يتسابق الناس بشتى أصنافهم وأعمارهم ومنازلهم في البدار إلى ميادين السباق الدنيوية على اختلاف جوانبها، وهذا مما فُطرنا عليه أن نجد السباق بين البشر يتنامى ويتزايد، خاصة أن الله - عز وجل - جعل الإنسان خليفته في الأرض.. يعمرها ويتعبد الله فيها.

وهذا السباق على اختلافه زائل بزوال هذه الدنيا، لا أثر له في الحياة الباقية " الدار الآخرة "، مهما كانت قوته ومهما طال أمده، لفقد عامل الفلاح الأبدي، فضلاً عن حرمة بعضه وفساده شرعاً ونقلاً وعقلاً.

ولكن ثمة سباق شريف عظيم يحبه الله عزو جل ويرضى عنه، وهو سباق الناس في طاعة ربهم وابتغاء رضاه ونيل محبته وولايته يغفل عنه كثير من الناس في ظل سعير الطلب الحياتي، ولظى هموم الدنيا المصطنعة من ذواتهم.

مدح الله - عز وجل - السابقين في هذا المضمار في مواضع عديدة ومواقف كثيرة في كتابه الكريم، فمرةً يمدح أنبيائه الكرام ورسله العظام في سورة الأنبياء، بمسابقتهم في الطاعات ومسارعتهم للصالحات {إِنَّهُم كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الخَيرَاتِ وَيَدعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}..

ويثني  سبحانه  في سورة المؤمنين على عباده المؤمنين الخائفين الموحدين المنفقين أنهم {يُسَارِعُونَ فِي الخَيرَاتِ وَهُم لَهَا سَابِقُونَ}..

وفي سورة الحديد يدعو - عز وجل - يا من وصفتم بالإيمان أن {سَابِقُوا إِلَى مَغفِرَةٍ, مِّن رَّبِّكُم وَجَنَّةٍ, عَرضُهَا كَعَرضِ السَّمَاء وَالأَرضِ} وغيرها من الآيات الكريمات في هذا المعنى.

وفي السنة المطهرة نجد لفيفاً من النماذج الباهرة والمواقف الخالدة عن سباق الصحابة العجيب لفعل الخيرات ونيل الدرجات العاليات.

 وكلنا يعلم ذلك السباق الإنفاقي الرائع بين الصديق والفاروق - رضي الله عنهما -، وسباق ذو النورين رضي الله عنه في بئر معونة ويوم العسرة وعام الرمادة وغيرها من المواقف التي سطرها الصحابة بأحرف من نور في سماء الهمة العالية، بفرشاة سمكها همتهم التي لا حدود لها، ولونها عزيمتهم التي لا وصف لها.

ولا أنسى ولن أنسى ذلك الموقف النبيل من الصحابي الجليل عكاشة بن محصن رضي الله عنه،عندما طلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدعوا له أن يكون من السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بلا حساب، فدعا له - صلى الله عليه وسلم - بقوله له مبشراً: (أنت منهم)؟!

مما دفع أحد الصحابة الكرام أن يطلب بدوره نيل هذا الشرف العظيم والثواب الجزيل من فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فما كان رد النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه إلا أن قال: (سبقك بها عكاشة!! ) .

 عبارة لها مالها من التوجيه التربوي النبوي الكريم الدافع لاغتنام الفرص النادرة واللحظات العابرة لنيل معالي الأمور والرقي فوق شامخات المجد وقمم العز الإيماني الذي يرضى عنه الرحيم الرحمن.

والسؤال الذي يطرح نفسه في ظل تلك النصوص المتواترة والمواقف الثابتة: مالنا لا يكون كل منا عكاشة زمانه؟

- تراه مستغلاً لوقت نزول الغيث المبارك على الأرض المجدبة، إذ يعلم أن ذلك من الأوقات المباركة لاستجابة الدعاء، فيترك الناس في لغوائهم وفي حديثهم عن شدة المطر وتأخر نزوله وكم استمر ومتى بدأ وهل ستنزهون فيه.. الخ ليتجه بيديه داعيا ربه بتضرع وخشوع وسيل من الدموع أن يغفر ذنبه ويستر عيبه وينصر دينه.

- تراه أول المسارعين لإغاثة الملهوث ونصرة الضعيف، فيسبق القوم في تلك الإغاثة والنصرة لا لنيل المنزلة الدونية في قلوبهم ولكن لنيل المحبة الربانية والعناية الإلهية.

- تراه سباقاً لسد خلل الصفوف والفوز بتلك الفرجة في الصف الأول عند آدائه الصلاة جماعة في بيوت الله، وبشكل أكثر نفعا عندما ينشر تلك الكمية الكبيرة من الكتب أو الأشرطة على الناس محتسبا الوقت والمال والجهد.

وغيرها من ميادين السباق ومضامير التسابق على الطاعات ونفع الأمة ..

إنه لحري بالمسلم أن يكون "عكاشة " زمانه ، مستغلاً لحظات و مواقف حياته علَّ الله - عز وجل - أن ينظر لمسابقة عبده الشريفة فيرحمه ويرضى عنه وذلك وربي نعم السباق ونعم المفاز.

فإذا عزمت فبادر .. وإن هممت فثابر .. واعلم أنه لا يدرك المفاخر من كان في الصف الآخر ..