تنهيدة طويلة في منتصف هذا اللّيل ،بعد طريقٍ طويلٍ وشاق أمضيته نهاراً ،أستلقي قبل أن أُشعل سيجارتي على كرسيّ هذا المكتب الذي لطالما أخذ جزءاً منّي معه وأخذته معي طوال الطّريق،
ألقي بقدماي أرضاً ،متعباً ومستسلماً لكلّ التأثيرات الأرضيّة ولكلّ الأفكار اللّيليّة،
أعيش حالةً طويلة من محاولات البحث عن الرّاحة ،أشرب كوب قهوتي وأشعل سيجارتي الثانية معطياً نفسي فرصةً أخرى للبحث عن الرّاحة ..
لعلّ من أحدى طقوس المرء في البحث عن الرّاحة في عزّ التعب والشعور بالوحدة وهو البحث عن العزاء ..
لعلّه كان من أحدى غرائز الانسان ان لا يكون وحيداً أو على الأقل أن يشعر بذلك ..
أبدأ بالبحث عن ذلك العزاء ،أشغّل أشعار درويش ،لعلّه كان يلقي أرقى عزاءٍ لأنفسنا ،عزاء بنصوص التجارب ووصفها بالطريقة الأدبية التي ترقى لأن تكون بمستوى التعب الذي نشعر ..
لربما تخيل لي أشعاره بتلك الوسادة التي أهيم وألقي نفسي عليها متعباً من طريق طويلٍ شاق .
حسناً ..
"كم البعيدُ بعيدٌ ؟
كم هي السُّبل ؟
نمشي ونمشي إلى المعنى ولا نصِلُ ..
هو السّرابُ ،
دليلُ الحائرين ..
إلى الماء البعيد ..
هو البُطْلان .. والبَطَلُ ..
نمشي ،وتنضج في الصّحراء حكمتنا ..
ولا نقول ؛
لأن التِيه يكتملُ ..
لكنّ حكمتنا تحتاجُ أُغنيةً خفيفة الوزن كي لا يتعب الأملُ ..
" حسناً .. كم البعيدُ بعيدٌ ؟ وكم هي السُّبُلُ ؟!!