خــــواطــــرنقــدية لمــاكــــبث الشــكســبيرية
Critical Thoughts Of Shakespearean Macbeth
By The Egyptian Writer
Dr. Tarek Radwan Gomaa
مكبث (بالإنجليزية: Macbeth) في بعض الدول تنطق ماكبث هي قصيدة تراجيدية للمسرحي الإنكليزي ويليام شكسبير عن القائد الاسكتلندي مكبث الذي يغتال ملكه دنكن ليجلس على عرش اسكتلندا مكانه. شخصيات مكبث توجز الكلام Laconicsولا وقت لها حتى "لإستظهار أدوارها". زبدة القول لغة مكبث، سريعة الزفير، سريعة الشهيق.
تفتتح المسرحية وسط الرعد والبرق، وثلاثة ساحرات يقررن أن لقائهن القادم سيكون مع مكبث، في المشهد التالي يظهر رقيب مجروح من جيش الملك، يخبر الملك أن مكبث أحد قواده وبانكو قاموا بصد غزوة للقوات المتحالفة نورماندي وأيرلندا, ويعجب الملك بشجاعة مكبث وقوته الجامحة، التي وصفها له القائد المجروح. يتغير المشهد ليظهر مكبث وبانكو في محادثة يقيموا نصرهم "ياله من يوم أحمق لم أر مثله من قبل"، وبينما هم يتسائلون في أرض بور، تظهر الساحرات الثلاثة المنتظرات وتحييهم وتنبئهم بما سيكون عليه مستقبلهم، وعلى الرغم من أن بانكو هو أول من أعترضهم إلا أن الساحرات توجهن بالحديث لمكبث، في البداية لقبوه بنبيل الجلامس كما هو معروف، والثانية بنائب الملك، فيما أن النداء الثالث كان "ستكون ملك بعدئذ", ويطبق مكبث بالسكوت والصدمة، فيقوم بانكو باعتراضهم مرة أخرى، تقوم الساحرات بتنبيئه أنه سيكون والد سلالة من الملوك، وفيما يتعجب الرجلان ويتسائلان عن هذا الأعلان تختفي الساحرات الثلاثة، ويصل أحد النبلاء وهو رسول من الملك ليخبر مكبث بالنبؤة الأولى وهي نائب للملك، وفي الحال تتوهج حماسة مكبث ليصبح ملكاً.
يقوم مكبث بالكتابة لزوجته عن أمر الساحرات الثلاثة ونبؤاتهن، فيما يقرر الملك البقاء بقلعة مكبث بمدينة أنفرنيس، تقوم السيدة مكبث بتدبير خطة لقتل الملك وتأمين العرش ليصبح لزوجها، فيما تداهم مكبث الشكوك والقلق عن عواقب هذا الأمر، ولكن السيدة مكبث تستفز ملكاته بعبارات مثل " أنت لست برجل " إلى أن يقتنع ويقوما بتنفيذ الخطة، ويتهم خدم الملك بقتله وهو نائم، تدور أحداث القصة وتنقلب نعمة الملك إلى نقمة بسبب الكوابيس التي تلاحق مكبث وانتحار زوجته ومن ضمن الهلوسات التي لاحقت مكبث رؤيته شبح صديقه بانكو بعد أن أستأجر رجلين لقتله هو وأبنه فلينس وتنجح عملية القتل، ولكن فلينس أبن بانكو يلوذ بالفرار. تنتهي القصة بمقتل مكبث على يد مكدف.
مكبث من أخطر مسرحيّات شيكسبير لغةً. فهي من ناحية، قصيدة ممسرحة، ومن ناحية ثانية قصيدة ليلية شرّيرة. إلى ذلك إنها أكبر دلتا دموية، في تأريخ الأدب. المسرح بركة دم. الممثلون يتبادلون الأدوار.هم الصوت مرّة، وهم الصدى مرّة. الحياة مسرحية. البشر في مسرحية مكبث دمى تحركها قوى غيبية.
