ها ها ها...ظريف جدّا. جوزيف ستالين في عام 1949. صورة من وكالة سوفوتا/موقع غيتي.
الستالينية. تستحضر الكلمة العشرات من متلازمات الأفكار والخواطر، وعادة كلمة "مضحكة" ليست ضمنها. أصبحت كلمة الستالينية الآن مرادفة لسيطرة الدولة الوحشية والشمولية، التي لم تترك مجالًا للضحك أو أي شكل من أشكال المعارضة. مع ذلك، فإن عددًا لا يحصى من اليوميات والمذكرات وحتى أرشيف الدولة تكشف عن استمرار الناس في إلقاء النكات حول الحياة الفظيعة التي أُجبروا على عيشها في ظل الغولاغ.
بحلول الثمانينات من القرن العشرين، أصبحت النكات السوفييتية السياسية يستمتع بها على نطاق واسع، حتى أن الرئيس الأمريكي رونالد ريغان أحب استجماعها وإعادة سردها. ولكن، قبل خمسين عامًا، في ظل حكم ستالين الارتيابي والوحشيّ، لماذا يتبادل السوفييت العاديين النكات التي تسخر من قادتهم والنظام السوفييتي إن كانوا يعرّضون أنفسهم لخطر أن يحطّم الـ "إن كيه ڤي دي" (أمن الدولة) أبواب شقتهم، وانتزاعهم من عائلاتهم، وربما لا يعودوا أبدا؟
نعلم الآن أن الناس لم يتحشدوا حول مائدة المطبخ فحسب، ملقين النكات التي شوّهت سمعة النظام وحتى ستالين نفسه، بل وحتى على الترام، محاطين بالغرباء، وربما الأجرأ من ذلك في مشغل التصنيع، حيث يُحضّ الناس باستمرار على إظهار تفانيهم التام للقضية السوفييتية.
يقدّم بوريس أورمان، والذي كان يعمل في مخبز، مثالًا نموذجيَّا. ففي منتصف عام 1937، وحتى مع اندلاع زوبعة عمليات ستالين التطهيرية في جميع أنحاء البلاد، شارك أورمان النادرة (النكتة) التالية مع زميل له أثناء احتساء الشاي في كافيتيريا المخبز:
كان ستالين يسبح في الهواء الطلق، لكنه أخذ في الغرق. قفز فلاحٌ كان مارًّا وسحبه إلى شطّ الأمان. سأل ستالين عمّا يرغب فيه مكافأةً. وبعد أن أدرك الفلّاح هوية من أنقذ، صرخ قائلًا: "لا شيء! فقط أرجوك لا تخبر أحدًا أنني أنقذتك!"
مثل هذه النكتة يمكن أن تؤدي بسهولة -كما أدَّت في حالة أورمان- إلى قضاء عشر سنوات في معسكر أشغال قسريّة، حيث كان السجناء يعملون بانتظام حتى الموت. ومن المفارقات، أن قمع النظام ذاته زاد من الرغبة في مشاركة النكات التي ساعدت على تخفيف التوتر والتأقلم مع الوقائع القاسية ولكن غير القابلة للتغيير. حتى في أشد الأوقات يأسًا، كما يتذكّر الزعيم السوفييتي ميخائيل غورباتشوف قائلًا: "أنقذتنا النكات دائمًا."
مع ذلك، وعلى الرغم من ردّات الفعل هذه مفرطة الصّرامة، كانت علاقة النظام بالدعابة أكثر تعقيدًا مما نميل إلى افتراضه من الروايات الأيقونية التي تشرّبناها لفترة طويلة، من رواية جورج أورويل "ألف وتسعمئة وأربعة وثمانين" (1949) ومذكرات ألكسندر سولجنيتسين "أرخبيل الغولاغ" (1973).
