مع إقتراب ذكرى ديسمبر الثالثة للثورة السودانية التي إندلعت في أواخر العام 2018م، ما زالت أهداف وشعارات الثورة السودانية حبيسة الأماني والطموحات، في ظل تضاءل فرص تحقيق هذه الأهداف والمطالب حسب ما تظهر المؤشرات السياسية للوضع الراهن في البلاد.

إتفاق سلام جوبا وزيادة نفوذ المكون العسكري

يعد إتفاق سلام جوبا بين السلطة الإنتقالية والحركات المسلحة أحد أهم الإنجازات التي قد تحسب للسلطة الإنتقالية الحالية في السودان بشكل عام، حيث ضمن الإتفاق مشاركة معظم الحركات المسلحة في السلطة الإنتقالية بصورة واسعة وهو مالم يكن متاحا في السابق، إلا أن الإتفاق عزز من نفوذ المكون العسكري في السلطة عبر تقارب واضح بين قيادات الحركات المسلحة وكل من رئيس مجلس السيادة الإنتقالي عبدالفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو، في وقت ظن فيه الشارع السوداني أن إتفاق السلام سيعزز من نفوذ المكون المدني ويحدث توازنا في القوى عبر تكوين قوة عسكرية موازية للجيش والدعم السريع تمنع المكون العسكري من أي محاولة إنقلاب على السلطة الإنتقالية أو الإنفراد بقراراتها، إلا أن ما حدث عكس ذلك تماما، خاصة مع محاولة المكون العسكري إستمالة قائد الحركة الشعبية شمال عبدالعزيز الحلو، والذي يبدو أقرب إلى المكون المدني من المكون العسكري.

ضعف الحاضنة السياسية وقوى الثورة السودانية 

على الجانب الآخر أدت الخلافات الداخلية للحاضنة السياسية ( قوى الحرية والتغيير)، بالإضافة إلى خلافات تجمع المهنيين السودانيين وإختيار قيادة جديدة له لا تتمتع بشعبية كسابقتها في الشارع السوداني، وكذلك عدم تنظيم قوى الثورة السودانية وعلى رأسها لجان المقاومة السودانية، كل ذلك أدى إلى إضعاف المكون المدني في السلطة الإنتقالية والذي يستمد قوته من كافة القوى المدنية الموقعة على إعلان الحرية والتغيير، كما تسببت أيضا القرارات التي إتخذتها الحكومة الإنتقالية مؤخرا والتي أثارت جدلا في الشارع السوداني، مثل قضية تطبيع العلاقات مع إسرائيل ورفع الدعم الحكومي عن الوقود والتعديلات على القوانيين الجنائية، إلى فقدان الحاضنة السياسية لتأييد بعض الأحزاب السودانية وإنهاء أي محاولة تقارب أو مصالحة وطنية مع التيارات الإسلامية والتي ما زالت تشكل تهديدا للحكومة الإنتقالية.

تردي الأوضاع الإقتصادية

يمثل الملف الإقتصادي أحد أهم التحديات التي تواجهها الحكومة الحالية، خاصة في ظل الإنهيار الإقتصادي الذي يواجهه السودان الآن، ورغم الدعوات المتكررة بضم شركات قطاعي الأمن والجيش السوداني تحت ولاية وزارة المالية إلا أن هذه الدعوات لم تجد قبولا من المكون العسكري، بل بدأت بالتلاشي مع وجود أزمات إقتصادية من بينها عدم توفر الوقود رغم تحرير الأسعار، وأزمة توفير الخبز التي تشهدها البلاد منذ الأيام الأخيرة لنظام البشير، كما يشهد الشارع السودانية تظاهرات محدودة خلال الفترة الماضية إحتجاجا على تردي الأوضاع الإقتصادية في البلاد والتي من المتوقع أن تتسع رقعتها في ظل إستمرار هذا التردي.

غياب المجلس التشريعي الإنتقالي

رغم وعود الحاضنة السياسية للحكومة الإنتقالية بتأسيس المجلس التشريعي الإنتقالي، إلا أن تأسيس المجلس يواجه أزمة أخرى حاليا تتمثل في توزيع مقاعد المجلس على الحاضنة السياسية وقوى الثورة وشركاء السلطة الإنتقالية، وهو ما قد يؤدي إلى تأخير تشكيل المجلس من جديد، خاصة مع إعتراض لجان المقاومة السودانية وبعض قوى الثورة السودانية على عملية توزيع هذه المقاعد من قبل قوى الحرية والتغيير.

لجان تحقيق بلا نتائج

منذ تكوين لجان التحقيق في الإنتهاكات والمجازر التي إرتكبتها القوى الأمنية والعسكرية منذ إندلاع الثورة السودانية وحتى مرور أكثر من عام على تأسيس الحكومة الإنتقالية، ظلت نتائج هذه اللجان محل شك من قبل الشارع السوداني، وتحديدا تلك التي تتعلق بضحايا إعتصام القيادة العامة بالخرطوم العام الماضي، وحتى هذه اللحظة لم تقدم بعض هذه اللجان أي نتائج أو معلومات أولية حول ما حدث من إنتهاكات، وهو ما يقدح في مساعي الحكومة الإنتقالية لتحقيق أهم شعارات الثورة السودانية وهو تحقيق العدالة.

إستمرار الإعتقالات التعسفية

أعادت الإعتقالات التعسفية لعدد من الناشطين والصحفيين السودانيين، بالإضافة إلى قوانين لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد والتي من شأنها إدانة كل من وجه إنتقادا للجنة، قضية الحريات إلى الواجهة من جديد، ووجه موالون للحكومة الإنتقالية إنتقادات حادة للحكومة على خلفية هذه القضية، وهو ما قد يؤثر سلبا على دعم وتأييد الحكومة الإنتقالية.


إن تحقيق مطالب الثورة وفق هذه المعطيات أمر لا يمكن حدوثه، بل من المرجح أن يتم إستبدال الحاضنة السياسية بأخرى تضمن إستمرار نفوذ العسكر في السلطة وهو ما قد يشكل حكما إستبداديا جديدا بواجهة مدنية، ودون أي مواجهة تذكر.