المناجاة في العروض المسرحية هـى “خُطبة تلقيها إحدى شخصيّات المسرحيّة بصوت يسمعه المشاهدون، الغرض منها التَّعبير عن أعمق مشاعر الشَّخصيّة، وأفكارها الدَّفينة”، وتكون بعقد حوار مع شخص يتخيّل وجوده المتحدث، وقد شاعت المناجيات في العصر الإليزابيثي عموماً، ومناجيات شكسبير خصوصًا “كما جاء على الغلاف الأخير من كتاب “من مناجيات شكسبير” للدكتور صلاح نيازي يقول الناشر على الغلاف الأخير ” نوع فريد في التأليف المسرحي، وحيلة أدبية بارعة لإستقطار أدقّ العواطف. يرى النقاد المتخصصون أنها من أعمق الخلجات النفسية وأحكمها بناء”، وهذا مردّه إلى ” طبيعة المناجاة ذاتها، إذْ ينفرد البطل (في معظم الحالات) بنفسه على خشبة المسرح. يروي خلجاته بصوت مسموع لا لأحد. لنفسه فقط. لا يكتم شيئاً لأنْ ما من أحد يسمعه”، ولهذا، فهو يستنتج أنها تكون صادقة كلّ الصدق.
ويقول الدكتور صلاح نيازى أن" شكسبير يهيئ قرّاءه ومشاهديه على عدة مستويات لفهم مناجياته، فإن ما يقال في مشهد واحد يكمل ما يقال في مشهد آخر، ويربطه به، لذا من الصعب فحص أيّ مقطع على حدة دون فقدان التداعيات التي هي ضرورية للفهم التام ” ويقول نيازى أيضا: ” يخلق شكسبير قبل كل مناجاة سلسلة من التوقعات، والإنطباعات المتناقضة حاشدا أسئلة في أذهان القراء أو النظارة”
وأجمع النقاد على أن ترجمة مكبث، مخاطرة، لاسيّما إذا كنت غافلاً عن لغة شكسبير الآصطلاحية. يقيناً، ما من نظرية في الترجمة لأنها إجتهاد فردي، إذا قصدنا بالترجمة الإبداع. فما ينطبق على "ملتون" لا ينطبق على "تشوسر". كلّ نصّ أصيل يأتي بنظرية جديدة، أيْ انّ نظريةً ترجميةً إن صحت فبالصدفة، فهي كالملابس الجاهزة، تصلح، ولا تصلح. ولكنْ ربّما "مع الخواطئ سهم صائب".
ويذكر الدكتور صلاح نيازى مؤكداًً ذلك فيقول " ترجمة جبرا، حينما ترجم الشطرين الأوّليْن، بالصورة التالية: "متى نلتقي ثانية نحن الثلاث"
في رعود وبروق وأمطار كاللهاث"
هنـــا جمع المترجم الرعد والبرق والمطر، ثمّ ترجم "أو" إلى الواو العاطفة، وبذلك قضى على مواقيتها الثلاثة المنفصلة.الأكثر إيذاء، أن المترجم أضاف من عنديّاته "كاللهاث". وهكذا كما يقول المثل العراقي:"أراد أن يكحلها".
ويرى نيازى أن بداية المشهد، أوّلاً، برعد وبرق له دلالات هامه. المشهد إذن يبدأ بالطقس. لهذه البديهة أهمية ذات دلالة، كأهمية الآستدلال على عنوان بيت من رقمه في حارة مزدحمة. ثمّ تدخل الساحرات الثلاث.
تقول الساحرة الأولى:
"متى نلتقي ثانية نحن الثلاث
في الرعد، أم في البرق، أم في المطر؟
When shall we three meet again?
In thunder, lightning, or in rain?
هذه لغة مجازية، تشير إلى مواقيت ثلاثة. أيْ هل نلتقي في بداية المعركة ، أيْ قعقعة السيوف، أم في وسطها حين تجرّد فتلمع، أم في نهايتها، حينما ينسفح الدم.
تقول الساحرة الثانية:
"حين تضع الحرب أوزارها
حين تُخسر المعركة وتُربح"
When the hurlyburly’s done,
When the battle’s lost and won.