كان البلاشفة مرتابين بالتأكيد من الدعابة السياسة، بعد أن استخدموها كسلاح لاذع في نضالهم الثوري لتقويض النظام القيصري قبل استيلائهم المذهل على السلطة في عام 1917. بعد أن عزّزت موضعها، قرّرت القيادة السوفييتية بحذر أنه يجب الآن استخدام الدعابة لإضفاء الشرعية على النظام الجديد فحسب. لذلك أطلقت المجلات الساخرة مثل "كروكوديل" هجمات ساخرة ولاذعة على أعداء النظام في الداخل والخارج. تعتبر الدعابة مفيدة ومقبولة إذا خدمت أهداف الثورة فقط: كما لخّص أحد المفوّضين في مؤتمر الكتّاب السوفييت لعام 1934: ’’واجب الكوميديا السوفييتية هو "قتل الأعداء بالضحك" و "التقويم بالضحك" أولئك الموالين للنظام‘‘
ومع ذلك، في حين وجد العديد من السوفييت بلا شك بعض الارتياح الهزلي في هذه المنشورات التي وافقت عليها الدولة، إلا أنه لا يمكن توجيه الدعابة كلّيا من الأعلى. بصحبة الأصدقاء، وربما سهّل الأمر قليل من الفودكا، كثيرًا ما كان من المستحيل تقريبًا مقاومة الخروج عن سير الحديث للسخرية من أهداف الإنتاج المرتفعة جدًّا، والفساد المتفشّي والتناقضات الهائلة بين وعود النظام البرّاقة والحقائق القاتمة والباعثة على اليأس أحيانًا التي يواجهها الناس العاديين يوميّا.
خذ على سبيل المثال، الدعابة القاتمة لميخائيل فيدوتوف، وكيل توريد من منطقة فورونيج، الذي شارك نادرة شائعة تسخر من التكاليف الحقيقية لحملة ستالين التصنيعية الحازمة:
يزور فلّاحٌ القائد البلشفي كالينين في موسكو ليسأل عن سبب الصرامة الشديدة في السير إلى التحديث. يأخذه كالينين بيده إلى النافذة ويشير إلى ترام عابر: ’’كما ترى، إذا كان لدينا الآن العشرات من قطارات الترام، فبعد خمس سنوات سوف يكون لدينا المئات.‘‘ يعود الفلاح إلى مزرعته الجماعية، وبينما رفاقه مجتمعين حوله، يطالبون بصخب سماع ما علم به، نظر حوله بحثًا عن إلهام، ثم أشار إلى المقبرة القريبة مصرّحًا: ’’أترون تلك العشرات من القبور؟ بعد خمس سنوات، سيكون هنالك الآلاف!‘‘
يمكن لنكتة مثل هذه أن تخفّف من المخاوف ثقيلة الوطأة بجعلها - لمدة قصيرة - مضحكة، مُساعدةً الناس على مشاركة العبء الهائل لحياة تُعاش - كما قال التعليق اللّطيف - ’’في نعمة الـ "إن كيه ڤي دي"‘‘. ولكن حتى عندما تساعد الناس على المضي قدمًا وتدبير أمورهم، فإن مشاركة النادرة أصبحت أخطر من أي وقت مضى مع ازدياد ارتياب النظام أكثر فأكثر بمرور الثلاثينيات من القرن العشرين. مع تهديدات الحرب التي تلوح نُذرها في أوروبا، اندفعت مخاوفٌ هائجة من المؤامرة والتخريب الصناعي في الاتحاد السوفييتي.
ونتيجة لذلك، سرعان ما أصبحت أي دعابة تنتقد النظام السياسي السوفييتي بمثابة خيانة. منذ منتصف الثلاثينيات فقُدمًا، بدأ النظام يرى الدعابة السياسة على أنها فيروس سام، مع احتمالية نشر السم عبر شرايين الدولة. وفقًا لتوجيه صادر في آذار عام 1935، أصبح إلقاء النكات السياسية من الآن فصاعدًا يعتبر بخطورة تسريب أسرار الدولة – وهو أمر خطير ومعدٍ، وفي الحقيقة، حتى أن وثائق المحكمة تحاشت الاقتباس منها. لم يُسمح إلا للأباراتشيك* الأكثر ولاءً بمعرفة محتويات جرائم الفكر هذه، وكان رُواة النُكات يُحاكمون أحيانًا بدون أن تُدرج أقوالهم في سجل المحاكمة الرسمي.
