نقل عن لسان د. وسمة العشاوي، اختصاصية أمراض الدم في مشفى ابن النفيس بدمشق، بحسب بعض وسائل الإعلام نهاية شباط 2019: «بدأت تتزايد حالات الإصابة بالأورام السرطانية ضمن شرائح الصغار في سورية، خاصة ذوي الأعمار المبكرة، وهي الفئة التي لم تكن الأورام شائعة وسطها، قبل سنوات»، مؤكدة: «أن أغلب تلك الحالات تأتي من المناطق الشمالية الشرقية في البلاد (الحسكة، والرقة، ودير الزور)، وتشير إلى أنها تعاين يومياً ما بين 30- 40 مريضاً في المستشفى من مراجعي أمراض الدم، وتصف هذا الرقم بأنه كبير جداً».

هذه التصريحان تؤكد تزايد حالات الإصابة بمرض السرطان بين المواطنين السوريين وفي المقابل لا بد من الإشارة إلى أن المشافي الحكومية تعتبر من المصادر الأقرب للدقة من حيث المعلومات والبيانات والأرقام حول المرض، رغم شحتها، وذلك لسبب بسيط ومعروف أن غالبية المصابين بهذا المرض من الفقراء لا يلجؤون إلا إلى المشافي الحكومية المتخصصة، أولاً كونها تمتلك الخبرات والتجهيزات، وثانياً كون علاج هذا المرض ومتابعته والاستشفاء منه مكلفاً جداً، بحيث لا يمكن لهؤلاء اللجوء للأطباء الخاصين أو إلى المشافي الخاصة،

وبالتالي فإن الاعتماد على ما يرشح من بعض المختصين في المشافي الحكومية من تصريحات حول الموضوع ربما يعتبر غنيمة لتسليط الضوء على المرض في سورية، وهي على ذلك تعتبر هامة من محورين أولاً كونها رسمية، وثانياً كونها نادرة.

نقلاً عن سانا بتاريخ 28/1/2018، يقول رئيس دائرة مكافحة السرطان في وزارة الصحة الدكتور فراس الجرف: «إن معدل الإصابة بالسرطان هو واحد من كل ألف شخص سنوياً، وهو مقارب لدول الجوار لكن المشكلة الأساسية أن 70% من الحالات تراجع المؤسسات الصحية في مراحل سريرية متأخرة».

وعن السرطانات الأكثر شيوعاً حسب الجنس يوضح الدكتور الجرف أنه «بالنسبة للإناث يتصدر سرطان الثدي بنسبة 30% يليه القولون والمستقيم ثم الدم وللرجال سرطان الرئة ثم القولون والمستقيم والدم يليه الدماغ والبروستات مبيناً أن سرطان الأطفال يشكل 10% من مجموع السرطانات وأكثر الأنواع شيوعاً التي تصيبهم هي الدم ثم اللمفوما والدماغ والجملة العصبية المركزية».

الوكالة الدولية لأبحاث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية، وفي تقريرها الصادر بشهر أيلول 2018، تقول: «احتلت سورية المركز الخامس بين دول غرب آسيا في عدد الإصابات بمرض السرطان قياساً بعدد السكان»، وبأن هناك: «196 شخصاً مصاب بالسرطان من كل 100 ألف سوري، وأن 105 حالات وفاة من كل 100 ألف سوري»، وبحسب المنظمة «يعد السرطان مشكلة صحية عمومية والمرض آخذ في التزايد بوتيرة سريعة».

بالعودة لتصريح اختصاصية أمراض الدم، فقد قالت حول أسباب انتشار المرض في بعض المناطق دوناً عن غيرها: «إن المواد المشعة المستخدمة في تلك المناطق قد تكون من بين الأسباب، إضافة إلى التعرض للمشتقات النفطية بطرق غير صحيحة»، وذلك إشارة إلى ما انتشر خلال السنوات الماضية من عمليات تقطير بدائية للنفط في المحافظات المذكورة.

أما المشكلة الأساسية بالنسبة لمرضى السرطان فتتمثل بإمكانية الاستجابة للعلاج، بحسب نوعه، وهي مشكلة مضافة إلى مشكلة المرض نفسه، والتي تتزايد بحال الانقطاع عن العلاج لفترات طويلة، أو التأخر به وخاصة بالنسبة للعلاج بالجرعات، الكيميائية أو الاشعاعية، مع العوامل النفسية المصاحبة لذلك طبعاً.

يبقى أن نشير إلى أن مشكلة مرضى السرطان ومعاناتهم لا تقتصر على اكتشاف المرض، وخاصة الكشف المبكر، والتمكن من الوصول لمراكز العلاج في الأوقات المحددة، لمتابعة المرض وصولاً لحال الاستشفاء منه، بل إن معاناتهم الأشد هي مع تأمين الأدوية اللازمة للعلاج، سواء من ناحية مصدرها ونوعها ومواصفتها أو ناحية سعرها، خاصة وأن بعض أنواع الأدوية تعتبر نادرة بحسب نوع المرض، وهي على ذلك تصبح أعلى سعراً، خاصة وأن بعضها غير متوفر في المشافي الحكومية والمراكز المخصصة لعلاج الأورام، وذلك بسبب العقوبات والحصار ، علماً أن وزارة الصحة تؤمن العلاج المجاني لمرضى السرطان عبر مشافيها ومراكزها التخصصية .

بمطلق الأحوال، لعل ما ورد أعلاه يسلط الضوء على واقع تزايد انتشار المرض والمعاناة المرتبطة به، مع ما يفرضه ذلك من ضرورات على مستوى المزيد من الاهتمام والرعاية للمرضى المصابين به، خاصة وأن غالبيتهم من مفقري الحال العاجزين عن اللجوء للقطاع الخاص، مع عدم إغفال ما يتم بذله من جهود من قبل الأخصائيين العاملين في وزارة الصحة ومشافيها ومراكز الاستشفاء والرعاية الحكومية، ولعل ذلك يبدأ بضرورة تأمين كافة الأدوية اللازمة للعلاج والاستشفاء بعيداً عن أوجه المحاباة والفساد، طبعاً يرافق ذلك ضخ المزيد من الأخصائيين والفنيين في المشافي والمركز الطبية، مع تأمين ضروراتهم ومتطلباتهم، وخاصة المعيشية والخدمية من حيث الأجر والتعويضات وغيرها، مع أهمية الشفافية الرسمية بما يخص المعلومات والبيانات المرتبطة بهذا المرض (أعداد المرضى- العلاج المتوفر بحسب نوعه- الكميات الموزعة لكل مركز علاجي- عدد الحالات التي تم شفاؤها..) فهذه المعلومات والبيانات من المفترض أنها ليست سرية ومحظورة.


بقلم محمد الطه