وقبل أن يتفرّقْنَ، يقلنَ بصوت واحد:
"الصاحي غائم، والغائم صاحٍ"
في هذا المشهد الصغير، إنما استنبت شيكسبير ثلاثة بذور أساسية، وهي:1- الرقم ثلاثة، 2-الصدى 3- الطقس.هذه مفاتيح ناجعة، لفهم كثير من الألاغيز والمعضلات الغامضة في هذه المسرحية.
تقول الساحرة (2):سننتظر كي يهدأ الصخب الملتاث" بمعنى أنهن سيقفن منتظرات، وهذا يتعارض مع اتفاقهنّ على الإفتراق، ثمّ اللقاء ثانية في المرجة. وقال "سيهدأ" ولكن ما من هدوء، هناك حسم لا بدّ منه للمعركة، ولا أدري من أين جاءت كلمة :"ملتاث".
يقول المترجم في الحاشية 2: "الصخب الملتاث في الأصل ومعناها الحرفي هو الضجيج الأهوج والمقصود هو الفتنة الهوجاء أي فتنة التمرد على الملك واختيار الصفة العربية في النص هنا تفرضه القافية العربية". أين إذن دقة المعنى والمبنى؟
تقول ترجمة عناني أيضاً: "وينهزم الجيش أو ينتصر". هذا هو المعنى الأدبي، وهو مقبولاً إلى حدٍّ ما. المغزى العميق للمصطلح هو الخسارة والربح، لأن صداها سنصادفه على لسان الملك دنكن، في آخر جملة يقولها في نهاية المشهد الثاني:" ما خسره أمير "كودر" ربحه مكبث النبيل".أما عبارة "وينهزم الجيش أو ينتصر"، فليس في النص الإنكليزي الجيش ، وإنما المعركة . أكثر من ذلك إن ترجمة واو العطف هنا إلى "أو"، قضى على دقة المعنى، فالمعركة تخسر وتربح في آن واحد، وهي بهذا تمهد للتناقضات التالية مثل الصاحي غائم والغائم صاحٍ.
لو عدنا إلى السطرين الأخيرين في المشهد الأول:" ألا إنّما الخير شر، ألا إنما الشر خير/ فحلقن وسط الضباب وجو الهواء العكر"، فلا أدري ما الذي أغرى المترجم على اختيار الخير والشرّ من بين الشروح الأخرى؟ فليس في المشهد خير أو شّر، خاصة بالنسبة إلى الساحرات الثلاث، وإنما كنّ يتحدثن عن الطقس منذ السطر الأوّل في المشهد. الترجمة الأقرب كما يبدو هي:"الصاحي غائم والغائم صاحٍ"نجد صدى لهذه الجملة في الفصل الأوّل- المشهد الثالث، حين قال مكبث:" لم أرَ يوماً صاحياً وغائماً كهذا اليوم".
ويضيف نيازى أما الشطر:"فحلقْنَ وسط الضباب وجو الهواء العكر"، فكنت أتصور من قبل أن العكر إنما هي صفة للماء ، لا للهواء. بالإضافة فإنها إنما أدرجت هنا لأنها تماشي قافية :"ينتصر" في البيت السابق". أمّا" فحلقن"، فما من أحد يستطيع أن يجزم أن الساحرات الثلاث كنّ مجنحات. ولو كنّ كذلك لما أبحرت الساحرة الأولى من اسكتلندا إلى حلب بمنخل. كان أسهل عليها أن تطير إلى هناك.
ويضيف نيازى فيقول: " لننظرفي عبارة Foul air التي ترجمها عناني : الهواء العكر. قد يكون من المفيد تأمّل هذه الكلمةفهي تعني : الفاسد، العفن، الملوّث، الموبوء. قد يختار المترجم أيّاً من تلك المعاني، حسب مقتضى الحال، ولكن حين تكون الترجمة اصطلاحية، فلا بدّ له من تحديد الكلمة فنيّاً. وفي هذه الحالة قد تكون "الموبوء" أقرب إلى النص، نظراً لاهتمام المسرحية بالطب والأمرض النفسية والجسدية والعلاج كما في الحوار الذي دار بين مكبث والطبيب، في الفصل الخامس- المشهد الثالث، بالإضافة إلى تأثر شيكسبير بالطبيب والخيميائي الألماني Paracelsus الذي شاعت كتاباته ومعتقداته حتى بين العامة في العصر الإليزابيثي."