كان للناس العاديين فرصة ضئيلة في مواكبة ارتياب النظام. في عام 1932، عندما كانت مكشوفة الدّلالة أكثر منها خطرًا، كان يمكن لعامل سكة حديد مثل بافل جادالوف أن يلقي نكتة بسيطة عن الفاشية والشيوعية كونهما أشبه من الماء بالماء، دون مواجهة عواقب وخيمة؛ وبعد خمس سنوات، أعيد تفسير النكتة على أنها إشارة فاضحة لعدو خفي. وحكم عليه بالسجن سبع سنوات في معسكر أشغال قسريّة.
هذا النمط من "العدالة" ذو الأثر الرجعيّ هو نمط يمكننا أن نميّزه اليوم، عندما يمكن للرغبة الحازمة في جعل العالم مكانًا أفضل أن تحوّل تغريدة طائشة قبل عشر سنوات إلى عقوبة إعدام مهنيّ واجتماعي. شتّان بين ذلك وأهوال الغولاغ، إلا أن المبدأ الأساسي مشابه على نحو مخيف.
مع ذلك، ومثل كثير منا اليوم، أساء القادة السوفييت فهم ماهية الدعابة وما تقدّمه للناس حقّا. فإلقاء النكتة عن شيء ما يختلف عن إدانته أو تأييده. في كثير من الأحيان، يمكن ببساطة أن تساعد الناس بالإشارة إلى المواقف الصعبة أو المخيفة والتعامل معها – مما يمكّنهم من عدم الشعور بالغباء، وبالعجز أو العزلة. في الواقع، الأمر الذي فشل النظام الستاليني في إدراكه هو أن إلقاء النكات يمكن أن يمدّ براحة مؤقتة من ضغوط الحياة اليومية، وفي الواقع أنه غالبًا ما مكّن المواطنين السوفييت من فعل ما يتوقعه النظام منهم بالضبط: الحفاظ على الهدوء والمثابرة.
عندما نلقي النكات، فإننا ببساطة، في الغالب، نختبر الآراء أو الأفكار التي لسنا متأكدين منها. إنها هازلة واستطلاعية، حتى وهي تتراقص بمحاذاة – وأحيانًا فوق – الحدّ الفاصل للتقبّل الرسمي. بدا أن الغالبية العظمى من رواة النكات الذين اُعتقلوا في الثلاثينيات من القرن العشرين في حيرة حقيقية لوصمهم بأعداء الدولة بسبب "جرائمهم" الفكاهية. في كثير من الحالات، يشارك الناس النكات التي تنتقد الظروف المُضنية وغير المفهومة في كثير من الأحيان لتذكير أنفسهم فحسب بأنهم يستطيعون رؤية ما وراء ستار الدعاية والوقائع القاسية خلفه. في عالم من الامتثال الخانق والأخبار المزيفة التي لا حصر لها، حتى التعليقات اللاذعة البسيطة يمكن أن تكون بمثابة تأكيد شخصي على نحو عميق على "أنا أُنكّت، إذن أنا موجود."
نضحك في أحلك الأوقات، ليس لقدرته على تغيير ظروفنا، ولكن لقدرته دائمًا على تغيير شعورنا تجاهها. النكات لا تعني أمرًا واحدًا، والقصة الخفيّة للدعابة السياسية في عهد ستالين تحمل فارقًا دقيقًا أكثر من مجرد صراع بين القمع والمقاومة.
__________________________________________________________________
* الأباراتشيك: العاملون الشيوعيون في الأجهزة الحزبية - المترجم.