم كل خفايا واسرار هذه الشخصية الخفية للانسان، فالله وحده هو من يعلم السر وأخفى!، كما وصف نفسه في القرآن ، أي انه لا يعلم السر فقط بل ويعلم ما هو أخفى من السر !!، الله يعرفك أكثر مما تعرف نفسك، هو وحده يعرف شخصيتك الحقيقية الخفية التي تغيب عنك أنت نفسك!، ربما احيانًا تحسب نفسك تكافح وتجاهد بلسانك أو بمالك أو بيدك في سبيل الله وسبيل دينه أو في سبيل الحق والعدل بينما الله يعرف أنك انما تفعل ذلك في سبيل نفسك!، في سبيل طموحاتك الشخصية في المجد والسلطان والمال أو في سبيل الرغبة والانتقام والتشفي والثأر!.... لذا يجب على المؤمن أن يأخذ الحذر ولا يغتر بظاهر نفسه مهما كثرت عبادته وطاعاته أو صدقاته ونشاطاته الخيرية، فالشيطان نفسه - ابليس - وقبل ان يتحول الى شيطان - كان من الملائكة !!، لعله في ذلك الوقت امتلئت نفسه بالغرور لأنه اعتقد بأنه تفوق على نظائره من بني الجن وارتفع في درجات الترقي بسبب كثرة عبادته او بسبب علمه ومعرفته إلى مرتبة الملائكة واصبح منهم ، لكن الله المطلع على خفايا وأسرار العباد كان يعلم بأن في اعماقه البعيدة مرضًا خطيرًا وخبيثًا فتًاكًا يختفي خلف شخصية ابليس الظاهرة !!، شخصيته الملائكية!!!!، مرضًا خبيثًا وخطيرًا اسمه الكِبر والغُرور !!، مرضًا انفجر فجأة وطفح على السطح حينما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم!، فسجدوا كلهم اجمعون الا ابليس ظل واقفًا هناك - في الملأ الأعلى - مُصغرًا خده في أنفة وكبرياء !!، لقد فضح الله سره وكشف أمره وسط الملائكة!!.
لهذا يجب على كل مؤمن صادق يريد النجاة أن يحذر من نفسه أشد الحذر خصوصًا ما يجري من وراء وعيه وشعوره وعلمه!، هناك في أغوار نفسه الخفية البعيدة!!، تلك الاغوار السحيقة العميقة التي لا يطّلع عليها احد سوى الله تعالى وحده!، عالم السر وأخفى، على المؤمن أن يلجأ الى الله ويحتمي به طالبًا صلاح ظاهره وباطنه ، فلا يقدر على اصلاح أحوال القلوب غيره وتطهيرها من كل الامراض الخفية الخبيثة المدمرة والتي يأتي على رأسها مرض الكِبر !! أي التكبر !!... والكبر والتكبر كميات ودرجات مختلفة تختلف في القلوب من شخص الى آخر تمامًا كما تختلف كمية الحسد والحقد من شخص إلى آخر !، وهنا لا نتحدث عن ((الافراد)) فقط بل ايضًا عن ((الاقوام والشعوب))!، فبعض الشعوب تكون كمية الكبر والغرور والحقد والحسد فيها ضخمة جدًا مع أن شخصيتها الظاهرة قد تبدو متواضعة ومسالمة ومتدينة!، ومثل هذه الشعوب مهما كثُر مالها وكثُر تدينها ستظل تعاني من الشقاء بسبب هذه النار التي تآكلها من اعماقها البعيدة!، نار التكبر والغُرور والحسد والحقد !!، وهكذا حال الافراد ايضًا، ولا طبيب لهذه الأمراض غير الله وحده ، فكما لا يغفر الذنوب الا الله وحده ، فلا يُطهِّر القلوب ويشفيها من امراضها الظاهرة والخفية غيره!!.. قال احد الحكماء الصالحين: " ليس العجيب فيمن هلك كيف هلك!؟، بل العجيب فيمن نجا كيف نجا !!؟؟)) يقصد في الآخرة !
-------------------------------
أخوكم المحب: سليم نصر الرقعي