ويرى نيازى أن ترجمة جبرا إبراهيم جبرا تحتاج إلى قارئ فنجان ليفكّ ألاغيزها:
"والجائر مكدونلد
ما أجدره بالتمرد، إذ لتلك الغاية
راحت نذالات الطبيعة المتكاثرة
تنغلّ عليه؟"
في النصّ الإنكليزي ورد مصطلح .Nature غاب عن جبرا معنى هذا المصطلح فترجمه :"الطبيعة"، هنا وحيثما ورد في المسرحية. هذا المصطلح لا يعني عند شيكسبير في مسرحية مكبث إلا : الجسم الحيّ أو الحياة.أمّا " تنغلّ عليه" فتعبير جديد عليّ، والمقطع كلّه يدخل في باب حاطب ليل.
سنبحث مفهومين شائعين في مسرحية، مكبث هما Time و Nature ونرى كيف ترجما. مثلاً في الفصل الأوّل- المشهد الخامس، يخبر مكبث زوجته الليدي مكبث عن زيارة الملك لهما.نصحت الليدي مكبث زوجها بالتستروالظهوربمظهر مضلّل:
Your face, my Thane, is a book, where men
May read strange matters. To beguile the time
Look like the time…’
"وجهك يا أميري، مثل كتاب، حيث
قد يقرأ فيه الناس أموراً غريبة، وحتى تضلل الناس،
فابدوا لهم كما يبدون"
لا بدّ من التوكيد أن شكسبير عنى بمصطلح الـ Time الناس أو العالم، ولا يعني الزمن، وإلا وقع المترجم بتغاريب وتعاجيب ترجمية مربكة، كالذي وقع فيه جبرا، فجلب على نفسه وعلى النص الأذى.
ولكن لننظر إلى ترجمة الأستاذ عناني للأبيات أعلاه. قال:
"وجهك يا مولاي كتاب مفتوح يقرأ فيه الناس غرائب
أغلقه إذن لن تنجح أن تخدع هذا الزمن بحق إلاّ
إذا حاكيت محيّاه"لا أدري ولا القارئ يدري ما هو الزمن الذي عناه عناني، وإذا كنّا لا نعرفه فكيف لنا "محاكاة محيّاه" كذا على نمط ترجمة جبرا المغلوطة.
كان من هموم هذه المقالة التوكيد على أهمية الترجمة التي تُعنى بالتقنيات، مقابل الترجمة الأدبية، وعلى الأخص في مسرحية مكبث، لأنّ لغتها كما قلنا أعلاه مشحونة بالتوريات والمصطلحات الدينية والقانونية والمسرحية، وهي إلى ذلك لغة تلميح لا تصريح. جملها لاهثة قصيرة حادّة.
وختاماً لمقالته يقول الدكتور صلاح نيازى :" أودّ التوكيد مرّة ثانية ، على أن هذه المقالة كُتبت بخلوص نيّة وهي تنأى بنفسها عن أيّ تجريح ، أو تعريض وإنما همّها الأوّل والأخير هو الموازنة بين الترجمة الأدبية والترجمة التي تُعنى بالتقنية.وإكراماً للدكتور عناني وإعجاباً بمقدمته الثرية وشروحاته الوافية حقّاً، اقتبس كخاتمة لمقالتي ،الأسطر الأخيرة من مقدمته . قال الأستاذ عناني:" ولا بدّ ان القارئ قد اتضح له أن الآراء تختلف باختلاف المداخل ووجهات النظر المذهبية والفنيّة إلى حدّ يصعب معه التوفيق بينها أحياناً، وحرية الاختيار ملك للقارئ وحده ".